السينما السعودية | 15 شخصًا يبحثون عن صوت صناعة بلا أرث سينمائي يكبلها | محمد سيد عبد الرحيم

السينما السعودية | 15 شخصًا يبحثون عن صوت صناعة بلا أرث سينمائي يكبلها | محمد سيد عبد الرحيم

22 Dec 2020
محمد سيد عبد الرحيم
سينما عربية
رابط مختصر
للمشاركة لـ فيسبوك
حجم الخط

قبل 2018 كان عدد دور عرض السينما في السعودية صفرًا. كانت المملكة قد رفعت للتو حظرًا ساريًا منذ 1979 على دور السينما ليبدأ أول عرض سينمائي في الرياض في 18 أبريل/ نيسان.

في هذا العام وحده، قفز الرقم من الصفر إلى العشرات.

في جدة وحدها، أنشأت السعودية ٦ دور عرض. كل دار عرض تضم ١٠ قاعات على الأقل. بعضها تتبع شركات عالمية، والبعض الآخر شركات محلية.

السعوديون، الذين سافروا لسنوات إلى الإمارات والبحرين لمشاهدة الأفلام في دور العرض، كانوا عطشى إلى السينما. عدد الدور يتزايد شهريًا، ومعه الإيرادات الضخمة التي تجنيها الأفلام.

المملكة تصدرت الدول التي جنت إيردات للفيلم الأمريكي Tenet إيرادات، وكانت السوق الوحيد الذي شهد انتعاشًا لدور العرض عالميًا في 2020، بحسب شركة فوكس.

الطوابير الطويلة التي تشهدها دور السينما رغم وباء كورونا تؤكد الأرقام. بل يؤكدها أكثر حفلات منتصف الليل وما بعد منتصف الليل (الثالثة فجرًا) وفتح دور العرض في الإجازة الأسبوعية طوال 24 ساعة.

يشاهد السعوديون كل الأفلام. الأمريكية بتنوعها تتصدرها بالتأكيد، بالإضافة إلى أفلام الكوميديا والأكشن المصرية، لكنهم أيضًا يشاهدون الأفلام الهندية، وحتى الأنيميشن الياباني.

صالات العرض تعرض كل هذه الكوكبة المختلفة من الأفلام بنفس الوقت لترضي جميع الأفراد والعائلات، والتي ربما تكون قد شاهدت بالأمس الفيلم المصري الذي يعرض في قاعة (5) وتشاهد اليوم الفيلم الأمريكي في قاعة (7) وستشاهد غدًا الفيلم الهندي بالقاعة (9).

فما الذي حدث سابقًا وأخفى السينما في السعودية لعقود؟

إلغاء السينما مقابل إنهاء حصار الحرم

التوق إلى السينما في السعودية سببه القطيعة التي فرضها الملك خالد بن عبد العزيز كرد فعل – اضطراري ربما – على أحداث حصار الحرم المكي 1979، واعتبار الإرهابيين وقتها أن المطالبة بالابتعاد عن الغرب بكل ما يمثله من سينما وتليفزيون، ومنع الاختلاط بين الجنسين، والابتعاد عن العلوم الغربية والعودة إلى العلوم الدينية وغيرها، كانت أسبابًا دفعتهم للخطوة.

اتجهت السعودية لاحقا – شأنها شأن كثير من دول المنطقة – إلى مساومة اجتماعة غير معلنة.

وهذا نفسه ما أشار إليه ولي العهد محمد بن سلمان العام 2018 حينما قال في حوار له إن على السعودية أن تعود إلى ما قبل 1979 أي نبذ التزمت والتشدد الذي تبع ثورة الخميني في إيران وحصار الحرم المكي، والذي أطفأ أنوار السينمات في السعودية، لكن دون عرض أفلام.

لكن حب السينما استمر

حمزة صيرفي، الأب الروحي للفن التشكيلي في جدة، يحكي عن مدى حب السعوديين للسينما. يبتسم مستعيدًا ذكريات بعيدة:

“أتذكر حينما كنت طفلًا أننا كنا ننتظر وصول فيلم مصري إلى بيتنا بفارغ الصبر. صنع والدي شاشة وأحضر جهازًا للعرض ووضعه على سطح بيتنا. كان مكاننا المفضل في البيت كله. كنا نجتمع فيه كل ليلة لنشاهد فيلمًا. أحيانًا جديدًا لم نشاهده من قبل، ولكن غالبًا كان فيلمًا قديمًا شاهدناه مرارًا”.

