الشيطان في الديمقراطية: –1 مقدمة

الشيطان في الديمقراطية: –1 مقدمة

9 Jul 2018
رابط مختصر
للمشاركة لـ فيسبوك
حجم الخط

بالنظر إلى حصيلة التجارب السياسية العربية في القرن الذي تلا انعتاق المشرق من ربقة الاحتلال العثماني، أرى من المشروع أن نخلص للقول بأنها ميالة للمسارعة إلى استيراد الحلول الأيديولوجية الجاهزة دون أدنى تأمل في السلبيات أو حذر من العواقب.

بل الواقع أنها تتشبث بما يروّج في ساحتها من دعايات (بجهود سياسية واستخبارية مكثفة) ناظرة إلى أي انتقاد سائغ أو وجيه بوصفه ضربًا من التخاذل، ورادة عليه بشعار مثل “اليأس خيانة”! أو”المجد للأحرار، الثابتين على الأفكار”! رغم تضاربه الواضح، فالحرية تتضمن الحق في تغيير المعتقد، وهو أمر لم تعترض عليه رسميًا إلا السعودية والصين.

كما أنها تعاني من إعاقة مزمنة تجاه التعلم من أخطائها، فرغم قرون التخلف التي عاشتها في ظل العثمانيين، وعقود الخوف والجوع والحرب التي أغرقها فيها القوميون، لا تزال المساحة المشروعة للمعارضة عند المثقفين – فضلًا عن العامة – منحصرة في المزايدة على الماضي.

اقرأ أيضا: الإطار الفكري ومخاطر إهماله

فإما المناداة باشتراكية ديمقراطية ضد الاستبداد القومي، أو السعي القهقري الحثيث إلى عهد تعد معه أواخر أيام الخلافة مثالًا باهرًا على الانفتاح – فهي التي شهدت تغيير الأزياء من الجبة إلى البنطال، وإدخال تعليم اللغات في المدارس الرسمية، وهما من “محدثات الأمور” عند السلفية.

وحتى المتظاهرون منهم بـ “الليبرالية” ربما لأن رنين الكلمة أعجبهم، فلو حككت أفكارهم بقوة فستكشف لك إما عن بعد-استعماري من أشياع تشومسكي، أو عن كينزي يحارب التفاوت من مريدي كروغمان.

من يشبهنا؟

ووسط مشهد كهذا، قد يتجه نظر المطالع الحذر – الذي يعرف بأن التاريخ ليس مسرح تجارب – إلى البلدان الأقرب إلى تاريخنا وظروفنا، التي عانت من أنظمة وسياسات لا تقل تعسفًا، جمودًا، أو مثالية عما مررنا به، بحثًا عن أجوبة لأسئلة ظلت عالقة لدينا، وتبصرات قد تمنحنا بعض الوضوح في نظرتنا للماضي والحاضر.

ومن خلال متابعتي (التي لا أدّعي لها الإحاطة) لأخبار القارة الأوروبية، أرى أن دول الكتلة الشرقية سابقًا تمثل لنا خير مدرسة نستعين بها على فهم تاريخنا المعاصر.

فقد كانت قبل الحرب العالمية الأولى ترزح تحت وطأة احتلال غريب (عثمانيًا كان أو روسيًا)، وتنفست الصعداء في فترة ما بين الحربين حتى ثارت فيها حركات فاشية أو اجتاحها النازيون، ثم وقعت بعد الحرب العالمية الثانية في نصيب الاتحاد السوفيتي من بين ما اقتُسِم من تركة الرايخ الثالث.

وقد سيطر عليها القمع لأربعة عقود ونيف إلى أن سقطت السلطة الشيوعية فيها: إما بالثورة الشعبية (كبولندا ورومانيا) أو بالانحلال المتوقع (كهنغاريا ودول البلطيق).

وهي اليوم تحاول مواكبة سير التقدم المطرد في أوروبا بكل ما في وسعها، وتشكيل حياة سياسية صحية وهوية وطنية نشطة، حتى لو اضطرها ذلك للتصادم مع الإملاءات المركزية للاتحاد الأوروبي، الذي بات يتجه في عناده البيروقراطي وهندسته الاجتماعية إلى نفس درجة التحجر التي اتسمت بها السياسات السوفيتية فيما مضى.

