بينما تترقب أسواق العالم بادرة انفراج في الحرب التجارية بين الولايات المتحدة والصين، تعاني أوروبا من حالة عدم يقين حول مكاسبها وخسائرها حال إنهاء الحرب أو استمرارها.
المحللون يعتقدون أن المستثمرين الذين يراهنون على اتفاقات تجارية ضخمة في أوروبا يجب أن يفكروا مرتين؛ فالأزمات المقبلة قد تأتي على عدة أوجه.
فينسنت ديلوارد، الخبير الاستراتيجي في إنتل إف سي ستون، يحذر من أن الصين ستتجه إلى إغراق أوروبا بسلعها الرخيصة حال فشلها في إبرام صفقة مع الولايات المتحدة.
أوروبا ستخسر أكثر من غيرها عندما تنتهي الهدنة؛ حيث ستتخلص الصين من مليارات السلع المخفضة في أسواق القارة العجوز
خسائر البورصة
عانت الأسهم الأوروبية العام الماضي من أضرار جانبية بسبب الحرب التجارية بين أكبر اقتصادين في العالم. الوضع قد يزداد سوءًا حال فشل الهدنة.
ويحذر خبراء استطلعت رويترز أراءهم من أن تصعيد الحرب التجارية سيزيد تراجع النمو ويضرب البورصات عالميًا، وأوروبا على رأسها.
تراجع الطلب
الولايات المتحدة والصين أكبر وجهتين لصادرات أوروبا خارج الاتحاد. وعلى خلفية الحرب التجارية الدائرة، شكت شركات تصنيع السيارات الألمانية، وبينها فولكس فاجن وبي إم دبليو، من تراجع المبيعات في الصين خلال العام المنتهي.
تضرر سلاسل التوريد
جانب كبير من الشركات الأوروبية تصنع منتجاتها في الصين لعملاء الولايات المتحدة. نتيجة لذلك، يتضرر المصنعون الأوروبيون أيضًا من تعريفات ترامب، وفقًا لغرفة التجارة الأوروبية في الصين.
إنهم يكرهون حالة عدم اليقين.. وكأنه سيف ديموقليس يتدلى فوق رؤوسهم – نائب رئيس الغرفة كارلو داندريا
يسمح استمرار الحرب التجارية لدول أوروبا بوراثة الصادرات المتبادلة بين الصين والولايات المتحدة.
جولدمان ساكس توقعت في ديسمبر/ كانون الأول تعزيز صادرات أوروبا إلى الصين إذا قررت بكين رد العقوبات الأمريكية المتوقعة حال استمرار الحرب التجارية.
وتستورد الصين بضائع متماثلة من أوروبا والولايات المتحدة، مثل الأجهزة الطبية والدوائر المتكاملة، بما يعني استفادة المصنعين الأوروبيين، خاصة في ألمانيا والمملكة المتحدة، من ارتفاع تكلفة السلع الأمريكية.
حتى إيرباص تترقب وراثة بوينج في الأسواق الصينية، بحسب بلومبرج.
دراسة أجراها دويتشه بنك أشارت أيضًا إلى أن المكسيك، ثم كندا وأخيرًا أوروبا قد تستفيد من العقبات المتزايدة أمام الشركات الصينية في السوق الأمريكية.
فرض رسوم جمركية على الواردات الصينية يمثل صدمة إيجابية لبقية العالم. الواردات من خارج الصين أصبحت أرخص نسبيًا للمستهلك الأمريكي – دويتشه بنك
لاسترضاء ترامب؛ تعرض الصين زيادة وارداتها من الولايات المتحدة للحد من اختلال الميزان التجاريطويل الأمد بين البلدين.
أليسيا غارسيا هيريرو، كبيرة اقتصاديي ناتيكسيس لمنطقة آسيا والمحيط الهادي، تحذر من أن الوصول لصفقة بهذه الصيغة ستكلف أوروبا غاليًا؛ حيث ستستبدل الصين بوارداتها الأوروبية سلعا أمريكية. في الوقت الحالي تقدر وحدة المعلومات المالية والمخاطر في تومسون رويترز، حسب تحليلها لبيانات الشركات، أن الشركات الأوروبية تتوقع جني إيرادات تقدر بـ 456 مليار يورو (521 مليار دولار) من صادراتها إلى الصين في 2019.
