الإمبراطورية العثمانية كانت آخر شكل لمفهوم الوحدة الإسلامية أو شمولية الإسلام، حتى انهيارها بعد سلسلة هزائم في حرب البلقان 1912 والحرب العالمية الأولى 1914، ثم حرب الاستقلال التركية 1919 – 1923.
منذ ذلك الحين، فشلت العثمانية التقليدية كأيديولوجية سياسية فعالة، وتأسست الجمهورية التركية العلمانية عام 1923. بعدها أجريت إصلاحات أحدثت تحولًا كبيرا في المجتمع التركي نفسه.
المنعطف الذي مرت به تركيا ترك آثاره على دول الشرق الأوسط. تبعها سلسلة من حركات الاستقلال وتأسيس جمهوريات مصر الحديثة وسوريا والعراق والجزائر وتونس وغيرها. وهي الدول التي حاولت اتباع نهج أتاتورك.
صعود أردوغان في تركيا من الأساس، جاء عبر الترويج لفكرة إحياء الإمبراطورية العثمانية، وهي فكرة بدأها تورغوت أوزال وتحدث عنها وزير الخارجية أحمد داوود أوغلو: “تركيا مقدر لها أن تصبح مهيمنة إقليميا”، لكن الفارق بين أردوغان وأغلو، هو أن تأكيد أوغلو المستمر على سياسة عدم وجود مشاكل مع الجيران، عكس أردوغان الذي خلق أزمات لا حصر لها مع جميع جيران تركيا تقريبًا.
لكن التجربة التاريخية الفريدة التي مرت بها تركيا والمنطقة تفسر مقاومة دول الشرق الأوسط (مصر والسعودية والإمارات) للمشروع التركي التوسعي، في الوقت الذي يعمل فيه تحالف تركيا مع قطر والإخوان المسلمين على زيادة تفاقم التوترات القائمة ورسم خطوط صدع جديدة في جميع أنحاء المنطقة.
باقية وتتمدد | أردوغان يمدد نفوذ العثمانية الجديدة في اتجاه آسيا أيضا | س/ج في دقائق
تأسست في الأصل خلال حكم أتاتورك لتنظيم الشؤون الدينية وإذكاء الإسلام المعتدل كمسار نحو العلمانية المجتمعية وضمن سلسلة الإصلاحات العلمانية لتقييد دور الدين. لكن حزب العدالة والتنمية استولى عليها وعين موالين له عليها ليتحول دورها كعنصر مركزي في سياسة تركيا الخارجية الجديدة، يستطيع من خلالها تصدير خطب الأئمة الأتراك حول العالم، وممارسة نفوذ واسع على جاليات الشتات.
تمول تركيا بناء المساجد في جميع أنحاء العالم من أمريكا اللاتينية إلى أوروبا وأفريقيا وآسيا، وفي كثير من الأحيان يتولى أردوغان بنفسه مراسم الافتتاح. إضافة إلى تعزيز علاقتها بجماعة الإخوان المسلمين ودعمها واستضافة مؤتمرات إسلامية رئيسية في اسطنبول.
التركيز على فكرة تحويل تركيا إلى مركز دولي للتعليم الديني عبر مدارس ثانوية “الإمام الخطيب” والتي وسعت لتشمل المدارس الإعدادية أيضا، وينفق عليها وفقًا لرويترز ربع إجمالي ميزانية المدارس 1.68 مليار دولار وهو رقم كبير رغم تشكيل طلابها 11% فقط من إجمالي الطلاب في تركيا، إضافة إلى خطط لبناء 50 مدرسة أخرى والتركيز على زيادة التعليم الديني في المدارس النظامية.
كان عدد هذه المدارس قبل 15 عام 450 مدرسة فقط، الآن تضاعف العدد ١٠ مرات فتجاوز 4500 مدرسة، ورغم الإنفاق الضخم إلا أن أداءها ضعيف مقارنة بالمدارس العادية. يقول أردوغان إن هدفه، إعداد جيل تقي يتولى مسؤولية بناء الحضارة، لذا تعتبر تركيا التعليم الديني أولوية وطنية. لكن وفقا لنيويورك تايمز، يحاول أردوغان إعادة صياغة تركيا وفقا لصورة تنافس إرث مصطفى كمال أتاتورك. أتاتورك علماني بينما أردوغان إسلامي.
استغلال بوابة “الإغاثات الإنسانية الدولية” من خلال منظمات غير حكومية ذات توجه إسلامي، من دلائله المساعدات التي تقدمها في جميع أنحاء أفريقيا والشرق الأوسط، على سبيل المثال (استثمار أكثر من مليار دولار في برامج مساعدة الصومال عبر مؤسسة ديانت، وبناء مستشفى أردوغان في مقديشيو.
المساعدات التي تقدمها تركيا تأتي مصحوبة بميزات سياسية تحصل عليها، مثل القاعدة العسكرية التركية في الصومال والتي تعد أكبر قاعدة لها في الخارج.
رغم خطة التمكين.. كيف ولماذا تراجعت مظاهر الدين في تركيا؟ | إنفوجرافيك في دقائق
يتبع أردوغان نهج التشكيك المستمر في معاهدة لوزان 1923، وإشارته المستمرة إلى أن أتاتورك قدم تنازلات إقليمية غير ضرورية وأن تركيا لها الحق في المطالبة باستعادة حدودها الوطنية وفق الميثاق الوطني العثماني والذي يعتبر الأراضي الممتدة من تراقيا الشرقية (اليونان) إلى قبرص وبحر إيجه وأجزاء من شمال سوريا والعراق وأرمينيا الحديثة بالكامل وأجزاء من جورجيا وحتى إيران، كلها أراضي تابعة لتركيا.
نتيجة لذلك فاقم الوجود العسكري لتركيا شمال العراق وسوريا ودعم الجماعات الجهادية، مما أدى إلى مزيد من التوترات الإقليمية وتعزيز الصورة الذهنية عن تركيا كقوة إمبريالية محتلة. خطواتها أيضا شرق البحر المتوسط وزيادة وجودها العسكري جاء بنتائج عكسية، وأصبح مستثمرو الطاقة ينظرون إليها على أنها عائق بدلا من شريك، وهو السبب وراء تحالف اليونان وقبرص وإسرائيل ومصر والتعاون المتزايد في مجالات الطاقة والأمن والسياحة، وهو التحالف الموجه ضد النهج التركي بشكل كبير.
هناك أيضا مشكلة اللاجئين التي صدرتها تركيا لليونان، وتشير إلى الطبيعة التدميرية لسياسات أنقرة غير المسؤولة. إضافة إلى التوترات التي خلقتها في ليبيا ودعمها للإسلاميين هناك، ما أثار غضب الأطراف الإقليمية منها. وكذلك الاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة.
مافي فاتان | الوطن الأزرق.. العقيدة التركية التي تفسر كل تحركات أنقرة | س/ج في دقائق