المناضل صدام حسين.. طفولة قاسية وتناقضات دموية | محمد زكي الشيمي

المناضل صدام حسين.. طفولة قاسية وتناقضات دموية | محمد زكي الشيمي

11 Jul 2018
الشرق الأوسط
رابط مختصر
للمشاركة لـ فيسبوك
حجم الخط

تشكل حياة صدام حسين سلسلة طويلة من التناقضات والعنف والتآمر والتصفيات. والتي انعكس أثرها على سلوكياته، منتجة كما هائلا من الدموية.

طفولة قاسية والتأثر بالبعث

ولد صدام حسين عام 1937، وعاش طفولة قاسية، حيث توفي والده قبل مولده بشهور، وعاش في طفولته في بيت خاله خير الله طلفاح، ثم بيت زوج أمه إبراهيم الحسن التكريتي. وأساء زوج امه معاملته. مما دفعه لتركه في سن العاشرة والعودة للإقامة مع خاله.

كان خاله ممن دعموا حركة رشيد عالي الكيلاني ووجدت أفكاره مكانها في تأييد أفكار حزب البعث لذلك فإنه كان من السهل أن يتأثر بها صدام.

اقرأ أيضا: بعث البعث!

وفي عام 1958، وقعت حركة 14 يوليو، التي قادها عبد الكريم قاسم وعبد السلام عارف وآخرين، وأطاحت بالحكم الملكي، وقتلت الملك فيصل الثاني ومعظم أفراد الأسرة الحاكمة رجالًا ونساءً في مجزرة قصر الرحاب فضلًا عن قتل رئيس الحكومة العراقية السابق نوري باشا السعيد والتمثيل بجثته وبجثة الأمير عبد الإله.

ثم سادت فترة انقلابات فاشلة، وإعدام للكثيرين، ولم يشارك فيها لصغر سنه وعدم انتمائه للجيش.

لكن بدأ اسمه يلمع بعدما شارك في المحاولة الفاشلة لاغتيال عبد الكريم قاسم في أكتوبر 1959، والتي أصيب فيها قاسم بالرصاص ولم يمت، وأصيب صدام برصاصة أخراجها منه طبيب زميل له بحزب البعث.

ثم واصل رحلة الهرب لثلاثة أشهر إلى أن وصل إلى سوريا ومنها إلى مصر. تلك الرحلة التي صنعت منه بطلا، فضلا عن حكم الإعدام الغيابي في حقه.

السيطرة بالمصاهرة وقيادة البعث

في مصر تزوج ابنة خاله ساجدة خير الله، وتوطدت علاقته بالتالي أكثر من مجموعة (التكارتة) ومنهم قريبه (التكريتي أيضًا) أحمد حسن البكر.

في هذه الفترة أيضا احتفى به البعثيون، الذين أصبحوا آنذاك يجاهرون بعداوتهم لقاسم، وهو ما سيسهل اختياره من مؤسس حزب البعث ميشيل عفلق نفسه كعضو في القيادة القومية لحزب البعث عام 1963. ففي هذا العام، وجد صدام مكانه في لجنة الاستخبارات بالحزب، والتي أنشئت لتعقب الشيوعيين، بعد انقلاب نفذ بواسطة المنتسبين للبعث والتيارات القومية ضد قاسم ومواليه.

اقرأ أيضا: هل نجحت الانتخابات التشريعية العراقية 2018؟

“ردة تشرين” تعزز دوره

إلا أن منتسبي حزب البعث في دوائر الحكم وفي الجيش بدأوا صراعًا سياسيًا بين الأجنحة المختلفة، وصاحب ذلك حملة قمع سياسي وأمني واسعة، فاستغل عبد السلام عارف ذلك كله، واتفق مع بعض قادة الجيش للإطاحة بالبعثيين جميعًا من السلطة في 18 نوفمبر 1963 ولهذا أطلق البعثيون على ذلك (ردة تشرين).

واستطاع البكر في السنوات بين 63 و68، إخضاع حزب البعث لنفوذه هو ومجموعته.

ففي عام 1964 حاول البكر وبقية المجموعة بمن فيهم صدام، تدبير انقلاب ضد عارف، لكن الانقلاب فشل، وتم الزج بصدام في السجن لعامين عزز خلالها موقعه (كمناضل) داخل حزب البعث.