اقرأ أيضا: لماذا الرأسمالية ”عندها دين“ و الشيوعية ”ملحدة“

الشيطان في الديمقراطية

نتيجةً لمصادفات محمودة، وفّقت لمطالعة وترجمة كتاب مهم عن هذه السيرورة، ألفه أستاذ فلسفة بولندي يدعى ريشارد ليغوتكو، كان قد ساهم فكريًا في حركة التضامن البولندية، التي قادت الاحتجاجات الشعبية ضد الحكومة الشيوعية في بولندا، وأصبح بعد تأسيس الجمهورية الديمقراطية وزيرًا ثم عضوًا في البرلمان الأوروبي. وقد حمل الكتاب بالبولندية عنوان “انتصار الإنسان السوقة”، وترجم إلى الإنجليزية بعنوان “الشيطان في الديمقراطية“. يقول المؤلف في مقدمته:

هذا الكتاب يعنى بالتشابهات بين الشيوعية والديمقراطية الليبرالية. كانت فكرة وجود هذه التشابهات بدأت تتبرعم على استحياء في عقلي منذ سبعينات القرن الماضي، حين تمكنت للمرة الأولى من الفرار من بولندا الشيوعية كي أسافر إلى ما يعرف بالغرب.

ولمفاجأتي المؤسفة، فقد اكتشفت أن العديد من أصدقائي الذين صنفوا أنفسهم عن وعي كداعمين مخلصين للديمقراطية الليبرالية – لنظام تعدد الأحزاب، حقوق الإنسان، التعددية، وكل ما قد يسرده كل ديمقراطي ليبرالي من أركان إيمانه – يبدون تواضعًا وتعاطفًا استثنائيًا تجاه الشيوعية. وكانت مفاجأتي مريرة لأني كنت أتصور أن الاستجابة الطبيعية وشبه الانفعالية لدى كل ديمقراطي ليبرالي تجاه الشيوعية يجب أن تكون الإدانة المباشرة.

فكرت لوهلة بأن مناهضة أعداء الشيوعية هذه، التي اتسمت بموقف متسامح مع الشيوعيين وآخر صارم ضد أعداء الشيوعية، نابعة من الخوف من سلطة السوفييت، أو بتعبير أكثر تعاطفًا، من الاعتراف بأنه مما لا يعقل أخلاقيًا أن نتقبل إمكانية صراع عسكري عالمي كنتيجة حتمية للمواجهة مع الشيوعية.

ولكني اكتشفت أن هذه الاعتبارات لم تفسر تمامًا هذا الغضب الخالص المناهض لأعداء الشيوعية الذي أدركته، الذي تجاوز معظم المشاعر السياسية السلبية التي أعرفها. وظهرت في عقلي فرضية تقول بأن كلا الموقفين – الشيوعي والليبرا-ديمقراطي – يرتبطان بأمر أعمق، هو المبادئ والمثل المشتركة”.

سنستعرض في الحلقات القادمة نماذج لافتة عن التشابهات والتوازيات التي شخصها المؤلف بين هذين التيارين، وذلك في محاور خمس: التاريخ – اليوتوبيا – السياسة – الأيديولوجيا – الدين. كما سنحاول ما استطعنا أن نربطها بواقعنا العربي القريب، هادفين للتوصل إلى نقاط التلاقي والاستفادة من التفسيرات أو الاقتراحات التي طرحت في طيات الكتاب.

في “دقائق. نت” أعددنا هذا الفيديو عن تطور الديمقراطية في بريطانيا، لنرى كيف يترافق تطور القيم المجتمعية مع تطور الديمقراطية.

رابط مختصر
للمشاركة لـ فيسبوك

موضوعات متعلقة

التعليقات (0)

يجب عليك .. تسجيل الدخول أو التسجيل لتتمكن من التعليق.

تعليقات الفيسبوك