صوفيا فكرة مركزية في اللاهوت المسيحي. تحمل معنى الذكاء والمهارة أو "الحكمة". وتعني آيا صوفيا باليونانية "الحكمة المقدسة".
في كتابه "مقدمة إلى الكنائس الأرثوذكسية المسيحية، يشير جون بينز، الأستاذ الزائر في معهد الدراسات المسيحية الأرثوذكسية في جامعة كامبريدج، إلى أن كنيسة آيا صوفيا بنيت لتصبح تجسيدًا لحكمة الله المتجسدة في المسيح، وبيتًا لحضوره على الأرض. لذا حملت رمزية "ثيوتوكس" أو مريم العذراء، كونها احتوت حكمة الله حين حملت المسيح في رحمها.
يضيف أن الكنيسة نفسها كانت مصممة لتعكس هذا المعنى. يقول إن القبة الضخمة التي تغطي الصرح، مع تدفق الضوء من خلال النوافذ، حاولت التعبير عن تدفق الضوء الإلهي من السماء إلى الأرض.
مع وصف المؤرخ المعاصر بروكوبيوس القبة التي يخيل للناظر أنها لا تقوم على البناء الصلب، لكنها معلقة من السماء بسلسلة ذهبية، لتصبح وكأن الإشعاع يولد من الداخل، وكأن الله ليس بعيدًا، بل يسكن هذا المكان.
نذكر هنا أن باب كنيسة آيا صوفيا كان يحمل فسيفساء كبيرة للعذراء مع قسطنطين وجستنيان على جانبيها. في حضنها يجلس الطفل المسيح. وظلت الفسيفساء في مكانها لأكثر من ألف عام.
وتحتل أيقونة صوفيا حكمة الله في العاصمة الأوكرانية كييف مكانًا فريدًا في الكنيسة الأرثوذكسية الروسية، وتصور ثيوتوكس العذراء، وأقنوم الحكمة المتجسد لها.
أصل تسمية الكنيسة لا يحمل الكثير من الروايات. لكن الرواية الرسمية للكنيسة القبطية الأرثوذكسية في مصر، والواردة في "قاموس القديسين" للقمص تادرس يعقوب ملطي ينسبها إلى القديسة صوفية المصرية، التي ولدت في القرن الثاني الميلادي من أبوين غير مسيحيين، والتي ترددت على الكنيسة مع بعض جيرانها المسيحيات، حتى عمدها أسقف منف (منوف العلا الآن بمحافظة المنوفية)، ولازمت الكنيسة حتى وصل أمرها إلى "الوالي أقولوديوس" في عصر القيصر هادريان فأمر بإحضارها. فلما اعترفت بمسيحيتها وعدها بالغنى إن تخلت عنها، ولما رفضت إغراءاته توعّدها بالموت.
تضيف الرواية أنها رفضت الرضوح فعذبها، ثم أمر بقطع لسانها، ثم ألقاها في السجن، ثم أمر بقطع رأسها، فصلت ليسامح الرب الوالي وجنوده، حتى قطعت رأسها في الخامس من شهر توت.
بحسب الرواية نفسها، قدمت امرأة مسيحية أموالاً كثيرة إلى الجند حتى أخذت جثمان صوفية، ثم كفنته بلفائف ثمينة وحفظته في منزلها، فخرج نور وائحة بخور من جسدها، وبدت لها كرامات في ذكرى مقتلها من كل عام.
ولما وصل أمرها إلى الملك قسطنطين الحكم أمر بإحضار جسدها للقسطنطينية حيث خصص لاسمها كنيسة عظيمة (آجيا صوفيا) ووضع جسدها فيه.
الرواية نفسها حاضرة في كتاب أعمدة الزوايا للقمص بيشوي عبد المسيح، وتحتفل الكنائس القبطية الأرثوذكسية بالقديسة صوفية المذكورة في الخامس من توت سنويًا.
مع ذلك، تشير الكنائس الأخرى التي تحمل اسم أيا صوفيا في الشرق الأوسط إلى شخصية مختلفة مرتبطة بكنيسة آيا صوفيا في صيدنايا السورية "والتي يعود تأسيسها إلى عصر الإمبراطور يوستنيانوس.
يقول بطريركاً الروم الكاثوليك يوسف العبسي إن مريم العذراء أمرت الإمبراطور بتعمير المنطقة بنفسها، وإن اسم الكنيسة منسوب للقديسة صوفيا أم العذراوات الثلاثة.
وبحسب رواية بطريركية أنطاكية للروم الأرثوذكس، صوفيا المقصودة هنا بنت عائلة شريفة من أنطاكية، آمنت بالمسيحية، وأسمت بناتها الثلاثة بيستس "الإيمان"، وهلبيس "الرجاء"، وأغابي "المحبة"، وانتقلت ببناتها إلى روما، فتحول بينها إلى مركز للمسيحية، فاستدعاهن الإمبراطور أدريانوس، فحاول إغرائهم، ثم سجنهن، ثم بدأ تعذيبهن، ثم قتلهن واحدة تلك الأخرى أمام عيني أمهن، ثم أطلق سراح الأم، فأخذت أجساد بناتها وأودعتها القبر. وبقيت تصلّي على ضريحهن ثلاث ليال وثلاثة أيام إلى أن لحقت بهن.
الكنيسة القبطية المصرية تضيف للرواية في "قاموس القديسين" أن الرب انتقم "فأصاب الملك أدريانوس مرضا في عينيه فأعماهما، وتدوَّد جسمه ومات ميتة شنيعة".
