فرنسا تتحرك عسكريًا في أفريقيا المضطربة دون تنسيق مع الاتحاد الأوبي. دور آسيا يتوسع، والرئيس الأمريكي دونالد ترامب يثير الشكوك حول حلف الناتو.
حصة أوروبا من تعداد سكان العالم وثروته تتقلص، لكن الاتحاد الأوروبي لا يزال يحجز نصيبًا يبلغ 22% من الناتج الإجمالي المحلي العالمي، ودوله مستمرة في “محاولة” التحرك ككتلة واحدة.
فلماذا يبدو الاتحاد الأوروبي عاجزًا عن التفاعل الجاد مع أزمات العالم الآن؟ كيف يحاول تجاوز أزمته الخاصة؟ وهل النجاح ممكن؟ الإيكونومست نقبت في التاريخ والحاضر بحثُا عن إجابة. لخصناها لك في
في 1993، أنشأ الاتحاد الأوروبي آلية للسياسة الخارجية والأمنية المشتركة، وفي 2011، أسس خدمة العمل الخارجي الأوروبي، كشكل من السلك الدبلوماسي الموحد، يقوده ممثل أعلى.
توسط الاتحاد الأوروبي في صفقة إيران النووية 2015، وسيطر على انتشار القراصنة قرب القرن الأفريقي.
في فبراير/ شباط الماضي، عقدت أوروبا النسخة الأولى من قمتها المشتركة مع جامعة الدول العربية، وفي 9 أبريل/ نيسان، حاولت الخروج بلهجة موحدة أكثر حدة في القمة مع الصين.
كل ذلك بينما توفر اتفاقية التعاون الهيكلي الدائم (PESCO) إطارًا للدفاع المشترك، فتح الباب للحديث عن “جيش أوروبي موحد”.
هذا التنسيق اصطدم بعقبة كؤود، هي المصالح المتناقضة لدول الاتحاد. على سبيل المثالكشفت الأحداث الأخيرة في ليبيا تفاصيل الانقسام بين الأوروبيين. أظهرت أن التعاون المشترك بين دول أوروبا ينتهي سريعًا حين يصطدم بدوافع وطنية متفاوتة بين أعضاء الاتحاد.
تمتلك فرنسا مصالح نفطية في جزء من ليبيا يسيطر عليه الجنرال خليفة حفتر. دعمت الجيش الوطني الليبي بقيادة المشير خليفة حفتر، وعطلت جهود بروكسل لإصدار بيان يحثه على وقف زحفه نحو طرابلس.
أما إيطاليا، فتركيزها منصب بالأساس على العاصمة طرابلس، وعلى تأمين ساحل البحر المتوسط من موجات الهجرة غير الشرعية، لذلك تدعم حكومة فايز السراج، الذي تسيطر الميليشيات الموالية له على مناطق اهتمام روما.
بينما يبدو الاتحاد الأوروبي “غير ذي صلة” بالصراع في سوريا مثلًا، حيث تتصدر أطراف إقليمية ودولية أخرى المشهد، تبدو الأزمة الأقرب جغرافيًا إلى أوروبا أكثر إثارة للانقسام، وأكثر دلالة على مدى “النفوذ الأوروبي”. فسوريا على أبوابه، وأزمة اللاجئين قلبت الموازين السياسية داخل دوله، لكنه – رغم ذلك – الأقل فاعلية على الأرض.
إلى جانب سوريا، بعض القرارات الاستراتيجية التي تنظرها دول الاتحاد – الذي يعتمد آلية الإجماع في التصويت – تمثل مصالح استراتيجية لبعض دوله، وتهديدا استراتيجيا لدول أخرى.
ألمانيا تروج لخط أنابيب غاز نورد ستريم 2، دون اهتمام بأثره على زيادة سطوة روسيا على دول أوروبية أخرى مثل بولندا. بينما تحبط إسبانيا الجهود المبذولة لتوجيه دول البلقان نحو عضوية الاتحاد الأوروبي، خوفا من استلهام إقليم كاتالونيا لنموذج البلقان الانفصالي. وهي في نفس الوقت تؤيد انضمام تركيا للتكتل القاري، بينما تعارضه النمسا التي كانت في مواجهة تاريخية مع الإمبراطورية العثمانية بسبب موقعها الجغرافي.
