استخدمت الحضارات المبكرة أنظمتها الخاصة في تطوير نظريات رياضية معقدة.
البابليون، الذين ظهروا منذ القرن 19 ق.م، طوروا النظام الستيني (قائم حول الرقم 60)، والذي لا يزال إرثه قائمًا في تقسيم الساعة إلى 60 دقيقة، والدقيقة إلى 60 ثانية.
الإغريق القدماء استعاروا جوانب من النظام الستيني. لكنهم كتبوا الأرقام باستخدام الحروف.. حتى الصفر مثلوه بالحروف، وهذا ما أثر على توصيفهم للأشكال الهندسية التي طوروها، الأطوال والأشكال والزوايا.
نقطة التغيير الأولى ظهرت في الهند في القرون الأولى بعد الميلاد، حين بدأ علماء الرياضيات استخدام تسعة أرقام خاصة لتمثيل الأرقام التسعة الأولى وفقًا لقيمتها.
وبحلول القرن السابع "عام 625"، حلوا القطعة الأخيرة من اللغز، بتدوين الصفر كنقطة (.) للإشارة إلى قيمة فارغة في سلسلة من الأرقام، في تطوير حيوي لنظام تدوين موضعي يعتمد على الرقم 10، دونه العالم الهندي براهماغوبتا في أطروحة فلكية متقنة، كتبت في الشعر السنسكريتي، تسمى السدهانت.
بحلول أوائل القرن التاسع الميلادي، تحولت بغداد إلى مركز رئيسي للتعليم، بعدما جلب إليها "خلفاء مستنيرون" المخطوطات من جميع أنحاء العالم لترجمتها واستخدام المعرفة التي تحملها، واستغلت النخب فيها ثرواتها الضخمة في إنشاء المكتبات وتمويل حركة العلوم، فجذبت العلماء والباحثين والدارسين، ليكونوا جزءًا من المسعى الفكري الجديد.
كانت علوم الفلك والرياضيات موضع اهتمام خاص. وحقق العلماء الذين درسوها إنجازات مدهشة؛ حددوا محيط الأرض بشكل قريب من الصحة، وبنوا أول مرصد في العالم الإسلامي، وأنتجوا بيانات غيرت فهم الإنسان للكون، وترجموا ودققوا وطوروا النظريات العلمية اليونانية القديمة، ودمجوها مع نظريات الهند ومع أفكارهم الخاصة.
حدثت الذروة الفكرية في عهد المأمون، لكن أكثر علماء بغداد موهبة كان محمد بن موسى الخوارزمي.
قرأ الخوارزمي "السدهانت" لبراهماغوبتا، وأدرك أن الأرقام الهندية ونظام القيمة المكانية تحمل إمكانات أكبر بكثير من الأنظمة المستخدمة وقتها في الإمبراطورية العباسية، والتي استخدمت حساب الأصابع وجوانب من النظام الستيني، وعبرت عن الكسور بكلمات بدلًا من الأرقام.
وكان كتاب الخوارزمي عن الجمع والطرح أول كتاب بالعربية يشرح الأرقام الهندية، مع فصل عن كل من الأرقام التسعة، وإيضاحات حول كيفية كتابة الأرقام باستخدام نظام القيمة المكانية.
ربما لا يكون اسم الخوارزمي معروفًا بالدرحة في أوروبا حاليًا. لكن اسم بقي حيًا في كلمة "خوارزمية" المشتقة من النسخة اللاتينية لاسمه "Algorismus".
كما أعطانا كلمة الجبر، وهي جزء من العنوان العربي لكتابه المختصر في الجبر والموازنة، وهو دليل عملي للحساب مكتوب بناءً على طلب الخليفة المأمون.
في هذا الكتاب، حدد الخوارزمي هذا التخصص لأول مرة من خلال وصف أنواع مختلفة من المعادلات التربيعية.
عبر التلاميذ الوافدين إلى بغداد، انتقل كتابا الخوارزمي إلى أماكن أخرى حيث خضعا للدراسة والترجمة. وبحلول القرن العاشر، وصلا إلى الأندلس، التي كان معظمها تحت حكم العرب في ذلك الوقت.
وخلال القرنين الحادي عشر والثاني عشر، بدأت القوات الأوروبية في شمال شبه الجزيرة الأيبيرية استعادة مدن الأندلس الكبرى، وبينها توليدو التي سقطت عام 1085. وعلى مدى العقود التالية، توافد العلماء الأوروبيون إلى المدينة بحثًا عن الكتب التي تركها العرب، وبينها نصوص الخوارزمي.
سارت عمليات ترجمة ودراسة وتحليل كتابي الخوارزمي ببطء في البداية؛ جزئيًا بسبب مقاومة المسيحيين، الذين اعتبروا الأرقام شريرة وخطيرة، لمجرد أنهم ورثوها عن المسلمين.
لكن الأزمة حلت عبر الراهب جيربرت (البابا سيلفستر الثاني) في القرن العاشر، بعدما قاده شغفه بالرياضيات إلى إسبانيا في القرن العاشر.. ومن خلاله، يعتقد أن العلماء الأوربيين تعرفوا على أشكال الأرقام نفسها، والتي كانت موجودة على لوحة العد.
وهكذا، دخلت الأرقام الهندية العربية ونظام القيمة المكانية تدريجيًا إلى أوروبا.
