في 2017، فرضت الدول الأعضاء في مجلس التعاون الخليجي، البحرين والسعودية والإمارات، بجانب مصر، مقاطعة جوية وبحرية وبرية على قطر، فتغير الواقع في الشرق الأوسط بشكل كبير. طهران استفادت بالفعل من الانقسام الخليجي.
لمحاولة عكس ذلك، حقق الوسطاء الأمريكان والكويتيون اختراقًا عبر إقرار أساسيات مصالحة بين قطر والسعودية قبل السعي إلى اتفاق إقليمي من شأنه إنهاء انهيار العلاقات الدبلوماسية والتجارية.
الخطوة تكسر الجمود. لكنها ربما لا تعني التوصل إلى اتفاق أكثر جدية حتى يتولى الرئيس الأمريكي المنتخب جو بايدن منصبه، حيث سيقلل التقارب بين قطر ودول مجلس التعاون الخليجي من اعتماد الدوحة على طهران وأنقرة.
قد تحدث تغيرات دراماتيكية تدريجية في الشرق الأوسط من خلال رفع محدود للحظر المفروض على قطر، والذي سيقابل بتنازلات محدودة من قطر، لكن التغيير الشامل سيرتبط بسلوك الدوحة في الفترة المقبلة.
س/ج في دقائق
المصالحة الخليجية.. لماذا احتمالات التقارب بين الرباعي العربي وقطر الآن؟
وفق فوربس، هناك ثلاثة عوامل تحدد توقيت وإلحاح جهود التسوية التي توسطت فيها الولايات المتحدة والكويت:
1- إدارة جديدة ستصل البيت الأبيض خلال أيام. لذلك كثفت إدارة دونالد ترامب استخدام نفوذها لإحداث سلسلة من القرارات والمصالحات داخل مجلس التعاون الخليجي، وبين الأنظمة العربية وإسرائيل. ممثل الولايات المتحدة في المحادثات كان صهر ترامب جاريد كوشنر، بدعم إقليمي من أمير الكويت نواف الأحمد الجابر الصباح. كوشنر نفسه كان راعي اتفاقيات السلام الأخيرة.
2- توقع رد إيراني على اغتيال العالم النووي محسن فخري زاده في نوفمبر 2020، ربما يستهدف مصالح خليجية كما حدث سابقا في ٢٠١٩.
3- اتفاقيات إبراهام، وهي من أهم إنجازات السياسة الخارجية لإدارة ترامب، والتي نجحت في تطبيع العلاقات الدبلوماسية والسياسية والاقتصادية بين إسرائيل والدول العربية.
عامل رابع تضيفه وول ستريت جورنال. كيف عجل مونديال قطر بالاتفاق؟
وفق وول ستريت جورنال، لعب مونديال قطر 2022 دورًا مهمًا في التعجيل بفتح المجال الجوي السعودي لطائرات الخطوط الجوية القطرية، حتى قبل التوصل إلى اتفاق المصالحة الخليجية.
الصحيفة تقول إن القضية كانت مهمة للإمارة الخليجية الصغيرة لتتمكن من إكمال استعداداتها لاستضافة الحدث العالمي البارز. لكنها كانت مهمة كذلك لبقية الأطراف.
مهمة للولايات المتحدة، حيث أنها واحدة من القضايا الرئيسية في محاربة إيران، لأن المصالحة ستحرم طهران من 100 مليون دولار من عائدات رحلات الخطوط الجوية القطرية عبر أجوائها. ومهمة للسعودية، لإبعاد قطر عن التعاون مع إيران في مجال الملاحة الجوية.
أهمية التوقيت.. لماذا الاتفاق ضروري قبل تولي بايدن؟
أهم العوامل الثلاثة التي عجلت جهود التقارب، وفق فوربس، هو تغيير القيادة في واشنطن. إدارة ترامب كانت أكثر دعمًا للجهود السعودية والإماراتية، لكن وفقًا للتوقعات المنتشرة حول بايدن وتصريحاته خلال الحملة الانتخابية، هناك تخوف من أن تضع الإدارة الأمريكية الجديدة المزيد من التحديات أمام الإمارات والسعودية فيما ينعلق بالملفات الدفاعية، والإستراتيجيات الدفاعية.
من ناحية أخرى، قد يتبين أن التوازن القطري بين الولايات المتحدة وإيران غير مستدام إذا تصاعد التوتر بين الولايات المتحدة وإيران في 2021، كما أن سياسات الدوحة بشأن جماعة الإخوان والإسلام السياسي تجتذب انتقادات متزايدة من الحكومات الغربية.
