ليس من الغريب على إيلون ماسك أن يتصدر عناوين الصحف بتصريحاته، لكنه ربما سجل للتو واحدة من أكثر مقابلاته المثيرة للجدل على الإطلاق.
في مقابلة لمدة ساعتين مع الممثل الكوميدي جو روجان، في بث مباشر بعنوان “تجربة جو روغان – إيلون ماسك”، تحدث ماسك عن السبب في اعتقاده أننا نعيش، على الأرجح، في محاكاة، وتطرق في المقابلة لتحذير صارخ وقوي ضد استخدام البشر للفحم، وطريقة تعاملنا مع تقنيات الذكاء الاصطناعي.
هذا غير الماريوانا التي دخنها أثناء المقابلة، والغريب أنه يدخنها لأول مرة واختار أن تكون المرة الأولى في مقابلة إعلامية، الأمر الذي تسبب له في انتقادات واسعة وخسائر اقتصادية.
المقابلة كانت مسلية بشكل لا يصدق يمكنكم مشاهدتها بالكامل في نهاية المقالة.
فرضية المحاكاة التي يؤمن بها إيلون ماسك تأتي من حقيقة أن عمر الكون حوالي 13.8 مليار سنة، وذلك وقت كبير جدًا؛ لذلك يعتقد أنه من المرجح إحصائيًا أن تكون حضارة ذكية سبقتنا قد توصلت لكيفية إنشاء محاكاة قابلة للتصديق تمامًا، وأنشأوا أكوانًا متعددة وهمية خاصة بهم، وهم فقط يراقبوننا من بعيد.
لذلك، كما يعتقد ماسك، حسب تلك الفرضية نحن نتاج محاكاة لأسلافنا، الذين عاشوا قبلنا، ووصلوا لقمة التطور التكنولوجي التي تمكنهم من تنفيذ محاكاة لأنفسهم في كون آخر، ومشاهدة البشر وكيفية حياتهم!
يعزز إيلون ماسك اعتقاده بحجة قوية للغاية، وهي أن معدل التطور التكنولوجي خلال الـ 60 عامًا الأخيرة جرى تسريعه بصورة غير واقعية.
خلال تلك الفترة، أرسلنا بشرًا للقمر، ووصلنا لتطور تكنولوجي وصناعي رهيب في البحر والبر والجو. ربما هناك من يراقبنا وشعر بالملل، فقرر تسريع وتيرة تلك المحاكاة، وهذا ما حدث خلال الأعوام الأخيرة.
هذه ليست المرة الأولى التي يشارك فيها ماسك هذه الفكرة. عام 2016، في مؤتمر البرمجة السنوي لشركة Recode، قال إننا نعيش في “فيديو جيم” عملاقة وهناك من يراقبنا.
اقرأ أيضًا: ما نفهمه خطأ عن نظرية التطور (الجزء الأول – الجزء الثاني)
على الرغم من أنه من الجميل أن نتخيل أننا جميعًا نعيش في لعبة كمبيوتر عملاقة ومتطورة، فإن علماء الفيزياء يبدون اهتمامهم بالفكرة أيضًا، وقد تبين أنه، نظريًا على الأقل، يبدو احتمالًا واردًا.
بعض الأدلة التي يستخدمها أصحاب تلك الفرضية هي أن الكون يسير بناءً على بعض الثوابت الفيزيائية التي من المستحيل تغييرها، كالجاذبية وقوانين الحركة والهواءىوسرعة الضوء، التي يعتقد أنها تمثل سرعة جهاز المحاكاة الذي نعيش فيه.
الأكواد البرمجية 0/1 داخل كثير من القوانين الفيزيائية، التجارب الكمية التي تمت على الضوء، أثبتت أن الضوء لا يتصرف كمادة إلا فقط عند مراقبته!
