بالتزامن مع اندلاع الحرب الأهلية الإثيوبية في إقليم تيغراي مطلع نوفمبر / تشرين الثاني، اتجهت أنظار حكومة إثيوبيا الفيدرالية سريعًا إلى مصر – السودان باعتبارهما خصميها الإقليميين. ربما يجدان في التطورات الجديدة فرصة لإعادة توزيع أوراق اللعب في أزمة سد النهضة بعدما طالت المفاوضات دون الوصول إلى حل.
السودان تحديدًا كان الأقرب إلى تطورات تيغراي كونه الجهة التي استقبلت عشرات الآلاف من اللاجئين الفارين من الحرب في إثيوبيا. لكن مصر دخلت على الخط بمناورات حربية مفاجئة مع السودان، الذي تتخوف إثيوبيا من استغلاله الموقف لإعادة إشعال النزاع الحدودي حول مثلث محلة فاشقة.
الفرصة قائمة بالفعل لإعادة ترتيب المصالح في ملف سد النهضة.
إثيوبيا كانت تأمل كثيرًا من نهاية ولاية الرئيس الأمريكي دونالد ترامب الذي كانت تراه ميالًا لحساب مصر. لكن القاهرة ستستفيد من وصول حليفتها الكونغو إلى رئاسة الاتحاد الأفريقي الذي يتولى الملف أولًا، كما سيستفيد السودان خصوصًا حال تحول أزمة تيغراي إلى صراع دائم، بما يعنيه من اعتماد الإقليم الكامل على الخرطوم، وبالتالي نفوذ أكبر على الحكومة الفيدرالية في ملف سد النهضة.
كيف تحركت مصر – السودان خلال حرب تيغراي ؟
وهل لأي منهما دور في سير الأحداث؟
وهل يستطيعان حسم النزاع أو تغيير دفته؟
وكيف يستفيدان في ملف سد النهضة العالق؟
س/ج في دقائق
لماذا أثارت مناورات مصر – السودان المشتركة قلق إثيوبيا ؟
– السودان – الذي يعاني من أزمة أمنية واقتصادية – أقرب الدول لمنطقة النزاع في تيغراي. منذ اندلاع الحرب الأهلية الإثيوبية، استقبل عشرات الآلاف من اللاجئين.
– السودان طرف في نزاع حدودي طويل الأمد مع إثيوبيا حول مثلث محلة فاشقة الخصب.
– يشارك السودان مصر قلقها من تهديد سد النهضة لإمدادت المياه. وانسحب السودان من المفاوضات خلال حرب تيغراي بسبب عدم التوصل لاتفاق وإضاعة الوقت.
بالتزامن مع اشتباكات تيغراي أجرت مصر – السودان مناورات حربية مشتركة مفاجئة “نسور النيل -1” قرب حدود إثيوبيا.
تقول دويتشه فيله إن المناورة أقلقت إثيوبيا باعتبارها “تحركًا عسكريًا لخصمين إقليميين قرب حدودها” خصوصًا مع طبيعة المناورة، التي تضمنت تدريبات لتخطيط وإدارة عمليات قتالية، وانخراط مجموعات كوماندوز في مهام البحث والإنقاذ.
ورأت إثيوبيا في المناورة محاولة محتملة من السودان لاستغلال الحرب في تيغراي لإعادة إشعال النزاع الحدودي حول مثلث محلة فاشقة. لكن السودان يدرك في نفس الوقت أن تحالف إثيوبيا – إريتريا الواضح حاليًا يعني أن أي تحرك يحمل مخاطرة دخول الحرب مع دولتين.
إلى أي مدى أربكت حرب تيغراي أوراق إثيوبيا في مفاوضات سد النهضة ؟
قبل التطورات الأخيرة في إقليم تيغراي كان رئيس الحكومة الفيدرالية في إثيوبيا آبي أحمد يخطط لإدارة مفاوضات سد النهضة لحسابه عبر إبقاء الملف في أروقة الاتحاد الأفريقي الذي رأى فيه فرصة أفضل. وهو موقف كان يؤيده السودان حتى انسحب من المفاوضات خلال أزمة تيغراي.