يقول الموقع إن إنهاء الأزمة الخليجية يزيل مشكلة دبلوماسية من على الطاولة لفريق بايدن الجديد، الذي يريد تحويل تركيزه نحو تعزيز الدعم لجهود إعادة إيران إلى الاتفاقية النووية لعام 2015 والتفاوض على اتفاقية متابعة تتناول برنامج الصواريخ الباليستية لطهران وطموحاتها الإقليمية.
هل يحل مشروع المصالحة الخليجية جميع القضايا العالقة؟
حتى الآن، لم تحدد السعودية – قطر – الإمارات خطوطهم الحمراء لحل المأزق. تقول فوربس إن الرباعي العربي يدرك أن الشروط الـ 13 التي لم تفرضها الجزرة لن تحققها العصى، بما يشمل إغلاق شبكة الجزيرة وإغلاق قاعدة تركية لقطع الروابط مع جماعة الإخوان وتقليل العلاقات مع إيران.
بالنسبة للإمارات ومصر، إغلاق القاعدة التركية أكثر إلحاحًا من خفض قطر مستوى العلاقات مع إيران، لأن البلدين منخرطان ضد تركيا في ليبيا ولديهما مصالح في سوريا.
دبلوماسي عماني كبير قال إن بعض القضايا، مثل تلك المتعلقة بتركيا، ستتطلب مزيدًا من الوقت، لكن هناك تغييرات مهمة تحدث.
تخلي قطر عن علاقاتها مع إيران وتركيا، المتوازنة مع العلاقات مع الولايات المتحدة، محفوف بالمخاطر كذلك ومكلف سياسيًا. ومن غير المرجح أن يتم إغلاق قناة الجزيرة، على الرغم من أن الدوحة قد تنهي حملتها الإعلامية ضد التحالف.
ومع ذلك، قد يكون الوصول إلى خفض الدعم للإخوان مصدرا لراحة الأطراف الأخرى، كما ستسقط قطر القضايا الدولية التي رفعتها ضد الرباعي العربي.
قال أحد كبار مسؤولي إدارة ترامب: “هذا هو أكبر إنجاز حققناه حتى الآن، هذا لا يعني أن الأطراف ستحب بعضهها البعض، أو أن يكونوا أفضل أصدقاء، ولكن هذا يعني أنهم سيكونون قادرين على العمل معًا”.
هناك مؤشرات على أن السعودية أكثر انفتاحًا على إصلاح العلاقات بشكل كامل مع قطر. لذلك، ركزت الكويت على تفاهم ثنائي بين الدوحة والرياض قبل الانتقال إلى ترتيبات المصالحة الخليجية التي يفترض أن ترضي جميع الأطراف الأخرى.
قد يشير نقل القمة الخليجية من المنامة إلى السعودية أيضًا إلى حرص الملك السعودي سلمان بن عبد العزيز آل سعود على تحقيق المصالحة مع الدوحة.
في قطر، قد تكون الانقسامات الداخلية أكثر عمقاً. أفادت تقارير أن أمير قطر تميم بن حمد آل ثاني، وشقيقه جوعان بن حمد آل ثاني، ونائب رئيس الوزراء ووزير الخارجية محمد بن عبد الرحمن آل ثاني، يؤيدون اتفاق التسوية، في حين أن حمد بن خليفة آل ثاني، والد الأمير، ورئيس الوزراء السابق، حمد بن جاسم آل ثاني، يعارضانه.
وهل يعني ذلك اتخاذ موقف خليجي موحد ضد إيران وتركيا؟
سيؤدي التقارب بين قطر والرباعي العربي إلى تقليص نفوذ طهران وأنقرة تدريجيًا على الدوحة، ومع ذلك، فإن الطريق إلى موقف خليجي موحد ضد إيران وتركيا سيكون طويلاً وشاقًا.
ميزان القوى الحالي في الشرق الأوسط هو نتيجة لفك ارتباط الولايات المتحدة بالمنطقة الذي بدأ في عهد الرئيس السابق باراك أوباما وبلغ ذروته في ظل إدارة ترامب. ومحاولة إعادة دور الولايات المتحدة في المنطقة ستكون صعبة بالنظر إلى أن تركيز الولايات المتحدة يتحول بعيدًا عن الشرق الأوسط نحو الصين وجنوب آسيا.
لكن كل ذلك سيكون مرهونًا بالتزام قطر بما ستتفق عليه، ففي خريف 2019، سافر وزير الخارجية القطري سراً إلى الرياض لعرض صفقة جديدة لإنهاء الخلاف، ووافقت قطر على تقييد تغطية قناة الجزيرة، وفقًا لمسؤولين خليجيين، لكن الشبكة استمرت في تشغيل البرامج التي أغضبت القادة في السعودية والإمارات ومصر.