في الفيل الأزرق 2 .. مروان حامد لا ينافس إلا نفسه! | أمجد جمال

في الفيل الأزرق 2 .. مروان حامد لا ينافس إلا نفسه! | أمجد جمال

28 Jul 2019

أمجد جمال

ناقد فني

رابط مختصر
للمشاركة لـ فيسبوك
حجم الخط

هناك مبادئ متعارف عليها في صناعة أفلام الأجزاء (Sequels). منها: الإبقاء على منطق وعوالم الأصول (الأجزاء الأولى) وتطويرها كميًا لا نوعيًا، وتمتع كل جزء بقوام قصصي له البداية والوسط والنهاية؛ أي يستطيع الصمود كقصة تامة مستقلة عما قبلها وبعدها. هذا ما يفرق سلاسل الأفلام عن حلقات الدراما التلفزيونية المتصلة.

وفق تلك المبادئ، يعلن الجزء الثاني من الفيل الأزرق عن نفسه كأحد أفضل تجارب سينما الأجزاء في تاريخ السينما المصرية.

لا أحب عبارات التفضيل التعميمية، لكن هذه الأفضلية أتت من كون السينما المصرية لم تترك إرثًا مقنعًا في هذا النوع من السينما كي تبني عليه الأجيال الجديدة، لكن الفيل الأزرق يفعلها على الطريقة الهوليوودية بشكل عام، مع تأثر أسلوبي خاص ببضعة أفلام أجنبية.

لمحات عن تأسيس قصة الجزء الثاني من الفيل الأزرق عرفناها مع حل عقدة الجزء الأول. بطل الفيلم الطبيب النفسي يحيى راشد يستعيد حب عمره “لبنى”، ويتزوجها.

تمر السنوات فيرزقان بطفل، لكن الحياة الزوجية تبدو فاترة وقد أصابها الملل، مع عودة يحيى لإدمان الكحوليات، بعدما تخلى عن الطب لصالح مجال العقارات. لكن الطب لا زال يطارده مع حالة جديدة في قسم “8 غرب”، لسيدة من الطبقة الأرسقراطية تدعى “فريدة”، قتلت أطفالها بدم بارد، ثم قتلت إحدى السجينات في القسم، وترفض التعامل مع أي طبيب إلا يحيى راشد بالاسم. كيف عرفته؟ ولماذا هو بالتحديد؟ أسئلة يحاول الفيلم الإجابة عنها.

تنتدب إدارة المستشفى يحيى لتلك المهمة. لا يتحمس للعودة لعالمه المهني القديم، لكن تهديدًا غريبًا لحياته الخاصة والأسرية يجبره على إعادة النظر في التعامل مع حالة “فريدة”.


هل كانت مصر فعلًا ثاني دول العالم معرفة بالسينما؟ | أمجد جمال

أفضل طرق اختيار عنوان لفيلمك، وأنجحها في تاريخ السينما | أمجد جمال | دقائق.نت


أحمد مراد بين النضج والتعثر

الخيال الجامح والأفكار غير التقليدية ما زالت نقطة القوة في نصوص أحمد مراد. قلما تجد على الساحة حاليًا من يتعامل مع كتابة القصص بمنطق النفاذ لعوالم هروبية بعيدة عنا إلا مراد، لذا فقصصه دائمًا مثيرة، وباعثة على المتابعة، وموترة، لدرجة تجعل المتفرج يتغاضى عن أخطاء متكررة في ربط خيوطها، ووصل البدايات والدوافع والرموز مع المدلول والحلول والاستنتاجات.

أحمد مراد يقول إنه يرى الفيل الأزرق في جوهرها أفلامًا عن الحب والعلاقات. هذا صحيح، لكنه في الجزء الجديد لم يحكم أدواته في ربط الطبقة القشرية الماورائية من الأحداث بالطبقة الأعمق المتعلقة بفتور العلاقة الزوجية بين يحيى ولبني، ويظهر في النهاية الالتفاف على هذا الخيط الدرامي، بصورة لن نقول أنها مخلة تمامًا، لكنها ليست مشبعة على الأقل.

على عكس الجزء الأول، يكتب مراد القصة هذه المرة للسينما مباشرة دون استناد على نص روائي. هي أيضًا نقطة قوة ساهمت في تكثيف أحداث الفيلم والحكي بشكل بصري. نلاحظ أن زمن الفيلم جاء أقل من زمن الجزء الأول (المبني على النص الأدبي) بنحو ثلث الساعة، رغم أن المتفرج سيشعر بتقارب في كم الأحداث المعروضة في الجزئين أو تفوق الثاني من حيث كمّ المحتوى المقدم، كدليل على أنه جاء أكثر شحنًا وتكثيفًا واحترافية على كافة المستويات.