تقول الرواية إن الإمبراطور قسطنطين الأول بنى الكنائس في العاصمة الجديدة للإمبراطورية على أساسيات المعابد الوثنية، وكان نصيب آيا صوفيا أساسيات معبد أبولو فوق التل المطل على بحر مرمرة. كان حريصًا كذلك على بناء القسطنطينية على نفس نسق روما حيث بها 7 تلال أيضا وتحمل نفس تقسيم العاصمة القديمة.
يرى مؤرخون أن قسطنطين كان يريد تأسيس مدينة مسيحية خالصة بعيدًا عن روما، خاصة وأنه انتصر توًا في حرب أهلية تحت شعار الصليب، فأراد أن تكون عاصمته الجديدة بعيدة عن أي مؤثرات الحكم القديم في روما، وتكون قريبة في نفس الوقت من الجبهة الفارسية في حال اندلاع حرب.
كانت آيا صوفيا تعرف باسم الكنيسة الكبيرة "ميغالي أكليسيا"، لكنها لم تكن أكثر شهرة من غيرها كثيرًا عند افتتاحها في 360 ميلادية. لم تكن حتى أكثر أهمية من كنيسة آيا إيرين، التي كانت أول كنيسة يكتمل بناؤها في القسطنينية، لكنها كانت الكنيسة التي يرعاها الإمبراطور ثيوديسيوس وأقيم فيها المجمع المسكوني الثاني في 381.
كان يمكن أن تظل آيا صوفيا كنيسة عادية كبيرة الحجم لولا أنها تعرضت لحريق دمر سقفها في 404 ميلادية، وحريق أخر ضخم خلال ثورة نيكا على يد جماعات الديم الذين حرقوا كنائس أخرى منها كنيسة آيا إيرين،
عام 532 في عهد الإمبراطور جستنيان الذي أمر بإعادة بناء كافة المباني التاريخية المحترقة لكنه أولى أهمية خاصة لآيا صوفيا، حيث قام بتوسيع مساحتها وإضافة قبة ضخمة كانت تعد معجزة هندسية في ذلك الوقت.
ومع تعاظم نفوذ جستنيان باعتباره الإمبراطور الذي أعاد روما إلى حكم الإمبراطورية بعدما تم غزوها على يد الجيرمان كانت كنيسة آيا صوفيا ترتفع مكانتها حتى فاقت كنيسة روما.
تصميم آيا صوفيا لم يستمر كما هو بنقوش وزخرفة عصر جستنيان، حيث تعرضت لأزمات تسببت في فقدانها رونقها الأصلي، عندما تم تجريد الكنيسة من الصور والتماثيل والأيقونات في 726، مع اشتعال الصراع حول تبجيل الأيقونات الدينية أو تحريمها. وتسبب هذا في فقدان الكثير من الكنوز من جدران آيا صوفيا قبل أن يعاد تجديد الأيقونات بها في القرن التاسع.
ثم تعرضت لنهب كنوزها في الحملة الصليبية الرابعة ضمن نهب مدينة القسطنطينية، كما تحولت إلى كاتدرائية كاثوليكية في 1204، قبل أن تستعيدها الكنيسة الشرقية في 1261.
مع استيلاء العثمانيين على القسطنيطينية، أعلن محمد الفاتح تحويل آيا صوفيا لمسجد، وأقام الصلاة بها، وأمر بصهر أجراس الكنيسة، وفي القرن السادس عشر، أضيفت أربع مآذن، وهُدمت جدران آيا صوفيا وأعيد بناؤها من جديد حتى يبدو تصميمها مناسبًا لتصميم مسجد، وتم طمس الجداريات ونقوش الفسيفساء مع باقي الرموز المسيحية.
بعد هزيمة الإمبراطورية العثمانية في الحرب العالمية الأولى، كانت إسطنبول تحت الاحتلال الأوروبي المباشر وبمعاونة قوات يونانية راغبة في الاستقلال، من ضمن هذه القوات كان الفيلق الثاني اليوناني يضم قسا أرثوذكسيا يدعى ألفثيريوس وكان القس أول من يقود صلاة مسيحية في آيا صوفيا منذ دخلها العثمانيون.
وكانت هذه الصلاة رمزية كونه بدأها من منتصفها كدليل على استكمال أخر صلاة قطعها العثمانيون عند دخول القسطنطينية في 1453.
هنا تصاعدت دعوات لإعادة آيا صوفيا كنيسة مرة أخرى، وانتشرت هذه الدعوات في العشرينيات من القرن الماضي ولذا في 1934 اتخذ أتاتورك قرارا بتحويل آيا صوفيا لمتحف وإيقاف الصلوات فيها سواء للمسلمين أو المسيحيين كما أنه اعتبر تحويلها لمتحف سيكون وسيلة لتوجيه رسالة بتوجه تركيا العلماني الغربي. بحسب كتاب "حكاية أتاتورك والإسلام".
مثلما كانت آيا صوفيا رسالة للغرب في عصر أتاتورك، كان إردوغان يستخدمها كذلك كوسيلة لبث رسائل سياسية مثلما حدث في 2014، عندما دعا البابا فرانسيس لزيارة تركيا وزيارة آيا صوفيا، وأقام البابا الصلاة في المسجد الأزرق،
لكن عندما زاد التوجه الشرقي لتركيا، بدأت تظهر فعاليات قراءة القرآن في آيا صوفيا عام 2015 و 2017 بحضور إردوغان نفسه، حتى أعلن الرئيس التركي تحويل آيا صوفيا لمسجد من جديد في يوليو 2020.