حين بدأت الأخبار تتواتر عن الاتفاق الوشيك بين الإمارات وإسرائيل، شرع رجب طيب أردوغان في مهاجمة الإمارات، مرجحا خيارين لمعاقبة الإمارات، إما وقف العلاقات الدبلوماسية أو استدعاء السفير التركي من الإمارات.
صحيفة "هآرتس" وصفت موقف أردوغان بالمتناقض، فالتصريح صادر عن رئيس دولة تربطها علاقات دبلوماسية واقتصادية كاملة مع إسرائيل.
وكما هو متوقع، لم ينفذ أردوغان أيا من وعوده ولم تتخذ تركيا أي إجراء ضد الإمارات حتى الآن، بالعكس حين أعلنت البحرين عن اتفاقيتها مع إسرائيل خفضت تركيا من لهجتها الرافضة وتركت أمر الإدانة المقتضبة لوزارة الخارجية.
رؤية أردوغان للصفقتين، كانت أيضا متناقضة، في الاتفاقية الأولى أشار إلى استخدام السلاح الدبلوماسي وفي الاتفاقية الثانية اعترفت وزارة خارجيته بالواقع الجديد، وأشارت إلى أن الصفقة ستشجع إسرائيل على ضم المزيد من الأراضي الفلسطينية.
رغم علاقات تركيا مع إسرائيل وادعائها الدفاع عن حق الفلسطينيين، إلا أنها لم تتمكن من وقف ضم المزيد من الأراضي الفلسطينية، بينما فعلتها الإمارات.
صفقات التطبيع بحسب "هآرتس" تعكس مدى فشل تركيا في أن تصبح ذات أهمية للشرق الأوسط، فتوجه إسرائيل نحو الخليج، دليل على أنها تدفع بأنقرة في زاوية التهميش. ما لا تستطيع إسرائيل الحصول عليه من علاقتها مع تركيا سوف تحصل عليه بعلاقتها مع الإمارات.
من قبل حاولت تركيا استغلال علاقتها بإسرائيل، كي تصبح أكبر مركز دولي في العالم. واصلت خطوطها الجوية رحلاتها إلى إسرائيل، واحتلت المرتبة الثانية في عدد الركاب من وإلى تل أبيب، حتى أثناء أزمة كورونا كانت تركيا أولى الدول التي استأنفت رحلاتها لإسرائيل. لكن الدفة الآن تتحول بعيدا عنها.
وحتى لو استفادت إسرائيل تجاريا من تركيا، فمدى استفادتها لن يتجاوز هذا الخط، ما جعلها تتحول ناحية العالم العربي ودول شرق المتوسط، واعتبارهم شركاء رئيسيين في التنمية الاقتصادية.
اعتقد كثيرون خلال عام المصالحة بين إسرائيل وتركيا في 2016، أنها البداية لشراكة وثيقة بين الدولتين، لكن تركيا لم تعد مغرية بالنسبة لإسرائيل بسبب معاناتها الاقتصادية والتوترات المحلية والإقليمية التي سببتها.
وفقا لـ"فيشرمان" لو أن تركيا استثمرت في بناء علاقات إقليمية قوية بدلا من محاولتها جذب ولاء الإسلاميين فقط، لكان بإمكانها تجنب وضعها الحالي، في مجال الطاقة على سبيل المثال ضيعت تركيا بخطواتها الفرصة للاتحاد مع مصر وإسرائيل وفلسطين وقبرص واليونان.
ادعاء تركيا محاولتها تحسين حياة الفلسطينيين، وصفته الصحيفة بـ"الوهم الأكبر"، فلا يمكن لأحد تجاهل الأهمية السياسية لإبقاء تركيا للملف الفلسطيني على أي جدول أعمال دولي يخصها. أرادت أن تلعب دور الوسيط، لكن حتى الفلسطينيون أنفسهم يدركون أن تركيا لن تستطيع أبدا أن تحل محل الدول العربية.
لأن فلسطين تفضل التعامل مع الدول العربية فيما يتعلق بقضيتهم وليس تركيا، حتى في أوقات الأزمات والنزاعات، مصر هي من تدخل دائما لوقف العنف في غزة وليست تركيا.
والآن قطر تعتبر الوسيط وهي التي تدفع أموالا لغزة لإبقاء الأمور تحت السيطرة، وزيارة مسؤولي الأمن القومي الإسرائيليين للدوحة لتأمين تك المدفوعات يشير إلى أن الزمن تغير بالفعل.
من أهم أسباب الفشل التركي محاولتها إضفاء الطابع الأيديولوجي على اهتماماتها بالمنطقة. أرادت استمالة الإسلاميين لكن الاستمالة لم تأت بعائد يُذكر، بالعكس أفضت سياساته وتحركاته إلى سلسلة من الأزمات السياسية والاقتصادية.
أكثر تناقض أصيبت به تركيا، هو جلسة الوعظ التي أطلقتها ضد الإمارات، بينما تركيا نفسها ذات الأغلبية المسلمة تقيم علاقات مع إسرائيل، وفي الوقت نفسه تقدم نفسها على أنها مدافع قوي عن الفلسطينيين.
حاولت تركيا الاعتماد على اسرائيل لنشر قوتها الناعمة في القدس الشرقية والضفة. فعلى عكس الدول العربية التي كانت واضحة في مقاطعتها لإسرائيل فنيا وثقافيا، شجع أردوغان مواطنيه باستمرار على زيارة القدس المسجد الأقصى، فكيف يمكن لأردوغان انتقاد الإمارات على صفقتها؟!.
الخيار الأول للمواطنين الإسرائيليين للسفر إلى آسيا وأفريقيا سيكون الخطوط الجوية الإماراتية وليس التركية، حتى المواطنون العرب في إسرائيل سيجدون فرصهم المستقبلية في الإمارات وليس تركيا.
الآن سينضم المواطنون الإسرائيليون إلى القوى الإماراتية العاملة التي تضم مزيجا من الفلسطينيين واللبنانيين والأتراك والأوروبيين والأمريكيين.
ورغم أن التنبؤ بكيفية تطور العلاقات بين إسرائيل والإمارات، ليس سهلا، إلا أن الدلائل تشير إلى أن الدولتين سوف تبحثان عن تحول طويل الأمد في المنطقة، لكن على الأقل في الوقت الحالي فإن دبي وأبو ظبي أقرب من أي وقت مضى، وبالنسبة لإسرائيل، فإن إدانات تركيا لصفقات التطبيع ليست أكثر من مجرد ضوضاء في الخلفية.