في عالم فيزياء الكم الغريب، يتصرف الجسيم مثل الإلكترون كموجة، لكن عندما نحاول مراقبته فإن مراقبتنا له ستسبب انهيار دالته الموجية، وبذلك سيتخلى عن سلوكه الموجي، ويختار العودة للتصرف بشكل جسيم.
الضوء من أفضل الأمثلة لتمثيل هذه الظاهرة، ففي ظاهرة التداخل (تجربة شقي يونغ)، يتصرف الضوء (الفوتون) كموجة، وفي ظاهرة المفعول الكهروضوئي يتصرف كجسيم مادي (فوتون). (لمطالعة المصدر.. يمكنك الضغط هنا)
فلسفيًا ذلك ممكن وطبيعي، ربما من صمم المحاكاة سمح بذلك، وذلك ممكن جدًا كما الأحلام، حيث ندرك حقيقة أننا في حلم، ونفرق جيدًا بينه وبين الواقع، لذا من المنطقي أن يكون قد آن الأوان لكي يفهم البشر أنهم في محاكاة، هكذا رد ماسك في أحد لقاءاته على هذا السؤال.
ربما يكون هذا السؤال هو الأصعب في تلك الفرضية! هذه عقبة هائلة يجب التغلب عليها؛ لأننا لا نعرف حتى ما هو الوعي، ولا نقدر على تفسير الإدراك علميا!
حتى لو كان يكفي أن نقول أن هناك دماغًا ومخًا وبعض الخلايا العصبية تشكل الوعي، فإن الدماغ لا يزال الهيكل الأكثر تعقيدًا الذي نعرفه، مع وجود كمية مجنونة من الوصلات العصبية التي يجب أن تكون نموذجًا لها.
لكن فرضية المحاكاة يمكن أن تتحايل علي تلك النقطة من خلال فيزياء الكم!
على سبيل المثال، قد يكون للكرسي الذي تجلس عليه فقط ما يكفي من الذرات المحاكية لتشكيل الهيكل الخارجي، ويكون فارغًا بالداخل، حتى تقرر كسر ساق الكرسي، وعند كسره ستجد أنه غير فارغ، وأن هناك المزيد من الذرات المحاكية!
لنكمل بمثال آخر. ربما يكون جسمك خاليًا أيضًا، إلى أن تقرر خدش جلدك، فيظهر بعض الدم، أو تقوم بعملية جراحية ما. في هذه الحالة، كل ما تحتاجه للشعور بأنك موجود بالفعل، وأن هناك مكونات آخرى هو مجرد وعي.
ذلك النهج الفلسفي مذهل ومحير للغاية، ويمكن عند العجز عن التفسير أن تنهار تلك الفرضية، أو أن نتأكد أننا نعيش مجرد نسخة خيالية من أسلافنا.
بالتسليم بتلك الفرضية، ما هي النهاية المتوقعة؟! هناك ثلاثة احتمالات:
1- سيصل البشر إلى قمة التطور التكنولوجي، ولكنهم لن يكونوا قادرين على إنشاء محاكاة لأنفسهم، وسينتهي بهم الزمن بالموت والفناء.
2- عند وصول البشر إلى قمة التطور التكنولوجي، وإدراكهم لذاتهم، لن تكون لديهم الرغبة في إنشاء تلك المحاكاة، رغم قدرتهم على ذلك.
3- رغبتنا وقدرتنا على إنشاء تلك المحاكاة، التي سنرى فيها أنفسنا في كون متعدد آخر.
مهما كانت الحالة التي نحن عليها الآن، لا توجد طريقة متاحة لمعرفة ما إذا كنا حقيقيين أم محاكاة.
لذلك، في حين أنه من الممتع أن نفكر في هذه المشكلات ونثني عقولنا قليلاً على تلك المعضلة المعقدة، فمن الأفضل عدم إدراكها، لنعيش أفضل ما في حياتنا.
على أي حال. محاكاة كنا أم لا، ليس لدينا غير الواقع الحالي كي نعيشه.