وأظهرت قمة الاتحاد الأوروبي الأخيرة مع الصين ميلًا أكبر بين دول وسط وشرق أوروبا لتعزيز روابطها الثنائية مع بكين رغم قلق الاتحاد الأوروبي، بينما منعت الاعتراضات الإيطالية، الشهر الماضي، الاتحاد الأوروبي من إعلان دعم موحد للانتفاضة الشعبية في فنزويلا.
لا تزال أدوار بعثات الاتحاد الأوروبي الخارجية أقل من تلك التي تلعبها سفارات دول الاتحاد الرئيسية حول العالم، بينما تبقى اجتماعات الممثلة العليا للاتحاد الأوروبي فيديريكا موغريني الشهرية مع وزراء خارجية الاتحاد الأوروبي مجرد محاولة للتنقيب عن القاسم المشترك الأدنى.
التقدم البطيء نحو المشتريات الدفاعية المشتركة، ناهيك عن تحديد عقيدة مشتركة، تجعل الحديث عن الجيش الأوروبي الموحد سخيفًا وفضفاضًا.
ولا تزال اتخاذ آليات السياسة الخارجية والأمنية المشتركة بحاجة لإجماع دول اتحاد الأوروبي الـ 28، وبدون الوصول لتوافق تام، لا يمكن إصدار مجرد بيان للتعليق على تطور ما باسم الاتحاد الأوروبي
أحد الاقتراحات المعقولة للخروج من المأزق تتمثل في اعتماد تصويت الأغلبية المؤهلة على السياسة الخارجية، ما يسمح للاتحاد الأوروبي بالعمل ضد إرادة الأقلية “المتورطة في الوحل”، لكن حتى في الأمور التي تنطبق عليها تلك الآلية حاليًا مثل السوق الموحدة، تميل الدول الأعضاء إلى إيجاد حلول تحافظ على الإجماع؛ فالبديل في حالة القرارات المثيرة للخلاف هو تجاهل الدول المعارضة للقرارات الأوروبية. في 2015 مثلًا، تجاهلت دول أوروبا الوسطى ببساطة تصويتًا يفرض عليها حصصًا للاجئين.
للسياسات الخارجية لدول أوروبا جذور مختلفة ترسخت عبر قرون من الزمن، ولا يمكن دمجها بسهولة. لا يمكن لفرنسا وإيطاليا مثلًا الاتفاق على ليبيا لأن كلاهما يراها جزءًا من مجال نفوذه.
ومنذ إبرام صفقة راكونيجي مع روسيا في 1909، ابتعدت إيطاليا بشكل متقطع عن مواقف السياسة الخارجية لأوروبا الغربية، وترددها في الانضمام للدول المؤيدة للمظاهرات في فنزويلا ينتمي إلى هذا التقليد.
إسبانيا من ناحيتها تعارض دعم انفصال أقاليم مثل كوسوفو على خلفية معركتها الخاصة المستمرة منذ قرون للسيطرة على كاتالونيا، بينما إرثها المغاربي القديم يجعلها جسرًا بين أوروبا والعالم الإسلامي، بما في ذلك تركيا، التي تخشاها النمسا على خلفية سياساتها المغذية للمخاوف القديمة من الغزو العثماني الذي وصل إلى بوابات فيينا.
ألمانيا حذرة من القوة العسكرية الأوروبية، والأسباب مفهومة على خلفية جذور القرن العشرين، ولديها ارتباط “رومانسي” معين بروسيا يزعج البولنديين.
وإذا كانت دول وسط أوروبا “ساذجة” بشأن التدخل الصيني، فإن هذا يرجع جزئيًا على الأقل إلى روابطهم التاريخية مع بكين، التي دعمت التشيك على سبيل المثال عندما غزاها السوفيت في 1968.
التحديات الحالية، مثل صعود الصين أو أزمة الهجرة على سبيل المثال، هي تحديات دراماتيكية، لكنها ليست كافية لصياغة رواية واحدة للاتحاد الأوروبي. لذلك فإن سياسة بروكسل الخارجية مقتصرة على إقناع العواصم الوطنية بالاتفاق ودعم مبادراتها الخاصة.
على مدى جيل أو جيلين، قد تتحول تلك التجارب المشتركة إلى ثقافة سياسة خارجية مشتركة، لكن العالم يتغير بشكل أسرع من ذلك. ستكافح أوروبا لتجاوز ماضيها قبل الوصول للمستقبل.