في إحدى بقاع ريف الحسكة شمال شرق سوريا، اكتشف أفراد عائلة الفتاة "عيدة الحمودي السعيدو" أن ابنتهم ذات الـ 18 عامًا على علاقةٍ عاطفية بشاب.
اعتبر الأهل (تأكد مشاركة الأب والأخ، ضمن الأفراد الذين ظهروا بمقطع فيديو جريمة الإعدام)، أن هذه العلاقة "مخلة بشرفهم" فقرروا أن ينفذوا الأحكام بأيديهم. فحكموا على الفتاة بالإعدام ونفّذوا الحكم.
مصادر محلية تحدثت عن رفض الفتاة الضحية لتزويجها عنوة من أحد أبناء عمومتها، وتخطيطها للهرب إلى شابٍ تُحبّه، وعندما اكتشفت عائلتها هذا المخطط قتلوها "غسلًا لشرفهم".
جريمة إعدام فتاة الحسكة ارتُكبت في مكان مفتوح وبوضح النهار، في منطقة "غويران" الواقعة في الحسكة، على مرأى ومسمع من 10 أفراد أكد فحص الفيديوهات إشرافهم عليها، لتظهر مدى عُمق الأزمة التي تعيشها سوريا.
وبرغم تناثر بعض تأكيدات عن جهود من "النيابة العامة" و"الداخلية" بالتحقيق في الأمر، فإن الواقع السوري المعقد يفرض ظلاله القاتمة على مشكلات من هذا النوع.
لا تُسيطر الحكومة السورية بشكلٍ تام على أراضي الحسكة، إذ تزاحمها السيطرة عليها ميليشيات "قسد" الكردية، المُسمّاة بـ"قوات سوريا الديمقراطية"، كما تمتلك أمريكا قاعدة صغيرة هناك.
تتبنّى هذه القوات إنشاء دولة كردية منفصلة عن سوريا، وبموجب هذه السياسة مُنعت دمشق من إجراء الانتخابات الرئاسية الأخيرة في كامل مناطق الحسكة.
بالتالي، لا تستطيع المؤسسات القضائية الرسمية أن تُمارس أي دورٍ في هذا القضايا، فيما تغيب أي مؤشرات عن مدى تمتّع الأجهزة القضائية الموازية التي أنشأتها الميليشيات بالقُدرة على التحقيق في هذا الأمر.
وفي أغلب الأحوال، فإن دماء ضحايا هذه النوعيات من الجرائم في هذه المناطق، ستتشتت بين القبائل، وتضيع هدرًا.
قبل اندلاع الحرب الأهلية، عانت سوريا من موجة "جرائم شرف" خلال العقود الفائتة، لا نستطيع تبيان حجمها، في ظل غياب إحصائيات دقيقة، لكن يكفي للدلالة على مدى تضخمها، عقد مؤتمر وطني في دمشق عام 2008، لمناقشة "انعكاسات شيوع جرائم الشرف" على المجتمع السوري.
وفي 2010 قدّرت تقارير إعلامية أن سوريا تشهد نحو 300 جريمة "غسل عار" سنويًا.
الآن، أصبحت هذه الجرائم أكثر انتشارًا في الأماكن الخاضعة لسيطرة الميليشيات مثل إدلب وريف حلب.
في 2016، قال القاضي ماهر العلبي لصحفية "الوطن" المحلية إن جرائم الشرف زادت 4 أضعاف ما كانت عليه قبل اندلاع الحرب.
وشهد الشهر الماضي، إقدام شاب في محافظة السويداء على قتل شقيقته وزوجها، لأنهما تزوجا بدون موافقة الأهل.
ووفقًا لتقرير "سوريون من أجل الحقيقة"، تم توثيق قرابة 16 حادثة قُتلت فيها نساء بدافع "الشرف"، العام الماضي فقط.
يأتي هذا بالرغم من أن "الإدارة الذاتية" لمناطق شمال شرق سوريا، أقرّت في 2019م، المادة 17 في "قانون المرأة"، والتي نصّت على "تجريم القتل بذريعة الشرف، واعتباره جريمة متكاملة الأركان، تتراوح عقوبتها بالسجن من 3 إلى 20 عامًا".
وهو ما تزامَن مع قرار مجلس الشعب السوري، العام الماضي، بإلغاء مادة قانونية أقرّت "أحكامًا مخففة" لمرتكبي جرائم الشرف، بعد عقود من الانتقادات التي لاحقت تلك النوعية من المواد القانونية التي أقرّت خروجًا آمنًا لـ"القتلة".
لكن، بسبب ضعف قُدرة الدولة على فرض سيطرتها، فإن هذا التطور التشريعي لم يُصاحب بتطور إنساني وانخفاض في معدلات تلك الجرائم.
الأوضاع المعقدة التي تمرُّ بها منطقة الحسكة -وكل ما يُشبهها- حولها إلى أتونٍ لا يتوقف عن الاشتعال.
في 2015، فرض مسلحو "داعش" سيطرتهم على المدينة، وأسروا 90 مسيحيًا، وهو الوضع الذي قررت أمريكا إنهاءه فتدخلت عسكريًا، ودعّمت القوات الكردية في معاركها ضد "داعش" حتى طردتهم من المدينة.
بسبب هذه الأوضاع المذرية، هرب العديد من السوريين للنجاة بحياتهم إلى الحدود العراقية حيث عاشوا أوضاعًا إنسانية بالغة الصعوبة.
هذه الظروف لم تتحسن بعد طرد مسلحي "داعش"، بسبب الحروب الدولية التي دارت بالوكالة في هذه البقعة الغنية بالموارد، ما جعل الجميع عاجزًا عن فرض أي شكلٍ للحُكم الشامل.
منذ أيام، اشتبك فصيل قتالي تركماني مدعوم من تركيا وميليشيا كردية مدعومة من أمريكا، ما أدى لانقطاع الكهرباء والمياه عن أغلب السكان.
هذا التردي الخدمي، صاحبه انتشار عددٍ من الأمراض المعدية في صفوف الأهالي.
لكن جرائم الشرف في الدول الناطقة بالعربية لم تتوقف عند الحسكة المتوترة.
حتى في الكويت المستقرة، قتلت موظفة في مجلس الأمة في ديسمبر 2020، على يد شقيقها؛ لأنه كان غاضبًا لأنها تزوجت من شخص خارج عشيرتها بما اعتبره "إهانة لشرفه".
لم يقدم المجلس أي تعاز، ولم يتطرق أي نائب للقضية.
في واقعة أسبق، ظهر أردني يشرب الشاي في انتظار وصول الشرطة بعدما حطم رأس ابنته أحلام بالحجارة بعدما اتهمها بارتكاب فعل "مخل بالشرف".
ولا يُصدر أي بلد في الشرق الأوسط وشمال إفريقيا إحصاءات رسميًا بـ "جرائم الشرف". لكن التقديرات تشير إلى أن عمليات القتل المشابهة لا تزال منتشرة في المنطقة رغم سنوات من الحملات ضدها.
وفي معظم الدول، تقابل تلك الجرائم باستخفاف أكثر من غيرها من أشكال القتل. في الكويت مثلًا، يواجه قاتل زوجته أو قريبته حكمًا بالسجن 3 سنوات على الأكثر إن ادعى أنه قتلها بسبب تورطها في علاقة خارج إطار الزواج.
الأسوأ، أن نطاق ما يعتبر إخلالًا للشرف يستحق العقاب آخذ في الاتساع. العام الماضي، قُتلت نساء لارتكاب جرائم مثل وضع المكياج والدردشة عبر الإنترنت.