الأزمات كانت الدافع الأول لموجات الهجرة من الشرق الأوسط إلى أمريكا اللاتينية. صحيفة لوموند الفرنسية تقول إنها كانت مدفوعة بعوامل اجتماعية واقتصادية وديموغرافية، تقاربت مع انهيار الإمبراطورية العثمانية والاحتلال الفرنسي والبريطاني.
تقول إن الشرق الأوسط لم يكن مكانًا جيدًا للعيش، مع تصاعد المشكلات الاقتصادية والاجتماعية والسياسية، لتصبح أمريكا اللاتينية الوجهة المفضلة للمهاجرين من كل الأديان، مسلمين ومسيحيين ويهود.
لكن الاندماج في المجتمع الجديد لم يكن سهلًا. رغم اعتبارهم من قبل بعض دول أمريكا اللاتينية مواطنين بيض، إلا أن خلفياتهم والمناطق المشهورة بالنزاع التي جاءوا منها، صعبت الأمر عليهم ونظر إليهم على أنهم مواطنون ملونون أو مواطنين درجة ثانية، مما جعلهم أسفل قاعدة الهرم الاجتماعي والاقتصادي.
ونظرا للاختلافات الثقافية الكبيرة واجهتهم صعوبات، على سبيل المثال وجبة الكبة النيئة، كان بعض الأمريكيين يعتقدون أن العرب آكلي لحوم بشر، بسبب أكلها، وفي عام 1959 اندلعت في كوريتيبا جنوب البرازيل أعمال شغب، هوجمت فيها ونهبت ودمرت ممتلكات العرب، حوالي 120 متجرًا، لأن صاحب متجر عربي رفض إعطاء شرطي إيصالًا بمشط اشتراه.
وفقًا للمعهد الأمريكي العربي للدراسات، سيطر اللبنانيون والفلسطينيون والسوريون في البداية على القطاع الخاص: بدؤوا بصناعة القطن، والآن صاروا في مهن أكبر وأفضل، فهم معروفون الآن بتأثيرهم الكبير في مجالات الاتصالات والمنسوجات ووسائل الإعلام والبناء والطب والهندسة والمحاماة.
نجاح العرب في تلك القطاعات أكسبهم قدرًا هائلًا من الثقة والنجاح والدعم من المجتمعات في أمريكا اللاتينية. الأمر مكنهم من بدء منظمات اجتماعية مدنية، والبدء في المشاركة في السياسة والتأثير الثقافي على الدول التي يقيمون فيها.
التأثيرات كانت كبيرة وعميقة إلى حد بعيد، بسبب العدد الكبير للعرب في أمريكا اللاتينية. البرازيل وحدها تضم 7 ملايين لبناني، وتشيلي موطن أكبر جالية فلسطينية في الخارج بنصف مليون فرد، إضافة إلى الملايين في الأرجنتين وغيرها.
التأثيرات الأهم كانت مجتمعية وثقافية، في البرازيل على سبيل المثال تبنت مأكولات عربية في الأصل مثل الكبة والتبولة والحمص والتي أصبحت برازيلية كالبيتزا والمعكرونة. في تشيلي أيضا، المسلسلات العربية لها جمهور متابعين ومعجبين أكثر من كرة القدم نفسها.
المشاركات السياسية والمنظمات والنوادي الاجتماعية والمؤسسات الدينية والمدارس التي أسسها العرب، أفسحت المجال للأجيال الجديدة للتغلغل أكثر عبر مشاركات تنموية كبناء المستشفيات وبناء ملاعب كرة القدم والتبرع لقضايا مجتمعية. فالعرب في أمريكا اللاتينية ليسوا معروفين آلان بالثراء فقط، بل بكثرة العطاء.
التأثيرات السياسية أيضًا كانت كبيرة وممتدة إلى حد كبير، فالعرب المقيمون هناك كانوا مفتاحًا لبناء علاقات سياسية مع الشرق الأوسط. ومنهم من أصبح له وضع سياسي ووصل لأعلى المناصب السياسية، كالرئيس الأرجنتيني السابق ذي الأصول السورية كارلوس منعم والرئيس السلفادروي السابق ذي الأصول اللبنانية إلياس أنطونيو ساكا. ومنها سادس أغنى شخصية في العالم وفقا لـ”فوربس” كارلوس سليم، والمغنية شاكيرا وسلمى حايك وغيرهم.
بعد ظهور فضائح الفساد المتهم فيها الرئيس الأرجنتيني السابق من أصول عربية، كارلوس منعم، إلى النور، استعاد الأمريكيون اللاتينيون الصورة النمطية التي اتخذوها عن المواطن العربي في بداية هجرته، حيث ربطوا بينه وبين الفساد المستشري في الإمبراطورية العثمانية آنذاك.
كان يُطلق على المهاجرين في البداية قبل تمكنهم من الاندماج في المجتمع بـ “التركو” لنسبهم إلى الإمبراطورية العثمانية. والمعنى لم يكن حميدًا. تركو يعني فاسد.
هناك أسباب أخرى سببها الروابط بين الحكومات اليسارية وبعض الدول في المنطقة. في فنزويلا على سبيل المثال كانت للحكومة منذ فترة طويلة علاقة حميمة مع الأنظمة في إيران وسوريا. طارق العيسمي مثلًا، وزير فنزويلي ينتمي إلى الدروز، له صلات بجماعة حزب الله الشيعية اللبنانية، بحسب الواشنطن بوست. إضافة إلى ذلك تصدير البيروقراطيات الاقتصادية لدول أمريكا الجنوبية.