يتذكر هذا الوقت الصعب في حياته وفي حياة السعودية كلها:

“لم نكن نستطيع أن نظهر حبنا للسينما، فما بالك بأن يعرف أحدًا أن لدينا شاشة وجهاز عرض، حيث يشاهد الرجال والنساء والأطفال أفلامًا مختلفة. كان والدي يحضر أفلام مقاس 16 مللي والتي كان يهربها أصحابه بتقسيمها في بكرات متعددة ليضعونها في حزام حول خصورهم حتى لا يكتشفها الأمن السعودي حين الدخول إلى المملكة. كنا نعرض هذه الأفلام في بيتنا، وأحيانًا لم نكن نعرف أي بكرة من الفيلم يجب أن تعرض قبل الأخرى. فكنا نشاهد الأفلام بترتيب خاطئ، لنعرف بعد سنوات طويلة لماذا قتل بطل الفيلم هذا الرجل، ولماذا لم تعد البطلة تحب البطل! ورغم ذلك كنا نستمتع بمشاهدة الأفلام، حتى لو كانت على غير هيئتها الحقيقية حتى لو كانت مجرد صور على هذه الشاشة التي خلبت عقولنا وأرواحنا”.

يقترب حمزة من عمر السبعين. لكن حبه للفن وللحياة يجعله رشيق الحركة مبتسما دائمًا.

يستعيد ذكرياته مع السينما في السعودية فيقول: “حينما كنت طفلًا صغيرًا جاءت جدتي إلى بيتنا. لم تكن قد شاهدت أي فيلم سينمائي من قبل، وبالتأكيد لم تر أبدًا شاشة عرض في حياتها. وحينما شاهدت في بيتنا فيلم دعاء الكروان لفاتن حمامة استغرقت في الفيلم حتى أنها أغرقت وجهها بالدموع لتقول مع نهاية الفيلم: قتلها الحب، تقصد البطلة. وحينما شاهدت في اليوم التالي فيلم بين الأطلال (اذكريني) لفاتن حمامة ظلت أيضًا تبكي طوال الليل قائلة: هذه الفتاة (تقصد فاتن حمامة) حظها سيء جدا في الحب. لم تستطع أن تفرق بين البطلة والممثلة فلم تكن لديها أي خبرة لا بالأفلام أو السينما”.

الحجر | لغز شقيقة البترا.. هل فتحت السعودية بوابة فك رموز حضارتها القديمة؟| الحكاية في دقائق

جيل ما قبل العودة

لم يعد الأمر مثلما كان حينما كان صيرفي طفلًا، ففن صناعة الأفلام يدرس اليوم في عدة جامعات سعودية، ومنها جامعات للفتيات فقط، مثل جامعة عفت، والتي فاز أحد مشاريع تخرجها “من تحرقن الليل” من إخراج المخرجة سارة مسفر بتنويه خاص مؤخرا بمهرجان القاهرة السينمائي الدولي.

لم تكن الجامعات السعودية تدرس السينما لعقود طويلة، وهو ما دفع محبي السينما إلى السفر للخارج لتعلم السينما، في معهد السينما المصري، أو بالمعاهد والكليات المختلفة في أوروبا وأمريكا، وهو ما خلق جيلًا من المبدعين الذين تعلموا بالخارج.

هذا الجيل هو الذي فتح الباب ليصنع أفراده أفلامهم خارج السعودية في البداية، ثم يبدأون في صنعها داخل السعودية بعد ذلك ليعرضوها في مهرجانات مختلفة،

وعلى رأس هؤلاء بالتأكيد هيفاء المنصور بفيلمها “وجدة” أول فيلم يصنع بالسعودية، وأول فيلم لمخرجة سعودية، وأول فيلم تكون بطلته فتاة،

وأيضا محمود صباغ بفيلمه “بركة يقابل بركة” والذي عرض في العديد من المهرجانات حول العالم،

وعبد العزيز الشلاحي مخرج فيلم “حد الطار” الذي فاز بجائزتين في مهرجان القاهرة السينمائي الدولي 2020.

