في أغسطس 2020، وصل وزير الخارجية الأمريكي مايك بومبيو إلى السودان في أول زيارة لمسؤول أمريكي رفيع المستوى منذ 15 عامًا. البند الرئيسي على جدول أعماله كان ملف علاقات السودان وإسرائيل.
حث بومبيو رئيس الوزراء السوداني عبد الله حمدوك فجأة على الاتصال برئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو وبدء تطبيع العلاقات.
قال إن البادرة “ستسهل إقناع الكونجرس بشطب السودان من قائمة الإرهاب”، بحسب رواية فورين بوليسي عن ثلاثة مصادر اطلعوا على تفاصيل الزيارة.
“أسقط في يد جميع المسؤولين السودانيين الذين حضروا الاجتماع. ورفض حمدوك باعتبار أنه لا يملك التفويض لمثل هذه الخطوة المهمة”. يقول أحد المصادر إن بومبيو حاول مع “ضابط كبير” لكنه كرر الرفض.
بعد شهر واحد، استضاف البيت الأبيض حفل توقيع إعلان اتفاقيات إبراهام بين الإمارات والبحرين وإسرائيل، وحضر السودان. ليقول مسؤول في إدارة ترامب إن السودان على قائمة من ثلاث دول – تشمل سلطنة عمان والمغرب – تنظر إليها واشنطن كوجهة لاتفاقات تطبيع جديدة.
فلماذا يوضع السودان – مستضيف قمة اللاءات الثلاثة – على قائمة التطبيع مع إسرائيل ؟
وهل يملك حكام السودان توقيع اتفاق كهذا؟
من يمكنه التوقيع: المدنيون أم العسكريون؟
ماذا يستفيد السودان وماذا تستفيد إسرائيل من اتفاق سلام؟
س/ج في دقائق
لماذا يوضع السودان ضمن احتمالات التطبيع مع إسرائيل ؟
ضمن خطته لضم دول الشرق الأوسط إلى إعلان اتفاقات إبراهام بعد الإمارات والبحرين، يضغط الرئيس الأمريكي دونالد ترامب في عدة مسارات. إحداها السودان.
احتمالات تطبيع السودان وإسرائيل ظهرت قبل سقوط نظام البشير ضمن صفقة محتملة لرفع اسم السودان من قوائم رعاة الإرهاب. لكنها عادت بعد سقوطه، خصوصًا في اجتماع رئيس المجلس السيادي السوداني عبد الفتاح البرهان برئيس وزراء إسرائيل بنيامين نتانياهو في أوغندا، فبراير 2020، حيث اتفق الطرفان على فتح قنوات اتصال.
بعد الاجتماع، ظهر اسم نجوى قدح الدم باعتبارها “عرابًا لعلاقات سرية مزدهرة بين الطرفين” لدرجة إرسال طائرة إسرائيلة إلى الخرطوم لإنقاذ حياتها بعد إصابتها بكورونا. الطائرة تأخرت. توفيت قداح الدم، لكن الاتصالات استمرت. حتى فتح بومبيو ملف العلاقات مع إسرائيل – مجددًا – كبوابة لرفع اسم السودان من قائمة رعاة الإرهاب.
السودان “تقنيًا” في حالة حرب مع إسرائيل. استضاف قمة اللاءات الثلاثة 1967 “لا للسلام مع إسرائيل، لا للاعتراف بإسرائيل، ولا للمفاوضات مع إسرائيل”. لكن بودار التعاون ظهرت في عهد جعفر نميري حين ساهم في ترحيل يهود الفلاشا وتوطينهم في إسرائيل. قبل أن تتوقف الاتصالات بعد الانقلاب الذي أوصل عمر البشير إلى السلطة.
وطد البشير علاقات السودان مع إيران، وساعدها في نقل الأسلحة إلى حماس والجهاد في غزة. لكن احتمالات التطبيع مع إسرائيل ظهرت حتى قبل سقوط نظامه.
بحسب وثائق دبلوماسية أمريكية نشرتها ويكيليكس في 2011، بدأ الحديث عن احتمالات التطبيع مع إسرائيل في 2008، خلال لقاء جمع مستشار البشير آنذاك، مصطفى عثمان إسماعيل مع ألبرتو فرناندز، ممثل أمريكي رفيع في الخرطوم. إسماعيل عرض علاقة السودان وإسرائيل ضمن استراتيجية للعمل مع الولايات المتحدة.
إسماعيل نفى صحة الوثائق لاحقًا، قائلًا إن السودان يرفض التعاون مع “الكيان الصهيوني”. لكنه عاد لعرض الملف باعتباره الأمين السياسي لحزب المؤتمر الوطني، في 2016 ضمن “الحوار الوطني”. قال حينها إن “لجان مؤتمر الحوار الوطني ستقرر إمكانية تطبيع العلاقات مع اسرائيل”، بحسب سودان تربيون.
