معجزة الإنتاج الشامل.. ساندوتش دجاج آندي جورج السحري

معجزة الإنتاج الشامل.. ساندوتش دجاج آندي جورج السحري

18 Dec 2018
رابط مختصر
للمشاركة لـ فيسبوك
حجم الخط

القلم، الكراسة، الشاشة، الموبايل، المحفظة، السماعة، المكتب. هل تساءلت يومًا ما كم يستلزم الأمر من وقت وجهد ومال لتصنع بنفسك من الألف إلى الياء هذه الأشياء البسيطة التي تراها حولك يوميًا؟

هذا التساؤل شغل الأمريكي آندي جورج لسنوات طويلة، حتى قرر خوض التجربة بنفسه، سيصنع ساندوتش دجاج من الصفر. هذا يعني زراعة الطماطم والخيار، وتربية دجاجة، وتكرير ماء البحر للحصول على الملح، وزراعة القمح لخبز الرغيف، وهكذا.

كم تتوقع الوقت والجهد والمال الذي تكلفه للحصول على شيء ببساطة ساندوتش الدجاج؟ الإجابة الصادمة أكثر من 6 أشهر و1500 دولار، تكلفة أعلى من متوسط سعر ساندوتش الدجاج في الولايات المتحدة بأكثر من 600 ضعف!

ما هو إذَن سر هذه الفجوة الضخمة بين ثمن الساندوتش إذا صنعته بنفسك وسعره إذا اشتريه من أي مطعم؟ الإجابة هي الإنتاج الشامل Mass Production واقتصاديات الحجم أو وفورات الحجم Economies of Scale؛ حيث تؤدي الزيادة المُطردة في حجم إنتاج الشركات إلى انخفاض جنوني في متوسط التكلفة الكلية، وبالتالي السعر النهائي.

الإنتاج الشامل

القصة تبدأ منذ حوالي 10,000 عام، مع الثورة الزراعية التي جعلت كمية الطعام الذي يمكن لشخص واحد إنتاجه أزيد بمراحل مما يحتاجه للاستهلاك الشخصي.

هذا الفائض غير وجه الحضارة البشرية للأبد، حيث أصبح من الممكن لبعض الناس، للمرة الأولى على الإطلاق، التحرر من ضرورة المعيشة على أرض زراعية، وإنتاج طعامهم لأنفسهم؛ كي يتفرغوا لملاحقة المساعي البشرية الأخرى، التي تتطلب قدرا من الرفاهية، مثل البحث العلمي، والكتابة، والفن، والإنتاج الصناعي، وصناعة السلع الترفيهية، وغيرها. هذا التطور كان السبب الأكبر في نشأن المدن الحقيقية.

عند هذه المرحلة من الحضارة البشرية ظهر أول تجسيد لما يسمى “التخصص” أو تقسيم العمل Division of Labor أو Specialization of Labor، وهو ببساطة تخصص كل شخص أو مجموعة في أداء وظيفة ما، وإتقانها، ثم تبادل منتجاتهم وخبراتهم، بما يمكنهم من تحمل تكلفة كل ما يحتاجونه في حياتهم اليومية.

ستكونين أنت الحذاء.. أزمة الاقتصاد المصري في أغنية المهندس حسام | رواية صحفية في دقائق

هل تتقاضى راتبا أعلى مما تتخيل؟! احسبها بسعر ساندوتش بيج ماك في بلدك | دقائق.نت

دراسة الملح

الملح في ملحمة أندي جورج حالة نموذجية لتوضيح القدرات الجبارة للإنتاج الشامل “الإنتاج على نطاق كبير وضخم” في خفض الأسعار.

اتبع أندي طريقًا مطابقًا لشركات إنتاج الملح؛ جمع المواد الخام، حولها إلى المنتج المطلوب، ثم شحنها للسوق الاستهلاكي النهائي؛ لكن الفارق الجوهري كان فقط في حجم الإنتاج.

أندي أنفق حوالي 299 دولارًا على تذكرة الطيران للسفر من ولايته مينيابوليس إلى كاليفورنيا حيث يوجد بحر، و57 دولارًا لاستئجار قارب، و6.5 دولار لشراء قارورة ماء تكفي لحمل 19 لترًا؛ للحصول على حوالي 170 جرامًا من الملح، أي أن سعر إنتاج كل 30 جرام تقريبًا كان 52 دولارًا، متجاوزًا ثمن الفضة بثلاثة أضعاف!

الموضوع يبدو أبعد ما يكون عن الكفاءة والعملية على هذا المستوى الصغير، لكن مع توسيع معدل وحجم الإنتاج، سيتضح شيئًا فشيئًا الكفاءة والفعالية المذهلة للطريقة.