هذا الجيل عاني كثيرًا لصنع هذه الأفلام؛ لقلة الدعم، وعدم وجود فنيين مؤهلين لصنع أفلام سينمائية بالسعودية، بالإضافة بالتأكيد إلى الرقابة المجتمعية ورقابة الدولة نفسها قبل 2017.

كان هذا هو الجيل هو الذي مهد الطريق للجيل الحالي من شباب صناع الأفلام والذين درس الكثير منهم في السعودية نفسها، والذين يصورون اليوم في شوارع المملكة المختلفة بممثلين سعوديين لا ممثلين سوريين أو لبنانيين مثلما كان يحدث من قبل.

15 شخصًا يصنعون حاضر السينما السعودية

إلا أن هذه المجموعة الجديدة ليست كبيرة العدد.

تقول المخرجة والممثلة فاطمة البنوي: “لا يزال صناع الأفلام في السعودية كلها لا يتعدون خمسة عشر شخصًا”.

البنوي التي كانت بطلة فيلم “بركة يقابل بركة” والتي يعرفها الجمهور المصري في دور والدة شيراز بمسلسل “ما وراء الطبيعة” تضيف: “لا يزال عدد الفنيين في المملكة كلها قليل جدًا، وهو ما يجعل صناع الأفلام أنفسهم لا يستطيعون أن يصوروا أفلامهم بنفس الوقت؛ لأن الفنيين الجيدين يسافرون من مدينة إلى مدينة طوال العام من أجل المشاركة في صنع أفلامنا”.

هذا الجيل الجديد الذي يتكون من مجموعة من المخرجين والمخرجات الذين قد صنعوا أفلامهم الأولى القصيرة مثل هناء العمير وهند الفهاد ومحمد الهليل وفارس قدس وسارة مسفر وفاطمة البنوي وجواهر العمري هم الجيل الذي يساعد أفراده بعضه بعضًا، لنجد أن المخرج يعمل في فيلم زميله كمنتج أو مونتير أو مصور أو ممثل.

وهو  نفسه الجيل الذي يدرس بعض أفراده في كليات السينما المختلفة في المملكة بعدما أصبحت لديهم خبرة أكاديمية أو عملية يسعون لنقلها إلى الأجيال الجديدة.

ولذا، ومع كل فيلم جديد من هذا الجيل السينمائي السعودي نشهد تطورًا ملحوظًا في الأفكار وفي التنفيذ والرؤية والأساليب الفنية.

من بوكينج إلى بوينج.. 25 فرصة اقتنصتها استثمارات السعودية بعد كورونا | إنفوجرافيك في دقائق

جيل ما قبل العودة

مع كل فيلم جديد يحاول المخرجون السعوديون العثور على أصواتهم الخاصة عبر التركيز على مشكلاتهم الاجتماعية وخلق عالم سينمائي كامل داخل الأفلام، مثلما فعل عبد العزيز الشلاحي في فيلمه “حد الطار” وسارة مسفر في فيلمها “من تحرقن الليل”.

هذه الأفلام الفائزة تعكس ما تحاول السينما السعودية الوصول إليه وهو التجريب والبحث عن صوت خاص.

وما يدعم هذه السينما للوصول إلى هدفها أجلًا أو عاجلًا هو أنها لا تحمل على عاتقها تاريخا طويلا، بل هي سينما متحررة تمامًا من أي إرث سينمائي من الممكن أن يكبلها.

هذا الجيل السينمائي الجديد أمامه فرصة لإنارة ظلام سينمات السعودية بالأفلام.

في 6 مشاهد | كيف تحولت السعودية من تثبيت الأقدام إلى تحريك الشرق الأوسط ؟| تايم لاين في دقائق


رابط مختصر
للمشاركة لـ فيسبوك

موضوعات متعلقة

التعليقات (0)

يجب عليك .. تسجيل الدخول أو التسجيل لتتمكن من التعليق.

تعليقات الفيسبوك