أوروبا أيضًا متضررة من الممارسات الصينية التي يشكو منها ترامب، وبينها القيود المفروضة على السوق، وسرقة الملكية الفكرية، والمعاملة المميزة للشركات الصينية المملوكة للدولة.
جونترام ولف، مدير مركز بروغل البحثي، يعتبر أن نجاح ترامب في اقتناص صفقة من الصين سيفتح الباب أمام السياسيين الأوروبيين لإجبار بكين على اتفاقية مماثلة مع الاتحاد الأوروبي.
يعتقد محللون أن “مواجهة مريرة” مع أوروبا خطوة محتملة مقبلة لترامب بعد تجديد اتفاقية التجارة الحرة لأمريكا الشمالية وجهوده الحالية لخفض العجز التجاري مع الصين.
فينسنت ديلوارد يحذر من اتجاه ترامب فورًا لفرض تعريفات جمركية على السيارات المستوردة من الاتحاد الأوروبي حال تسوية الحرب التجارية مع الصين.
الميزان التجاري بين الولايات المتحدة ودول الاتحاد الأوروبي
وبينما تحصد ألمانيا نصيب الأسد من الفائض التجاري للاتحاد الأوروبي مع الولايات المتحدة – أكثر من 63 مليار دولار في 2017 – فالعديد من الدول الأوروبية الأخرى، مثل أيرلندا وإيطاليا وفرنسا، لديها الكثير لتخسره إذا فرضت واشنطن تعريفات جديدة على السلع الأوروبية.
ويبرز تنوع صادرات أوروبا إلى الولايات المتحدة مدى اتساع التأثير. الرسم البياني التالي من أطلس التعقيدات الاقتصادية، الصادر عن مركز التنمية الدولية في جامعة هارفارد، يبين كيف تراوحت الصادرات الفرنسية في 2016 من الخمور (3.8%) إلى التوربينات الغازية (10.9%) والأدوية (6.08%).
أطلس الصادرات الفرنسية إلى الولايات المتحدة
وليام دي فيلدر، كبير الاقتصاديين في بنك بي إن بي باريبا يحذر من أن “الدور على أوروبا في طابور ترامب”، مؤكدًا أن إعادة فتح المفاوضات التجارية بين الاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة قد تطفو على السطح قريبًا.
الخبير الاستراتيجي لبنك لومبارد أودييه السويسري، تشارلز سانت أرنو، لا يستبعد الوصول إلى فترة طويلة من التوتر بين الاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة، مع تقارير يومية ساخنة حولها تربك الأسواق الأوروبية.
“غير عادل.. يجب أن يتغير“، ترامب يغرد في 13 نوفمبر/ تشرين الثاني، شاكيًامن تصدير فرنسا للنبيذ بسهولة إلى الولايات المتحدة، بينما تقيد باريس دخول النبيذ الأمريكي إلى أسواقها.
أستطيع أن أرى تغريدة ترامب عن النبيذ الفرنسي بالتوزي مع الحليب الكندي – تشارلز سانت أرنو
خبير لومبارد أودييه ربط تغريدة ترامب بمفاوضات نافتا المتوترة مع كندا، معتبرًا أن التهديد بحرب تجارية مع الولايات المتحدة قد يعني سنة قاتمة أخرى للأسهم الأوروبية.
يورج كريمر، كبير الاقتصاديين في كوميرز بنك، يحذر من “مواجهة مدمرة للغاية” مع واشنطن، خصوصًا بالنسبة لصناعة السيارات الألمانية.
كريمر حث المفوضية الأوروبية على اتخاذ خطوات استباقية للابتعاد عن أنياب ترامب؛ عبر إلغاء التعريفة الجمركية البالغة 10% على السيارات الأمريكية، لنزع فتيل التوتر.