مع وصول الإسلاميين للحكم في تركيا مجددًا مطلع الألفية الثالثة، التقت مصالح حزب العدالة والتنمية مع إسرائيل. وجد أردوغان أن توسيع علاقات تركيا بإسرائيل سيساعده للانضمام إلى الاتحاد الأوروبي.
تنمية علاقات تركيا - إسرائيل غطى أكثر من مجال. لكن أردوغان رأى في أحدهم فرصة لا تعوض؛ الوساطة لفتح أبواب العواصم العربية والإسلامية لإسرائيل، مقابل وساطة إسرائيل لفتح أبواب بروكسل أمام أنقرة.
أرادت تركيا دائمًا أن تكون جزءًا من عملية السلام في الشرق الأوسط.
تقول هاآرتس إن أنقرة عرضت خدماتها كوسيط مع السلطة الفلسطينية ومع حماس، ووقتها رفض الرئيس المصري حسني مبارك العرض وقال لأردوغان إن القاهرة تملك الحق الحصري للتوسط في الصراع الإسرائيلي الفلسطيني.
رغم ذلك، سمحت إسرائيل لتركيا بلعب دور الوسيط، رغم تشككها في قدرة أنقرة على دفع عملية السلام.
في سبيل تحقيق أهدافه، بدأ أردوغان التجهيز للقاءات بين الوفود العربية في تركيا وبين الإسرائيليين.
أولى هذه اللقاءات جرت بتنسيق مباشر من أردوغان شخصيًا في 2005، عندما سهل لقاء بين سيلفان شالوم ووزير خارجية باكستان خورشيد محمود كاسوري.
دعاهما أردوغان لتناول العشاء في مكان رائع في إسطنبول، حسبما وصفه شالوم، ونظم الاجتماع بنفسه.
في اليوم التالي، سمح لهما بعقد مؤتمر صحفي كبير لمناقشة تعزيز العلاقات إلى حد إقامة علاقات دبلوماسية.
لم يكتفِ أردوغان بدعوة الدول الإسلامية إلى إسطنبول وتسهيل لقاءاتها مع المسؤولين الإسرائيليين، بل قام بتسهيل المباحثات، من خلال التوسط بشكل غير مباشر بين الجانبين. هنا نتحدث عن التوسط بين سوريا وإسرائيل.
في 2005، ومع خروج القوات السورية من لبنان، وجدها أردوغان فرصة لتقريب وجهات النظر بين إسرائيل وسوريا، فأرسل وزير خارجيته عبد الله جول في جولة للبلدين لبحث السلام، بعد أن حصل أردوغان بنفسه على "نوايا حسنة" من سوريا برغبتها في السلام.
وفي تصريحات للتلفزيون الإسرائيلي قبل مغادرته أنقرة، قال جول إن عددًا من العوامل، بما في ذلك "النوايا السلمية" لسوريا، جعلته متفائلًا بشأن آفاق السلام في الشرق الأوسط.
ونصح جول شارون بأنه يجب أن يستفيد من المناخ الإقليمي الجديد من أجل تحقيق السلام ليس فقط مع الفلسطينيين، ولكن مع سوريا ولبنان أيضًا.
ثم أجرى جول مباحثات مع القيادات الفلسطينية، وتوجه بعدها للأردن.. في رحلة كان غرضها الواضح هو السلام بين إسرائيل والعرب.
وفي زيارة نادرة لزعيم دولة إسلامية، وصل رئيس الوزراء التركي، رجب طيب أردوغان، إلى إسرائيل في أول مايو للعمل كوسيط سلام في الشرق الأوسط.
أردوغان جلب مجموعة كبيرة من رجال الأعمال في زيارته التي استمرت يومين. كما وضع إكليلًا من الزهور في النصب التذكاري لضحايا الهولوكوست، ياد فاشيم.
وقال في مؤتمر صحفي مع شارون: جئت إلى هنا للمساهمة في عملية السلام.
ظلت المباحثات متعثرة حتى توجه أردوغان بنفسه إلى سوريا للقاء بشار الأسد في 2008، وفتح الملف من جديد ومن هناك أعلن أن أن بلاده تلعب دور الوسيط بين سوريا وإسرائيل بهدف التوصل إلى سلام في المنطقة.