في نفس العام، قال الخارجية إبراهيم غندور إن السودان “لا يمانع في دراسة إمكانية التطبيع مع إسرائيل كشرط مسبق لرفع العقوبات”.
أعيد فتح ملف علاقات السودان وإسرائيل بعد سقوط البشير. خصوصًا بعد اجتماع البرهان ونتنياهو، والذي وصفه الأخير بـ “إنجاز كبير للعلاقات الخارجية”، كاشفًا أن السودان وإسرائيل “يناقشان التطبيع السريع”. مجلس الوزراء السوداني قال إن البرهان لم يعد بتطبيع العلاقات. ووصف الاجتماع بـ “مبادرة شخصية”. لكن بعد فترة وجيزة من الاجتماع، سُمح للرحلات الجوية الإسرائيلية باستخدام المجال الجوي السوداني.
في مايو 2020، نشرت القناة 13 الإسرائيلية تقريرًا عن إرسال إسرائيل سرًا طائرة مع طاقم طبي ومعدات إلى السودان في محاولة لنقل مستشارة البرهان نجوى قداح الدم إلى إسرائيل بعد إصابتها بكورونا. القناة وصفتها بـ “مهندس العلاقات السرية بين السودان وإسرائيل”.
توفيت قداح الدم. لكن تايمز أوف إسرائيل قالت إن الطائرة كانت تحمل مسؤولًا رفيع المستوى “مرتبطًا بعلاقات مع السودان”.
بعدها بأيام، أخبر نتنياهو حكومته أنه هاتف البرهان للتهنئة بعيد الفطر. وتكهنت القناة 13 بأن المكالمة تطرقت للعلاقات ما بعد قداح الدم.
توقف الحديث العلني حتى إعلان اتفاقات إبراهام. ومعها طار بومبيو إلى الخرطوم. وحث السودان على التواصل مع إسرائيل في بادرة ستسهل إقناع الكونجرس بشطب السودان من قائمة الإرهاب.
هل يملك حكام السودان توقيع اتفاق التطبيع مع إسرائيل؟
الحكومة الانتقالية في السودان تقول إنها تفتقر التفويض لاتخاذ قرار التطبيع مع إسرائيل وأن مثل هذه الأمور يجب أن تنتظر تشكيل حكومة دائمة.
لكن معهد واشنطن لدراسات الشرق الأدنى يقول إن الحكومة نفسها منقسمة، ما بين المكونين العسكري والمدني من جهة، والمدنيين أنفسهم، خصوصًا أن قوى الحرية والتغيير تتشكل من مجموعة من الأحزاب المختلفة جذريًا في القضايا ذات الارتباطات الأيديولوجية؛ إذ تجمع الصادق المهدي رئيس حزب الأمة القومي ذا الخلفية الإسلامية، بقيادات الحزب الشيوعي، وحزب المؤتمر، وتجمع المهنيين، بما يؤثر على مستقبل علاقات السودان الخارجية، وبينها التطبيع مع إسرائيل. وهو ما ظهر في تصريحات الحكومة السودانية المتناقضة حول علاقاتها مع إسرائيل.
في مقابلة مع “سكاي نيوز عربية”، في 18 أغسطس، أكد المتحدث باسم الخارجية السودانية حيدر بدوي، إجراء محادثات دبلوماسية بين البلدين. في نفس اليوم، أكد وزير الخارجية السوداني المكلف عمر قمر الدين أن وزارته لم تناقش مسألة العلاقات مع إسرائيل. وفي اليوم التالي، أقيل المتحدث. ليستمر الغموض.
لكن المعهد يعتقد أن المؤسسة العسكرية أعلنت موقفها رسميًا باجتماع البرهان – نتانياهو، وأن قنوات التواصل قائمة برعاية مسؤول ملف العلاقات المتعلقة بالأمن القومي؛ أي المكون العسكري، وتحديدًا عبد الفتاح البرهان، مستشهدًا بتعليقات نتنياهو التي تعتبر تطبيع السودان وإسرائيل “مسألة وقت”.
لماذا يحتاج السودان للسلام مع إسرائيل الآن؟ ولماذا تريده إسرائيل؟
السودان الذي عرف برفضه الاعتراف والتعاون والتفاوض مع إسرائيل لعقود، يأمل الآن في حل المشكلات التي خلفها نظام البشير، ويحاول من جهته بناء علاقات إقليمية تساعده في قضيته الأولى؛ إزالة اسم السودان من قائمة العقوبات الامريكية.
ويعتبر السودان أن العلاقات مع إسرائيل ستفتح الطريق للوصول الى البيت الأبيض وصندوق النقد الدولي.
بالمقابل، ترى تايمز أوف إسرائيل أن المسؤولين الإسرائيليين يرغبون في تحسين العلاقات مع الخرطوم، لأهميتها الإقليمية. بينما تشير وول ستريت جورنال إلى “الإشارة المعنوية” المنمثلة في سقوط رمزية قمة الخرطوم 1967 وسقوط لاءاتها الثلاثة.