آبي آحمد نقل ملف سد النهضة إلى الاتحاد الأفريقي لأنه كان يعتبر الوسيط الأمريكي أقرب إلى مصر تحت رئاسة دونالد ترامب. بالتالي كان يأمل في أن يوفر خروج ترامب من البيت الأبيض فرصًا تفاوضية أفضل. لكن حرب تيغراي اندلعت بالتزامن مع انتقال رئاسة الاتحاد الأفريقي اعتبارًا من فبراير إلى الكونغو التي أبدت علنًا دعمها لمصر في ملف سد النهضة.
الأكثر إرباكًا لخطط إثيوبيا أن الجبهة الشعبية لتحرير تيغراي – الطرف الآخر في الحرب – تطعن في شرعية آبي أحمد، بما في ذلك شرعيته للتفاوض في قضية سد النهضة مع مصر – السودان.
لماذا سيحظي السودان بالنفوذ الأكبر في قضية سد النهضة ؟
يدرك رئيس وزراء إثيوبيا أبي أحمد تاريخ السودان الطويل في دعم الجبهة الشعبية لتحرير تيغراي وجبهة التحرير الإريترية، وتمريرهما الخدمات اللوجستية العسكرية والإنسانية عبر حدوده، بما لعب دورًا حاسمًا في نجاح الانفصال الإريتري.
يدرك آبي أحمد كذلك أن السودان – حال قرر التدخل بدعم تيغراي- سيحول الاشتباكات هناك إلى حرب أهلية معقدة وطويلة الأمد وصعبة. لذلك حرك جيش إثيوبيا الفيدرالي ضد تيغراي من 3 جبهات: إريتريا وعفر وأمهرة. فورين بوليسي تقول إن التحرك من جبهتي إريتريا وأمهرة يعني أنه يحاول منع أي إمدادات محتملة من السودان.
تقول ستراتفور إن اعتماد تيغراي المحتمل على السودان للحصول على الإمدادات في حالة الصراع الطويل يمكن أن يوفر للخرطوم نفوذًا أكبر بكثير على الحكومة الإثيوبية في قضية سد النهضة عند تشغيله.
قبل أيام من اندلاع الحرب في تيغراي دعا رئيس وزراء إثيوبيا آبي أحمد رئيس مجلس السيادة في السودان عبد الفتاح البرهان لزيارة بلاده.
تقول التقارير إنهما اتفقا على تعزيز السيطرة على الحدود، بما يشير إلى أن آبي كان يحاول تطويق تيغراي بالكامل قبل المواجهة.
مع ذلك، لا يستبعد المراقبون استغلال السودان لعلميات إغلاق الحدود الرسمية كذريعة لتزويد الجبهة الشعبية لتحرير تيغراي بالمؤن وحرمان قوات إثيوبيا الفيدرالية من القدرة على مهاجمة الجبهة انطلاقًا من الأراضي السودانية.
بالمقابل، يتخوف السودان من رد إثيوبيا بدعم جماعات التمرد بعد اتفاقات السلام غير مستقرة التي وقعتها الحكومة الانتقالية في السودان في أكتوبر/ تشرين الأول، أو استخدام إريتريا المتحالفة مع آبي أحمد بعض الجماعات الموجودة في السودان في محافظات البحر الأحمر والنيل لجعل الموقف أكثر تعقيدًا.
فورين بوليسي ترى أن السودان بدأت استغلال حرب تيغراي بالفعل بالانسحاب من مفاوضات سد النهضة كورقة ضغط على إثيوبيا. ويتوقع – إن طال أمد صراع تيغراي – أن تقدم إثيوبيا “تنازلات مهمة” حتى لا تحظى الجبهة بدعم السودان – مصر. التنازلات المتوقعة تتضمن ترسيم مثلث محلة فاشقة، وكذلك التوصل لاتفاق بخصوص السد.
لكن الرهان على “تنازلات إثيوبيا” محفوف بالمخاطر؛ كون تناول آبي أحمد عن مثلث محلة فاشقة يعني خسارته الدعم الواسع بين عرقية الأمهرة الذين يعتبرونه أرض الأجداد، وإذا خسر أبي أحمد دعم الأمهرة الذين يتولون القيادة العليا في الحكومة والأجهزة الأمنية والعسكرية، فقد يعني ذلك حدوث انقلاب والإطاحة به.
وإذا رفض، يمكن للسودان الرد من خلال دعم الجبهة الشعبية لتحرير تيجراي، ولذلك فإن السودان سيقرر نتيجة الحرب الأهلية الإثيوبية ونتيجة مفاوضات سد النهضة.