توسيع النموذج

كانت قارورة أندى قادرة على حمل ماء أكثر، وبالتالي صنع ملح أكثر، لكنه اكتفى بجمع ما يكفي من الماء فقط لصنع كمية الملح التي يحتاجها.

كل لتر من ماء البحر بعد تبخيره ينتج عنه حوالي 33.5 جرام من الملح، ما يعني أن سعة قارورة أندي كانت كافية لحمل كمية أكبر من الماء تكفي لصناعة 637 جرامًا من الملح، بما يهبط بتكلفة إنتاج الـ 33.5 جرام التي كانت يحتاجها فعلًا إلى 16 دولارًا تقريبًا، مقارنة بـ 52 دولارًا في تصنيع الملح من كمية الماء التي حملها بالفعل.

وإذا واصلنا على نفس المنوال، يمكننا خفض التكلفة أكثر فأكثر بمعدلات مهولة. كل ما علينا فعله، بالإضافة لملء قارورة أندي عن أخرها بدلًا من جزئيـًا – هو حمل المزيد من القوارير.

لنتخيل الآن أن أندي حمل في رحلته 10 قوارير بنفس السعة، تكلفة الرحلة سترتفع إلى 420 بدلًا من 362 دولارًا، لكنه الآن يستطيع إنتاج حوالي 6.4 كيلوجرام من الملح، وهذا يُتـرجم إلى تكلفة 1.87 دولار فقط لكل 33.5 جرام من الملح بدلًا من 16 أو 52 دولارًا. والاستمرار على نفس الوتيرة يخفض السعر أكثر فأكثر.

ليست مطلقة

رغم إعجازيتها، فالمنافع الناتجة عن الإنتاج الشامل ليست مطلقة، فاستمرار زيادة الإنتاج إلى معدلات أعلى وأعلى، يقلل معدل الانخفاض في التكلفة تدريجيًا.

في نموذج أندي، وبعد حساب جميع العوامل والقيود مثل أسعار الشحن وسعة وسائل النقل وتكلفة التكرير والإنتاج، الحصول على 97 كجم من الملح كان أرخص بـ 25 ضعفًا من إنتاج 0.63 كجم “زيادة إنتاجية بمعدل 152 ضعفًا”.

لكن الانتقال من إنتاج 97 كجم إلى إنتاج 18,143 كجم “زيادة إنتاجية بمعدل أكثر من 320 ضعفًا” أرخص بـ 1.2 مرة فقط!

نوعا المنتجات

لنتطرق بهذا إلى أحد أهم المبادئ الخافضة للتكاليف. المنتجات عمومًا تنقسم إلى نوعين: فاقدة أو مكتسبة الوزن.

الفقدان أو الاكتساب هنا يشير إلى فارق الكم بين المادة الخام والمنتج النهائي المستخلص منها.

ولأن المادة الخام “ماء البحر” في حالتنا أثقل من المنتج النهائي “الملح”، تقع ضمن التصنيف الأول، وهنا يصبح الأكثر عملية وربحًا معالجة وتكرير المواد الخام قرب مكان تجميعها، قبل نقلها لسوقها النهائي، والعكس مع المنتجات مكتسبة الوزن “مثل الكوكاكولا”. الفروق في التكلفة الإنتاجية تكون ضئيلة جدًا على المقاييس الصغيرة “تصل بضعة دولارات أو حتى سنتات أحيانًا لكل كيلوجرام”، لكن بحسابها على مستويات الإنتاج الضخمة، تتكتل تلك الفوارق الصغيرة لصناعة فوارق عملاقة مقدارها ملايين الدولارات.

في نموذج أندي خفضنا التكلفة 92 ضعفًا باستخدام طريقة الإنتاج الشامل، وكان من الممكن خفضها أكثر بعدة إجراءات أخرى، وهكذا مع مكونات الساندوتش الأخرى، لنخصل على معدلات خفض خيالية.

هذه الطريقة السحرية تصنع الفارق بين ساندوتش بدولارين، وآخر يتجاوز 1500 دولار في عالمنا الحديث، وتتيح لنا امتلاك منتجات أساسية ورفاهية دون الحاجة لبذل آلاف أضعاف الوقت والجهد والمال للحصول عليه، بل وحتى تُمكّن من صنع هذه السلع والمنتجات أولًا.

رابط مختصر
للمشاركة لـ فيسبوك

التعليقات (0)

يجب عليك .. تسجيل الدخول أو التسجيل لتتمكن من التعليق.

تعليقات الفيسبوك