لكن الشخصية الأهم في انتقال الأرقام الهندية العربية إلى أوروبا لم تكن إسبانية، بل إيطالية، وهو ليوناردو بيزانو، المعروف اليوم باسم فيبوناتشي.. والبقعة الجغرافية لم تكن الأندلس، بل الجزائر.
وُلد بيزانو حوالي 1170 ميلادية، أرسله أبوه التاجر الناجح إلى غرفة التجارة في بوجي (تسمى الآن بجاية في الجزائر).
في بوجي، تعلم الشاب بيزانو الأرقام الهندية العربية على يد العلماء الناطقين بالعربية، ربما باستخدام أعمال الخوارزمي، وأظهروا له تألق نظام القيمة المكانية، إلى جانب العجائب الأخرى لتقاليدهم الرياضية، فأدرك بسرعة الإمكانات الهائلة للأرقام الهندية العربية.
عام 12،02 كتب بيزانو كتاب الحساب (Liber abbaci) وهو أول عمل أصلي باللاتينية حول الأرقام الهندية العربية، شرح فيه طريقة عمل الأرقام وطريقة كتابتها بالترتيب حسب قيمتها.
وبحلول عشرينيات القرن الثاني عشر، عاد فيبوناتشي إلى بيزا، وقضى بعض الوقت في بلاط الإمبراطور الروماني فريدريك الثاني، ثم في عام 1228، أنتج نسخة منقحة من كتابه، شرح فيها بالتفصيل كيفية إجراء المعاملات بعملات مختلفة، وكيفية استخدام أنظمة مختلفة من الأوزان والمقاييس، وهي الأساليب التي أصبحت ذات أهمية متزايدة مع نمو أوروبا في الازدهار وتوسع العالم التجاري وتطوره.
تخيل أولًا إضافة LIX (59) إلى VII (7) لو كتبت بالأرقام الرومانية، ستفهم بسرعة لماذا لم تتطور الرياضيات إلى حد الانضباط مع هذا النظام الرقمي القديم.
معضلة حلتها الأرقام الهندية العربية، فبدأ تبنيها في القرن الخامس عشر؛ حيث اكتشف الأوروبيون عبقريتها في التدوين الموضعي "تدوين القيمة المكانية" حيث يمكن وضع كل رقم في أعمدة من الوحدات، بينما يمكن نقل الفاصلة العشرية (التي تم تقديمها في القرن السادس عشر) إلى اليسار أو اليمين عبر الأعمدة لزيادة أو تقليل قيمة الرقم، وهو نظام جعل ذلك ممكنًا للتعبير عن الكسور بدقة أكبر بكثير.
تعني هذه الفكرة البسيطة والرائعة أنه يمكن كتابة أي رقم باستخدام نفس الرموز التسعة والصفر، مما يسمح بإجراء عمليات حسابية وتباديل غير محدود.
كان التأثير الأولي لفيبوناتشي بإدخال الأرقام الهندية العربية ونظام القيمة المكانية هو استفادة الأشخاص الذين يحتاجون إلى الرياضيات لأغراض عملية: التجار والمساحون والمهندسون المعماريون الذين استخدموها لإجراء الحسابات اللازمة في حياتهم العملية.
وبحلول القرنين 15 و16، بدأ العلماء استخدام الأرقام في استكشافهم للجبر، خاصة بعد عام 1585 عندما نشر عالم الرياضيات الفلمنكي سيمون ستيفين كتيبًا مبتكرًا عن الكسور العشرية.
ووجه إدخال الفاصلة العشرية العلماء للتفكير في اتجاهات جديدة حول الرياضيات، بما مهد الطريق لمفاهيم بديلة مثل اللوغاريتمات والأرقام السالبة والمركبة.
وكالعادة، كان هناك العديد من التطبيقات العملية أيضًا: القياس في الهندسة والمسح، والحساب في علم الفلك والتجارة.
في هذه المرحلة، بدأ تدوين المسائل والمعادلات الجبرية باستخدام الأرقام والرموز والحروف، بدلًا من الكلمات، مما أتاح للعلماء التعبير عن المشكلات المعقدة للغاية وحسابها.
بالوصول إلى منتصف خمسينيات القرن الخامس عشر، أحدثت المطبعة تحولًا في عالم المعرفة، مع زيادة عدد الكتب المتاحة بشكل كبير، لينخفض سعرها، وتصبح في متناول المزيد من الباحثين.
تشير التقديرات إلى أنه بحلول عام 1500، أي بعد نصف قرن فقط من بدء الطباعة في أوروبا، أنتجت أوروبا حوالي 20 مليون كتاب.
كما جعلت الطباعة النصوص أكثر توحيدًا، مما ساعد على إصلاح شكل الأرقام الهندية العربية وجعلها معروفة على نطاق واسع.
في الوقت نفسه، بدأ العلماء ترجمة النصوص الرياضية إلى اللغات المحلية (الإيطالية والألمانية والإنجليزية).
وبحلول عام 1550، كان عدد قليل جدًا من الأوروبيين لا يزالون يستخدمون نظام الأرقام الرومانية القديم.
انتصرت أخيرًا الأرقام الهندية العربية، وفتحت طرقًا جديدة مذهلة في مجالات الرياضيات والعلوم، وصياغة العالم الذي نعيش فيه اليوم - عالم يعمل على تسلسلات لا نهائية من الأرقام، لذلك ليس من قبيل المصادفة أن اسمنا لهذه الظاهرة هو "الثورة الرقمية".