مجانية التعليم في مصر.. بقيت المجانية وانتهى التعليم

مجانية التعليم في مصر.. بقيت المجانية وانتهى التعليم

7 Apr 2020
رابط مختصر
للمشاركة لـ فيسبوك
حجم الخط

“تقر الدول الأطراف بحق كل فرد في التعليم” – المادة 13 من العهد الدولي للحقوق الاقتصادية والاجتماعية. المادة طرحت مجانية التعليم وإلزاميته في المرحلة الابتدائية، وإتاحة فرصة دعم المتفوقين للالتحاق بالمراحل التالية. لكنها تحدثت كذلك عن عن مواصفات التعليم وأهدافه وجودته.

في مصر، اقتصر التعليم على الكتاتيب والتعاليم الدينية بالأزهر، حتى مشروع محمد علي، الذي أدخل التعليم غير الديني، بالابتعاث للخارج، وإنشاء مدارس الطب والهندسة والكيمياء والمحاسبة والحربية، وهي المجالات التي احتاجها مشروعه.

بعدها، ضم الخديوي إسماعيل الكتاتيب إلى النظام التعليمي الرسمي، وأطلق على مبارك أول مشروع قومي للتعليم، تضمن إنشاء المدارس الابتدائية والإعدادية، المحصورة على الفئات القادرة على تحمل تكاليفه.

بمرور الزمن دخلت المجانية في 1923، ثم توسعت بعد 1952،، لكن التركيز المُفرط على إتاحة التعليم “مجانًا وللجميع” لفتت الاهتمام بعيدًا عن الكفاءة.

مجانية التعليم في دستور 1923

أقر الدستور الأول مجانية التعليم الإلزامي في مادته الـ 19. بدأت الدولة بدعم المتعلمين بحوالي 70% من المصروفات، حتى إقرار مجانية التعليم الابتدائي في 1944، ليمدها طه حسين إلى التعليم الثانوي، مع إعفاء الحاصلين على أكثر من 60% في الثانوية العامة من المصروفات الجامعية.

كانت نسبة الأمية وقتذاك نحو 90% من إجمالي المواطنين، انخفضت إلى 85% في منتصف الأربعينيات، أي حوالي 9.8 مليون، وصدر قانون مكافحة الأمية في 1944.

كان اتساع قاعدة المتعلمين مقترنًا بكفاءة التحصيل وبتميز العملية التعليمية. ارتبط التعليم باحتياجات المجتمع، وانفتح على التجارب العالمية عبر الابتعاث للخارج.

توسع أيضًا إنشاء الجامعات، بعد اعتبار الجامعة الأهلية (القاهرة) حكومية في 1925، واعتبار الأزهر جامعة رسمية في 1930، بالإضافة إلى إنشاء جامعة فاروق الأول (الإسكندرية) 1945، وأسيوط في 1949، وإبراهيم باشا الكبير(عين شمس) في 1951.

ووازن صناع السياسة التعليمية بين كفاءة التعليم ونسبة المستفيدين منه، وبين العلوم العصرية والرياضيات والآداب، وقصروا التعليم ما بعد الابتدائي على المهتمين والمتفوقين.

خلال الفترة بين 1925 و1950، كانت الفجوة بين دارسي الإنسانيات والعلوم لا تتجاوز ثلاثة آلاف من بين 230 ألف طالب جامعي، لكن الفجوة بدأت الاتساع بإنشاء جامعة عين شمس خصوصًا، حيث وصلت الفجوة داخل الجامعة منذ إنشائها في 1945 وحتى 1952 حوالي 10 ألاف من أصل 110 ألف طالب تقريبًا.

وانعكس اهتمام الدولة على متوسط الإنفاق على التعليم، الذي وصل إلى 5% من الموازنة العامة، بالتزامن مع زيادة المقيدين في التعليم الابتدائي، حتى وصل إلى 1.3 مليون طالب قبيل 1952، حين كان السكان نحو 19 مليونًا، علاوة على 110 ألفًا في التعليم الثانوي، و15.5 ألف في التعليم الفني، و35 ألفًا في المرحلة الجامعية، بنسبة 89.3% من الناجحين في الثانوية العامة.

ستكونين أنت الحذاء.. أزمة الاقتصاد المصري في أغنية المهندس حسام | رواية صحفية في دقائق

بين السياسة والبيولوجي: غرائزنا التي حيرت أديان السماء والأرض| رواية صحفية في دقائق

التعليم بعد 1952

استمرت سياسة “الكم” في الخمسينيات والستينيات، لتصل إلى مجانية التعليم الجامعي في 1962، بينما يتراجع الاهتمام بـ “الكفاءة”.

