تباهى مسؤول إيراني سابقًا بأنه يسيطر على أربع عواصم عربية. يقصد بذلك بغداد ودمشق وبيروت وصنعاء. الملفت للنظر في مناطق النفوذ هذه أنها جميعًا معطلة. والملفت بشكل أكبر أن التعطيل ناتج عن السياسة الإيرانية، ودال عليها، وليس عرضًا عارضًا.
لماذا؟ ما السبب وما الهدف؟
أما السبب فنابع من طبيعة النظام “الرسالي” الذي يملك فكرة يعتقد أن نشرها واجب، وأن مهمته الأولى في الحياة، ومعيار فشله أو نجاحه، هو انتشار تلك الفكرة. استعمار عسكري فكري. بالمقارنة به، ما أحلى الاستعمار العسكري الاقتصادي في القرون السابقة، فقد كان مضطرًا لأغراض اقتصادية أن ينفع مستعمراته في شؤون العمران، كما فعلت بريطانيا في مصر والهند.
الاستعمار الرسالي على اختلاف مسمياته – شيعي أو سني أو حتى شيوعي – يتفق جميعه على لف رؤوس جمهوره المستهدف لكي ينظر إلى العصفورة. والعصفورة دائمًا “أسمى” من حياتنا اليومية التافهة. لا يحفز الناس إلى مزيد من عمارة الحياة بقدر ما يحفزهم إلى مزيد من التسلط على الآخرين، بالأوامر والنواهي وافعل ولا تفعل. وبالتالي لا يملك عناصر جذب ولا أفقًا للطموح بالنسبة للمواطن العادي، المواطن الشيعي العادي ما دمنا نتحدث عن إيران، فضلًا عن المواطن الآخر الذي لا يتشارك مع الشيعي المسيس دينيًا وطائفيًا في “طموحاته”.
صراع آيات الله.. هل يحدد السيستاني خليفة خامنئي؟ وهل تعود النجف لقيادة قم؟ | س/ج في دقائق
الحوزة العربية في العراق، والثقافة والمحيط في لبنان، والطائفية القيادية في سوريا مقابل الأغلبية السنية، والجغرافيا السياسية في اليمن بالنظر إلى الداخل والمحيط والمساحة. كل هذه عوامل تجعل استقرار المشروع الإيراني على مسار هوى طهران مستحيلًا.
من هنا فإن دفع الناس دفعًا إلى السير في ركاب إيران ليس له من سبيل إلا واحدًا، واحدًا فقط، وهو عقابهم لكي يذعنوا. التهديد الدائم بالتعطيل، أو الحرب، أو الاضطراب. حرمانهم من أبسط مقومات الحياة لكي يمدوا مشروع الجمهورية الإسلامية بما يحتاجه من أنفاس صناعية. فإما أن تترك سلاح حزب الله في يده، وأمر السلم والحرب في يده، وتلغي الدولة، أو سنلغي حياتك، بدءًا من قدراتك الاقتصادية وصولًا إلى حياتك أنت شخصيًا، رئيسًا كنت أو رئيس وزراء أو صحافيًا أو ناشطًا أو برلمانيًا. لا صوت يعلو فوق صوت اللطمية التاريخية المنبوشة من الماضي البعيد.
الآن، في ظل التوتر المتصاعد بين إيران والولايات المتحدة، من الصعب أن تتخيل الهدف السياسي الإيراني. ما الذي لو حققته إيران ستكون سياستها نجحت.. لا مكاسب منتظرة: خسارة داخلها تريد أن تقلل حجمها، وخسائر عند جيرانها تريد أن تعظمها.
على مدار السنوات الماضية
استخدمت إيران إسرائيل ذريعة. فدمرت كل ما يحط بإسرائيل، إلا إسرائيل نفسها نمت وازدهرت. وفي ظل الرفض الإيراني وطابور الممانعة السائر على هواه لم نعرف – أيضًا – ما الأفق؟ مسؤولون إيرانيون يصرحون، ثم يعودون فينكرون، أنهم يريدون إعادة اليهود إلى أوروبا، أو إلقاءهم في البحر. هل من اقتراح آخر قدمته إيران؟ أبدًا. ومن الذي دفع الثمن؟ الفلسطينيون.
من المجرم الحقيقي في إيران والشرق الأوسط؟| خالد البري| رواية صحفية في دقائق
س/ج في دقائق: كيف تحول شيعة أفغان لمحاربين بالوكالة في سوريا؟
س/ج في دقائق: ماذا لو حسم الحوثيون الصراع في اليمن؟
س/ج في دقائق: كنز عربي تحت سطوة إيران.. ماذا تعرف عن الأحواز؟
الجزر الإماراتية الثلاث .. ما نجا وما لم ينج من مطامع إيرانية مستمرة في المنطقة| الحكاية في دقائق
لماذا ظهرت المواجهة بين إسرائيل وإيران في سوريا إلى العلن؟ | س/ ج في دقائق
إسرائيل: عملية لتدمير أنفاق حزب الله، ولها مآرب أخرى؟ | س/ج في دقائق
اليهود الأوروبيون عقب وعد بلفور رفعوا صورتي شخصين: الملك جورج الخامس مصدر الوعد، والإمبراطوري الفارسي قورش. لماذا؟
لأنه الإمبراطور الذي أعاد الشعب اليهودي من أسر بابل إلى القدس. الشعب اليهودي جزء من منطقتنا، كالعرب، والمصريين، والفينيقيين والكرد والفرس. وفي حين تنعدم الآثار التي تثبت روايته التوراتية في مصر، فإن رواية تحطيم دولته على يد نبوخذ نصر البابلي وتشريده في الأسر، ثم تحريره وإعادته إلى القدس على يد قورش الفارسي، مدونة على الحجر، ومفصلة بالأسماء في الأسفار. هما الدليل التاريخي الأبرز على وجوده وموضع هذا الوجود.
لكن إيران تدعي في العلن أنها تخلع ثوب قورش مؤسس إمبراطوريتها الأكبر وترتدي ثوب نبوخذنصر. ونحن نعلم أنها ورقة مساومة، لكي يكون قرار الحرب والسلم في المنطقة بيدها. وحين تجد في السلام مكسبا لها، سترتدي وجه قورش من جديد.
هذه المنطقة لن تتحرك إلى الأمام إلا حين تتخلص من عقلية الحسم. لا بد أن نعيش معا، لكن كحاملي مسك، مصرين على حسن الجوار والتعاون وتحسين حياة بعضنا البعض. فإن أصر بعضهم على الكير. فلن نجد مهربا مما نكره.