يقول سكرتير جمال عبد الناصر، سامي شرف، إن أولى بذور الأزمة مع الإخوان بدأت بتأخر إعلان تأييد الجماعة رغم طلب عبد الناصر، حيث رفض المرشد حسن الهضيبي – الذي كان يقضي إجازة صيفية في الإسكندرية – إصدار بيان التأييد، قبل أن يصدر بيانًا مقتضبًا في ساعة متأخرة من يوم 27 يوليو1952، بعد طرد الملك فاروق من مصر.
يدعم شرف رؤيته نقلًا عن أحمد حسن الباقوري – القيادي الإخواني الذي فصلته الجماعة لاحقًا – أن عبد الناصر شعر بالخذلان بعدما نقض الإخوان اتفاقًا بالتحرك ليلة 23 يوليو.
نادية رمسيس فرح تكشف سببًا آخر للخلاف، فتقول إن الإخوان طلبوا تطبيق الشريعة فور تشكيل مجلس قيادة الثورة، على أن يكون للجماعة حق الفيتو لتعطيل أي نص تشريعي ترى أنهم يخالف الشريعة.
بنفس الإطار، يقول شرف إن الهضيبي طالب عبد الناصر بفرض الحجاب، وإغلاق دور السينما والمسارح.
رغم الخلاف، قدم الإخوان ثلاثة مرشحين للانضمام للحكومة. رفض المجلس اثنين منهما، فسحبت الجماعة جميع مرشحيها. تمسك الباقوري بالمنصب الوزاري، فأنهى الإخوان عضويته.
وظلت الجماعة تعتبر نفسها الصوت الشعبي للثورة، حتى تشكيل هيئة التحرير، التي رأت فيها تحديًا لنفوذها، ليبدأ سبب جديد للخلاف.
عن ذلك يقول يوسف القرضاوي:
وكانت هيئة التحرير هي الحزب الجديد الذي أنشأته ثورة يوليو، ليستغنوا به عن المساندة الشعبية للإخوان، وليكون سندهم الشعبي في تأييد قراراتهم السياسية، وفي الانتخابات في المستقبل، وهو الذي تطور بعد ذلك إلى الاتحاد القومي، ثم انتهى إلى الاتحاد الاشتراكي
اندلعت أزمة مارس 1953، ودخول الإخوان كطرف فاعل بمساندة محمد نجيب ضد مجلس قيادة الثورة، والتي انتهت بعزل نجيب، وتباعد جديد بين الجماعة والضباط.
نقطة الصدام الأقوى كانت التفاوض على انسحاب البريطانيين من مصر، والتي اعتبرها الهضيبي “بيعًا لمصر”، رغم إشارة المصادر التاريخية إلى أن الهضيبي نفسه اجتمع مع المندوب البريطاني في توقيت متزامن وبخصوص نفس الموضوع.
ومع التوقيع بالأحرف الأولى على اتفاقية الجلاء بين مصر وبريطانيا في 27 يوليو 1954، استغل الإخوان المساجد في اتهام هيئة قيادة الثورة بمخالفة شرع الله.
يقول القرضاوي:
زاد تعكير الجو إصدار نشرتين إحداهما أمضاها محمد نجيب، ذكر فيها عدم صلته بالاتفاق، والثانية بإمضاء سليمان حافظ الذي كان وزيرًا للداخلية في وزارة نجيب الأولى. وقد انتقد فيها الحكومة بوجه عام. وكانت النشرتان صادرتين بأحرف مشابهة للمنشورات الأخرى ومطبوعتين على نفس الشاكلة وعلى ورق مشابه؛ مما يدل على أن مصدر النشر واحد، وهو مطابع الإخوان المسلمين، وقد سلمت النشرتان إلى عبد القادر عودة لنشرهما
حتى وصلت الأمور ذروتها بمحاولة اغتيال عبد الناصر في حادث المنشية في 26 أكتوبر 1954.
سيد قطب| قصة معالم في الطريق | عبد السميع جميل