وسعت المجانية قاعدة “المتعلمين”، لكن المؤهلين منهم لاستكمال مراحل التعليم، حتى بالقواعد “المجانية الأقل كفاءة” كانوا في تضاؤل. وصل الملتحقون بالتعليم الابتدائي 3.5 مليون من بين نحو 30 مليون نسمة في 1965، بينما ينخفض المقيدون بالثانوي العام إلى حوالي 292 ألفًا، ثم التعليم العالي إلى 152 ألفًا.

وانخفضت نسبة المقبولين بالجامعات من حاملي الشهادات المؤهلة من 89.3% في 1952 إلى حوالي 29.8% في 1969.

التوسيع شمل الأزهر، الذي أضيفت له الكليات العلمية في 1961. تضخمت قاعدة المتعلمين دون أن يواكبها تطوير للعملية التعلمية نفسها.  

التوسع استمر في السبعينيات، دون الالتفات لتزايد الفجوة بين الكم والكيف. أسست الدولة سبع جامعات إقليمية، ثم أضافت الانتساب والتعليم المفتوح، ليقفز المقيدون بالتعليم الجامعي إلى 2.5 مليون في 2009.  

في الثمانينيات دق ناقوس الخطر؛ تدهورت العملية التعليمية. الطلاب يزيدون والمدرسون في تناقص، بعدما جذبت دول الخليج أعدادًا منهم، بينما المناهج جامدة ومنعزلة تمامًا عن احتياجات السوق. حتى النواحي الكمية، اللي ركزت عليها كل السياسات تراجعت. دراسة أشرف عليها اليونسكو في 1983 كشفت أن جامعة القاهرة، التي تتسع مبانيها لـ 35 ألف طالب، تستقبل 150 ألفًا.

انهيار ما بعد 2000

بدأت الألفية الجديدة. الكفاءة وصلت القاع. مصر خارج تصنيف دعم التنافسية العالمي في جودة التعليم الأساسي، ووزارة التعليم – في يناير 2017 – تحتفي بالصعود إلى المركز 134 من 139 دولة كـ “نقلة نوعية” سببها: “توسع الدولة في توفير المزيد من الفصول”.. الكم مجددًا!

يبدو الحديث عن مواكبة التطور التكنولوجي بعيدًا؛ متوسط نسبة دخول الإنترنت للمدارس 2.8 بين 2011-2016، لتحتل مصر في هذا المؤشر الدال المرتبة 132 بين 140 دولة شملها تقرير 2016، كما انخفضت جودة تعليم العلوم والرياضيات إلى 2.4/7.

وبخلاف التخلف في العملية التعليمية، طال التدهور النواحي الكمية التي ركزت عليها الدولة في العقود السابقة، حتى عند المقارنة بتونس، التي مرت بظروف مشابهة.

تبلغ ميزانية قطاع التعليم في موازنة عام 2018-2019 نحو 115.6 مليار جنيه، اقتنصت منها الأجور والتعويضات حوالي 89.4 مليار جنيه، بينما يشمل باقي المبلغ الإنفاق على السلع والخدمات والفوائد والدعم والمنح الاجتماعية وشراء الأصول غير المالية.

أدت السياسة الكمّية إلى تراجع قدرة الطلاب على التحصيل؛ والمُعلم على المتابعة؛ والنظام التعليمي على انتقاء المتميزين ودعمهم، وحتى القدرة على توفير الوسائل التعليمية الحديثة.

بلا مبالغة، عاد نصيب المصريين من التعليم المعاصر إلى ما قبل 1923، فعند اقدام النخبة الحاكمة وقتذاك على إقرار المجانية لم يستهدفوا أن تطغى على التعليم نفسه، لكن الدائرة دارت، وتوسعت قاعدة المجانية،  دون استيعاب جوهر الفكرة التي كانت تتجه إلى أن التعليم هو المبدأ الأول، والمجانية مبدأ تالٍ يهدف لتشجيع الأفراد على الالتحاق بالنظام التعليمي.

كانت المسألة بديهية، تزايد العرض يقلل الطلب، ما بالك بعرض كبير لسلعة رديئة؛ قضت المجانية على التعليم.

الحكومات المتوالية رأت التعليم بمنظور غير الذي تحتاجه الدولة والأفراد؛ مجرد خدمة سياسية تؤديها عبر قطاع مترهل، يخرج عددًا ضخمًا من غير الأكفاء. تمامًا كخدمات السجل المدني؛ كلاهما يمنح شهادات، لكن شهادات التخرج لا تلائم احتاجات السوق، ولا اعتبارات الاقتصاد.

رابط مختصر
للمشاركة لـ فيسبوك

التعليقات (0)

يجب عليك .. تسجيل الدخول أو التسجيل لتتمكن من التعليق.

تعليقات الفيسبوك