هزت قضية الهجرة أوروبا، بعد تدفق أكثر من مليون شخص في عامي 2015 و2016، هربًا من العنف والفقر في الشرق الأوسط وأفغانستان وأفريقيا.
في عام 2015، أنشأ الاتحاد الأوروبي صندوقًا لكبح الهجرة من إفريقيا عبر ليبيا.
وقدم الاتحاد الأوروبي الأموال من خلال المنظمة الدولية للهجرة التابعة للأمم المتحدة والمفوضية السامية لشؤون اللاجئين.
وثائق جديدة أكدت أن الاتحاد الأوروبي كان على دراية بمخاطر الاستعانة بمصادر غير رسمية لوقف الهجرة من ليبيا، مثل الميلشيات التي تسيطر على غرب ليبيا.
ميزانية تدريب خفر السواحل الليبية وصلت 90 مليون يورو في بداية 2017. الوثائق أثبتت أن تقرير المخاطر أكد أن هذه الأموال ستتسبب في انتهاكات ضد المهاجرين، وأن الميلشيات ستحرم الحكومة الليبية من الوصول لمراكز الاحتجاز، لكنها اكتفت بـ "وعود" بتحسين مراكز الاحتجاز المعروفة بسجل في إساءة معاملة المحتجين، ومكافحة الاتجار بالبشر.
الوعود لم تتحقق، والأموال أنتجت شبكة للاتجار بمعاناة المهاجرين والتربح من ورائها. الشبكة تتشكل من شركات يمولها الاتحاد الأوروبي جزئيًا تحت رعاية الأمم المتحدة.
مع ذلك، لم يتوقف ضخ الأموال. أرسل الاتحاد الأوروبي أكثر من 327.9 مليون يورو إلى ليبيا، مع 41 مليونًا إضافية تمت الموافقة عليها في أوائل ديسمبر، وتحويلها عبر وكالات الأمم المتحدة- بعلم مسؤوليها- لشبكات متشابكة من رجال الميليشيات، الذين يستغلون المهاجرين بالتعاون مع المتاجرين بالبشر وخفر السواحل.
يتوزع 5,000 مهاجر غير شرعي على ما بين 16-23 مركز احتجاز معظمها يتركز في الغرب، حيث الميليشيات أقوى من حكومة فايز السراج.
المساعدات تصل لمركز احتجاز شهداء النصر، المسمى باسم الميليشيات التي تسيطر عليه، في بلدة الزاوية الساحلية الغربية، ويوجد بالمركز مكتب مؤقت للفحوص الطبية تابع للأمم المتحدة، ويزور مسؤولو المنظمة المركز بانتظام.
في هذا المركز يتعرض المهاجرون للتعذيب طلبًا للفدية، على يد رئيس الميلشيا، محمد كشلاف، بحسب تقرير المفوضية في 2018.
شهادات المهاجرين أكدت تعرضهم لقطع الأطراف وإطلاق النار والجلد بالخراطيم والألواح الخشبية، والصعق بالكهرباء. هذه المشاهد يجري تصويرها وإرسالها لأسر الضحايا لحثهم على دفع الفدية.
تسعيرة الفدية مقسمة حسب الجنسية؛ وصلت 5,000 دولار للإثيوبيين، و6,800 للصوماليين، و8,100 للمصريين والمغاربة، و18,500 للبنجلادشيين. النساء تدفعن تسعيرات أكبر.
متوسط حصيلة مركز شهداء النصر في الزاوية يسجل نحو 14 ألف دولار من الفديات يوميًا، في حين أن متوسط نظيره طارق السكة في طرابلس يبلغ 17 ألف دولار يوميًا.
إذا لم تُدفع الفدية، تتاجر الميلشيات بالمهاجرين فيما بينها لأغراض الدعارة والسخرة.
بشهادة عدد من المهاجرين، فإن دفع الفدية لا يعني الحرية؛ الميلشيا تسلم المهاجرين من دافعي الفدية لمتعهد هجرة غير شرعية يطلب رسومًا إضافية، لتنسيق العمل مع خفر السواحل.
خفر السواحل الليبي يتلقى دعمًا من الأمم المتحدة والاتحاد الأوروبي لمنع الهجرة غير الشرعية، ويقول أنه اعترض حوالي 9 آلاف شخص في 2019، لكن شهادات المهاجرين تثير شكوكًا حول دفع الميلشيات للخفر لاعتراض المحررين منهم وإعادتهم للمراكز مرة أخرى لطلب فدية جديدة.
قائد خفر السواحل في الزاوية هو عبد الرحمن ميلاد، الذي فرضت عليه عقوبات بسبب تهريب البشر من قبل مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة. لكنه ما زال يمارس عمله بأريحية بدعم ميلشيات النصر.
ميلاد سافر بصحبة الخوجة لروما في عام 2017 لحضور اجتماع للأمم المتحدة عن الهجرة، ممثلين عن ليبيا.
طارق لملوم، رئيس منظمة حقوق الإنسان الليبية أكد أن المتعهدين يدفعون لخفر السواحل رشوة تبلغ حوالي 10,000 دولار لكل قارب للمرور عند تهيئ الظروف.
الأموال المكتسبة من معاناة المهاجرين تمرر إلى تونس حيث تدخل في عمليات غسل أموال. يجري تحويلها للعملة التونسية داخل أكشاك في المدن الحدودية، وتعود للعاصمة طرابلس لإيداعها في البنوك دون قيود.
النظام المصرفي الضعيف في ليبيا يجعل المنظمات الدولية تمنح عقودها بالدولار للمنظمات الليبية التي لديها حسابات مصرفية في تونس فقط. وتتضاعف المبالغ في السوق السوداء الليبية ما بين 4-9 أضعاف.
سلمت الحكومة الليبية أكثر من 100 ملف إلى تونس هذا العام، تضم قائمة الشركات قيد التحقيق بتهمة الاحتيال وغسل الأموال.
اعترفت المنظمة الدولية للهجرة التابعة للأمم المتحدة بأن عليها العمل مع شركاء قد يكون لهم صلات مع الميليشيات المحلية.
وقالت صفا مشلي، المتحدثة باسم المنظمة: "بدون هذه الاتصالات، سيكون من المستحيل العمل في تلك المناطق".
وقال الاتحاد الأوروبي إنه بموجب القانون الدولي، فإنه غير مسؤول عما يحدث داخل المراكز.
وأضاف في بيان: "يتعين على السلطات الليبية تزويد اللاجئين والمهاجرين المحتجزين بالطعام الكافي والجيد مع ضمان أن الظروف في مراكز الاحتجاز تتمسك بالمعايير الدولية المتفق عليها".
يقول الاتحاد الأوروبي أيضًا إن أكثر من نصف الأموال في صندوقه الخاص بأفريقيا يستخدم لمساعدة المهاجرين وحمايتهم، وأنه يعتمد على الأمم المتحدة لإنفاق الأموال بحكمة.
الأمم المتحدة قالت إن الوضع في ليبيا معقد للغاية، وعليها أن تعمل مع كل من يدير مراكز الاحتجاز للوصول إلى المهاجرين المعرضين للخطر.