وأضاف أن تركيا ستحاول إعادة اطلاق المفاوضات على مستوى منخفض، وذلك بهدف التوصل يومًا ما إلى جمع قادة الدول (يقصد العربية والإسلامية).
الاجتماع بين الأسد وأردوغان استمر قرابة الساعتين، وتناول العلاقات الثنائية بين البلدين والوساطة التركية بين سوريا وإسرائيل، والأوضاع في المنطقة والعالم.
في نهاية 2008، وصلت العلاقات التركية الإسرائيلية إلى أدنى مستوياتها نتيجة الهجوم الإسرائيلي الذي استمر ثلاثة أسابيع على قطاع غزة، وقتها شعر نظام أردوغان بالإحراج لأنه قبل خمسة أيام فقط من بدء العمليات، كان رئيس الوزراء الإسرائيلي إيهود أولمرت في أنقرة، ووعد بمقاربة سلمية للقضية.
وقتها أعلنت الحكومة التركية إنهاء دبلوماسيتها الوسيطة في المساعدة في عملية التفاوض بين إسرائيل وسوريا، بعد أن نُظمت مظاهرات حاشدة في كل مدينة تقريبا في تركيا، وبعد أن انسحبت سوريا من المباحثات.
وخلال قمة دافوس الاقتصادية لعام 2009 ، شارك رئيس الوزراء أردوغان في حلقة نقاش مع الرئيس الإسرائيلي شيمون بيريز والأمين العام للأمم المتحدة بان كي مون ورئيس جامعة الدول العربية عمرو موسى.
استغل أردوغان الزخم الشعبي الناقم للحرب على غزة، وحاول كسب وضع متفرد في العالم العربي، فهاجم بيريز وغادر القاعة، تدهورت العلاقات بين إسرائيل وتركيا بشكل كبير.
موقف أردوغان في دافوس منحه مكاسب شعبية مؤقتة، فرفع المتظاهرون صوره في المظاهرات بالبلدان العربية، مما اضطر القادة العرب إلى إعلان أن القضية الفلسطينية هي مسألة عربية داخلية.
استكمل أردوغان لعب الدور النضالي ضد إسرائيل، لكنه لم يجد أي مكاسب من ذلك، فاضطر إلى العودة لطلب الوساطة من جديد.
في أواخر 2009، قال الرئيس التركي عبد الله جول إن أنقرة على استعداد لاستئناف الوساطة بين إسرائيل وسوريا إذا طلب الطرفان الاستمرار في ذلك.
تصريحات جول جاءت أثناء توجهه للأردن لبحث الجهود المبذولة لتحقيق السلام في الشرق الأوسط.
بعد توقفها في 2008 لم تطلب سوريا أو إسرائيل الوساطة من تركيا، فقال جول إن بلاده لا تستطيع التوسط دون رغبة الطرفين، وحفز الدول الإسلامية على السلام مع إسرائيل بأن السلام العادل والشامل اذا حل في هذه المنطقة، فستنعم جميع الأطراف به.
إسرائيل لم ترحب بعودة تركيا، خصوصًا مع اتجاه إسرائيل لفكرة المفاوضات المباشرة، وعرض رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو لقاء الرئيس السوري بشار الأسد واستئناف مفاوضات السلام مع سوريا بدون وسيط.
في 2013، حاولت تركيا العودة للوساطة في مباحثات السلام من خلال الولايات المتحدة، من خلال نشر صحفها نية وزير الخارجية الأمريكي جون كيري مطالبة لاستخدام علاقات أردوغان مع حماس لحمل مشعل على الاعتراف بإسرائيل وإعلان نهاية الكفاح المسلح.
لكن الأزمة وقتها أن إسرائيل رفضت أن تلعب تركيا دورًا نشطًا في الوساطة بين إسرائيل والفلسطينيين في محادثات السلام المستقبلية.
وفي الوقت نفسه رفضت مصر (ممثلة في الجيش والمخابرات) أي تحركات من جانب تركيا للتوسط في محادثات السلام بالشرق الأوسط، رغم ترحيب الرئيس الأسبق محمد مرسي، بحسب هاآرتس. مما أوقف أي وجود لتركيا في مباحثات السلام العربية مع إسرائيل.