مراد نضج ككاتب سيناريو. في السابق كان يكتب المشهد السينمائي كقطعة مكعبات تتراكم مع غيرها لتكمل تفاصيل اللوحة. الآن يكتبها كوحدات درامية قائمة بذاتها قبل أن تكون جزءًا من الكل. هذا يتضح خصوصًا في مشهد تظهر فيه إحدى شخصيات الجزء الأول لتكشف مستجدات لم نعرفها. اتسم المشهد بتصاعد ممتاز، وبتقديم المعلومات بصورة تفيد اللوحة الكاملة، بقدر ما تفيد اللمحة الخاصة داخله.

ذكرنا أن قصص الأجزاء لا بد وأن تتطور كميًا لا نوعيًا؛ كي لا تهدم المنطق الذي بنيت عليه. أحمد مراد طوّر تفاصيل حبكته على هذا الأساس، ومن أبسط التفاصيل حتى أعظمها. تطور بدأ من التصميم المكاني للحبس الانفرادي كمكان محوري للأحداث، وصولًا لتطور الشخصية الشريرة بطبقتها السطحية، والكشف عن مزيد من القدرات لديها مما يزيد من التحدي عند البطل.

تطور كذلك في الميثولوجيا والأبعاد الماورائية للفيلم. قد يعتبرها البعض هدم لميثولوجيا الجزء الأول، لكن الحقيقة أنها ليست إلا تطورا لها. الميثولوجيا بطبيعتها مطاطة، هي ليست علمًا أو تاريخًا.

الجدير بالذكر أن هذا التطور في الميثولوجيا جاء متأثرًا لدرجة بفيلم “قتل غزال مقدس” للمخرج يورجوس لانتيموس وبطولة كولين فاريل ونيكول كيدمان. لانتيموس يعلمنا في بداية فيلمه أنه مبني على الميثولوجيا الإغريقية “إيفيجينا” أو التضحية بالأبناء إرضاء للرب.

الفيل الأزرق 2 لم يتأثر بالقصة الإغريقية بقدر ما تأثر بالفيلم الأجنبي نفسه، في هيكل الأسرة، وتسلسل ضحايا اللعنة، وتصميم بعض المشاهد. وإن كان أحمد مراد لم يلجأ لنفس النهاية أو الحل في الفيلم الأجنبي. هذا التأثر المشروع – عمومًا – كان سببًا في ثراء حبكة الجزء الثاني من الفيل الأزرق.


سينما المؤلف والمخرج.. الفن يتسع للجميع

أكثر المقولات إلهامًا حول صناعة الأفلام


مروان حامد ينافس نسخه السابقة

الفيل الأزرق بجزئه الأحدث هو الحلقة الثانية من قصة الطبيب النفسي يحيى راشد. لكنه الحلقة الرابعة من قصة نجاح الثنائي الإبداعي الأبرز على الساحة السينمائية المصرية في العقد الأخير؛ مروان حامد مخرجًا مع أحمد مراد كاتبًا، وهي شراكة فنية سيذكرها مؤرخو السينما بتدفقها في ظل ركود ما حولها نتيجة الظرف السياسي.

رغم أن تلك الشراكة بدأت محاصرة بالشكوك والتربص؛ فكيف لمخرج افتتح مشواره بأعمال منشغلة صراحة بهموم اجتماعية واقعية، أو مستندًا على نصوص أدبية جادة، أن يتجه فجأة للعمل مع كاتب ثقافة البوب التي يُنظر لها نظرة أدنى، وهي عند البعض ليست إلا قصص تسالي للمراهقين! الثنائي وعلى مدار سنوات تعاونهما، انتصرا على المشككين بسلاح الأمر الواقع.

لم يعد من الإنصاف أن نعتبر قصص أحمد مراد عالة على موهبة مروان حامد الإخراجية بأي حال، بل هي المسؤولة عن تفجر تلك الموهبة، ووصولها لذروة تلو الأخرى. وكأن مروان لم يعد ينافس على الساحة الإخراجية إلا نفسه. مع كل تجربة يقدمها يترك لدينا التساؤل: كيف سيصل لنقطة أعلى من التي وصلها؟ ودائمًا تأتي الإجابة بمزيد من التطور والمفاجآت.

أدب التسالي (مع التحفظ على التسمية) هو الأكثر ولاءً للسينما من الأدب الجاد؛ لأن الأول أكثر موازنه بين الكلمة والصورة. وهكذا وجد مروان ضالته في كتابات مراد.

في الفيل الأزرق 2 وصل مروان حدًا جديدًا من الثقة بالنفس، جعله يدخل مرحلة الفن كلعبة. مزيد من الانغماس في المشاهد الفانتازية، قد تصل في مبالغاتها البصرية لشكل الإعلانات التجارية، لكنها في النهاية تنجح في وظيفتها الدرامية والفوق درامية، وتنعش أجواء الفيلم فتعمل عمل الفواصل الجمالية، وبقدر ما تكون خاطفة للأنفاس، بقدر ما تكسر حالة الإثارة المتصلبة في مشاهد الواقع.