ثم دبر البكر انقلابا آخرا في يوليو 1968، الذي وصل به رئاسة الجمهورية بالاستعانة باثنين من كبار العسكريين هما عبد الرزاق النايف وإبراهيم الداود، إلا أنه لم يلبث بعد 13 يومًا أن قام بانقلاب ثانٍ أطاح فيه بهما، لينفرد البعثيون بالسلطة، وهو الانقلاب الذي ظهر فيه دور صدام بوضوح.

منذ ذلك التاريخ، أصبح صدام حسين الرجل الثاني في العراق، وتمكن في السنوات التالية من تعزيز قبضته بسبب سيطرته على أجهزة الأمن، خصوصًا نتيجة لصراعات ومحاولات انقلابية وانشقاقات انتهت بالإطاحة بكل الخصوم الذين كانوا يومًا ما من البعثيين، بل ومن أقرب الأنصار مثل حردان التكريتي وناظم كزار وعبد الخالق السامرائي.

واستغل صدام طفرة العائدات النفطية بعد حرب 1973، لزيادة التقرب من الفئات الفقيرة في العراق وشراء ولائها.

مغامر دموي في السلطة

في يوليو عام 1979 وبعد أن اطمأن صدام لأن كل الأمور تحت سيطرته، طلب من الرئيس أحمد حسن البكر أن يستقيل ليحل محله في الرئاسة، ويبدو أن الأخير لم يحاول معارضته؛ لأنه كان يعلم أن الأمور ستتم سواء وافق أم لا.

وهكذا تولى صدام حسين رئاسة العراق. وبعد توليه منصبه ببضعة أيام، دعا لمؤتمر لأعضاء البعث تم الحديث فيه عن مؤامرة دبرها البعض ضد الحزب، وقرأ صدام حسين بنفسه أسماء بعض أعضاء الحزب ممن لا يدينون له بالولاء كأطراف فيها، ليتم اقتيادهم إلى خارج القاعة، حيث تم إعدام أكثرهم لاحقًا.

مثّل هذا المشهد والذي أذيع على التلفزيون من قاعة الخلد ببغداد، بداية التخويف العلني من صدام، لرفاقه قبل خصومه

غير أن التهديدات الداخلية والخارجية زادت في الثمانينات وأوائل التسعينيات خاصة خلال الحرب مع إيران، أما التهديدات الداخلية واجهها صدام ونظامه بقمع مفرط، مما نتج عنه جرائم جماعية كما حدث في الدجيل وحلبجة وعملية الأنفال وغيرها.

ثم جاء غزو الكويت في 2 أغسطس 1990. إحدى مغامراته الفاشلة والغير المبررة بسبب السلطة المطلقة، لتضيف إلى معاناة الكويتيين معاناة العراقيين أيضا. وفي بداية مارس 1991 بعد نهاية الحرب مباشرةً، قمع الانتفاضة الشعبانية ضده، وواجها بقمع غير مسبوق.

كما شهد أغسطس 1995 صدعًا في الدائرة العائلية لصدام، عندما فرت ابنتاه وزوجاهما حسين وصدام كامل حسن المجيد إلى الأردن، قبل أن يعود الجميع في فبراير 1996، بعد صدور عفو عنهم، إلا أنه وما إن دخلوا العراق حتى لقي حسين وشقيقه صدام مصرعهما، وهو ما يوضح طبيعته التي لا تتسامح مع أية محاولة للانشقاق عنه، ولو جاءت من أقرب المقربين.

تعويض قسوة الطفولة

ورغم سقوط نظام صدام في أبريل 2003، وإلقاء القبض عليه في ديسمبر من نفس العام، فإنه من الملاحظ أن التشكيك في سلامة إجراء محاكمته التي استغرقت ما يقارب ثلاث سنوات انتهت بصدور حكم الإعدام زاد نتيجة لتعمد السلطات العراقية آنذاك تنفيذ الحكم صبيحة عيد الأضحى، ووجود عناصر من الميليشيات للتشفي فيه.

في النهاية.. يمكن القول بأن صدام بدأ كأغلب القيادات الراديكالية في المنطقة مؤمنًا بقضية وساعيًا في الوقت ذاته للسلطة، مدفوعًا بطموحاته الخاصة، ولتعويض خلفيته الاجتماعية والنفسية والمادية البسيطة، وكلما زادت سلطاته المطلقة زاد إحساسه بالعظمة والغرور، بما قاد إلى النتائج الكارثية التي دفع ثمنها الشعب العراقي.

رابط مختصر
للمشاركة لـ فيسبوك

موضوعات متعلقة

التعليقات (0)

يجب عليك .. تسجيل الدخول أو التسجيل لتتمكن من التعليق.

تعليقات الفيسبوك