الجديد في الفيل الأزرق 2، هو لمسات الرعب الصرفة التي غابت عن الجزء الأول، وتتمثل في خضّات متواصلة، وإنذارات كاذبة، وتوظيف للإضاءة ومؤثرات الصوت، ومطاردات خطرة. بعض تلك اللمسات ستجعل المتفرج ينتفض في مقعده، وبعضها سيمر مرور الكرام.

النقطة السلبية الوحيدة في أداء مروان الإخراجي كانت المبالغة في كريوغرافيا حركات “فريدة”، واستخدام القطعات المونتاجية لتجزئة حوارها، وتطعيمها أحيانًا بمؤثرات صدى الصوت والريفيرب، لتأخذ شكلًا استعراضيًا لم يكن مفيدًا.

تراقصها، واستخدام ذراعيها في لغة الحديث، واندفاعاتها المتكررة ذهابًا وإيابًا بطول غرفة الحبس، وملامساتها الراقصة أحيانًا لجسد يحيى، والتي كان مفترضًا أن تكون مثيرة جنسيًا، لكنها لم تظهر كذلك. وبصفة عامة ذلك العنصر الإخراجي قلل كثيرًا من مصداقية الشخصية، وربما يكون انعكس سلبًا على أداء هند التمثيلي.


صلابة الإخراج تنقذ “تراب الماس” من التطاير


تفاوت التمثيل وتفوق الموسيقى

عامل مهم لتميز أفلام مروان حامد أنه لا يتنازل! هو يقدم ما يريده مهما كلفه الأمر، وأولى خطوات تحقيق ذلك أنه دائمًا ما يستعين بالأفضل. أفضل مهندسي الديكور والصوت والمؤثرات، أفضل من يضعون الموسيقى وأفضل من يصممون الملابس.. وكذلك أفضل الممثلين.

أفلام الفيل الأزرق طويلة زمنيًا، ومشحونة في محتواها لدرجة تجعل من الصعب تخيل أن يقوم ببطولتها ممثل آخر على الساحة غير كريم عبد العزيز. الوجه الذي تحبه الكاميرا رغم كسله المفرط وبطء خطواته وابتعاده عنها كثيرًا، لا زال ألفا جيله، ويتمتع بالقبول الكبير والحد الأدنى من الموهبة التي تؤهله لحمل ساعات زمنية من سينما في منتهى القسوة على كتفيه، وتخفيف ذلك الشعور.

أداء هند صبري رغم موهبتها الكبيرة يثير اختلافًا في الرأي بين المشاهدين. تؤدي الشخصية الأصعب في الفيلم، لكن أداءها كان متذبذبًا؛ مقنعة أحيانًا، بينما تحاول أكثر من اللازم في أحيان أخرى. وفي كل الحالات، لن تكون المقارنة مع خالد الصاوي في الجزء الأول في صالحها، لكن مروان حامد يشاركها اللوم كما ذكرنا.

خيالات أحمد مراد بقدر ما حررت مروان حامد من محدودية الدراما الاجتماعية، بقدر ما أهدت هشام نزيه مزيدًا من الفرص لتأليف مقطوعات موسيقية تروي شغفه وذوقه. كان يفعلها في السابق مع أعمال أقل كثيرًا من عمق موسيقاه، والآن أصبح كل شيء في مكانه الصحيح.

موسيقى الجزء الثاني من الفيل الأزرق جاءت مستوحاة من موسيقى الجزء الأول، مع مساحة أكبر للتجريب. لكن أكثر ما يستحق الإشادة في شريط الصوت لم تكن لحظات الصوت بقدر ما كانت لحظات الصمت، وهي النقطة التي تغيب عن معظم الإنتاجات المصرية الحديثة التي تكون أشرطتها الصوتية مثيرة للصداع من فرط استخدام الموسيقى.

الفيل الأزرق بجزأيه، والأصليين، وتراب الماس، سلسلة أفلام ذات هوية رغم اختلاف مواضيعها وعوالمها. اتفقت أو اختلفت مع تلك الأفلام، كلها أو بعضها، تظل حالة فريدة على السينما المصرية، ولا يشبهها شيء آخر. وهي أكثر تعبيرًا عن مروان حامد من أفلامه السابقة.


من دفاتر صلاح أبو سيف.. الواقعية والرقابة والجنس والنقاد | أمجد جمال

أحمد زكي.. كيف استحق اعتذار روبرت دينيرو عن “زوجة رجل مهم”؟ | أمجد جمال

بين الممر و أغنية على الممر.. بطولة نادية الجندي وخيانة نور الشريف..تقييم ١٠ أفلام حرب| أمجد جمال

كازابلانكا.. كيف ابتز بيتر ميمي جمهوره بـ “عركة” لا تبدأ ولا تنتهي؟! | أمجد جمال


رابط مختصر
للمشاركة لـ فيسبوك

التعليقات (0)

يجب عليك .. تسجيل الدخول أو التسجيل لتتمكن من التعليق.

تعليقات الفيسبوك