5 ردود على فرضية حلمي بكر.. هل كانت الموسيقى الفرعونية أفريقية الأصل؟| أمجد جمال

5 ردود على فرضية حلمي بكر.. هل كانت الموسيقى الفرعونية أفريقية الأصل؟| أمجد جمال

18 May 2021

أمجد جمال

ناقد فني

مصر
رابط مختصر
للمشاركة لـ فيسبوك
حجم الخط

حفل المومياوات الملكية كان مؤثرًا بما يكفي لتستمر أصداؤه لأسابيع. لم يتجاوز كثيرون أننا سمعنا غناءً بنفس الأصوات التي نطقها الأسلاف منذ ألاف السنين.

هذا من حيث الكلمات.

لكن، ماذا عن الموسيقى؟ تحديدًا اللحن الذي ألفه هشام نزيه وغنته أميرة سليم؟

هل عرف أجدادنا هذا النظام الموسيقي اللحني؟

هل غنوا بتلك الطريقة وعلى نفس السلم الموسيقي والمقامات والسرعات؟

وكيف يمكننا أن نصل لمعلومات عن طبيعة ألحانهم؟

في تصريح في رمضان، اعتبر الملحن الكبير حلمي بكر أن استخدام مقام الحجاز من السلم السباعي Heptatonic في مهابة إيزيس نوعًا من التحايل، إذ أن الموسيقى الفرعونية في رأيه كانت تنتمي للسلم الخماسي Pentatonic لا السباعي. بالتالي فما سمعناه لم يكن لحنًا فرعونيًا بحق.

فهل معلومة أن قدماء المصريين لم يعرفوا السلم السباعي ومن ثم لم يعرفوا مقام الحجاز الذي قامت عليه الأغنية، وبالتالي فإن موسيقاهم أقرب لموسيقى الأفارقة منها للموسيقى الشرقية والموسيقى الحديثة، صحيحة؟

قبل مهابة إيزيس .. ٧ قطع موسيقية مبهرة بتوقيع هشام نزيه

تعريفات ضرورية قبل بدء القراءة

قبل بدء قراءة المقال، ربما تحتاج لفهم تعريفات موسيقية أساسية بمنتهى التبسيط.. بإمكانك تجاوزها ومواصلة القراءة إن أردت.

السلم السباعي: السلم الموسيقي الكامل المتعارف عليه في الموسيقى الحديثة. يتكون من 7 نغمات في الأوكتاف الواحد، إضافة لنغمة بداية الأوكتاف التالي. (في اللغة العربية نعبر عنها بـ: دو، ري، مي، فا، صول، لا، سي، دو)

السلم الخماسي: حالة بدائية من السلم السباعي. تكتفي بخمس نغمات بتجاهل النغمتين الرابعة والسابعة. ينتشر في ألحان موسيقى الحضارات السحيقة، ولايزال مستخدمًا خاصة في النوبة ودول أفريقيا، وعند الأمريكيين من أصل إفريقي وفي الصين.

(ألحان معاصرة على السلم الخماسي للتقريب: وسط الدايرة – محمد منير / الكون كله بيدور – محمد منير / زي ماهي حبها – عمر خيرت / يا حبيبي عد لي تاني – شادية)

مقام موسيقي: الطابع الحسي الذي تنتمي له ألحان معينة ويجمعها مقام واحد. والمقام يتميز بدرجة أبعاد أو المسافات بين كل نغمة وأخرى في السلم الموسيقي الواحد. تلك المسافات تعطي للمقام شخصيته الحسية، فهناك مقامات ارتبطت بالفرح وأخرى بالحزن، ومقامات ذات طابع شرقي وأخرى بطابع غربي.

مقام الحجاز: أحد المقامات العربية الشهيرة، ويتميز بطابعه الديني الروحاني، فهو مقام للحن الأذان الإسلامي، ومنتشر في الترانيم القبطية كذلك، ويسهل للمستمع الغربي عزفه واستساغه لطبيعته نصف النغمية بخلاف مقامات عربية أخرى تقوم على أرباع النغمات.

(ألحان معاصرة من مقام الحجاز للتقريب: شد الحزام – سيد درويش / أكدب عليك – وردة / لما بدى يتثنى – توشيح / حبيبي يا نور العين – عمرو دياب).\

5 مغاطات وقع فيها حلمي بكر

نعود إلى حلمي بكر. هناك خمس مشكلات/ مغالطات حسنة النية فيما قاله:-

أولًا:

لم يدون المصريون موسيقاهم. من ثم يصعب التيقن بطبيعة السلالم والمقامات التي لحنوا بها. لكن فرضية انحصار الموسيقى الفرعونية في السلم الخماسي شائعة منذ الحملة الفرنسية، بلا أدلة قاطعة.

المؤكد أنهم عرفوا السلم الخماسي في إقليم النوبة منذ آلاف السنين. لكن ماذا عن بقية الأقاليم؟ كلها تخمينات.

خلال الثلاثين عامًا الأخيرة، نُشرت دراسات عديدة مضادة لافتراض السلم الخماسي المصري، أبرزها تجربة عملية لأستاذ التربية الموسيقية بجامعة حلون خيري الملط بدعم من الاتحاد الأوروبي، حيث حاكى اآلات القدماء، واستخلص أنهم عرفوا السلم الخماسي. لكنهم وصلوا أيضًا لمقامات مثل الراست والسيكا، وهي مقامات من السلم السباعي تقدم أكاديميًا كمقامات عربية (شرقية)، لكنها في رأي خيري مقامات مصرية.

في هذا المقطع، يعزف أحد تلامذة خيري لحن “غنيلي شوية” لزكريا أحمد، من مقام راست “السلم السباعي” باستخدام محاكاة لآلة وترية تعود لمصر القديمة.

ثانيًا:

أول من رسخ افتراض السلم الخماسي أكاديميًا كان المؤرخ اليهودي الألماني كيرت زاكس. وهو نفسه أقر في كتاباته بأن السلم السباعي عُرف في مصر القديمة مع نهايات الدولة الوسطى وبداية الدولة الحديثة (على الأقل) وانتعش في عصر الإمبراطورية تحديدًا بفضل “التأثيرات الآسيوية”. ما يعني أن الغموض إذن منحصر على موسيقى الدولتين القديمة والوسطى، وهو ما سنفنده لاحقًا.

لكن لنفترض: موكب المومياوات كرم ملوك الدولة الحديثة التي يجمع المؤرخون أن عصرهم عرف السلم السباعي. ما يعني أن السلم الموسيقي في مهابة إيزيس واقعي فعلًا.

ثالثًا:

لا يُعقل من حضارة عرفت الجراحة والتحنيط والكيمياء والكهرباء، وبرعت في الرياضيات والعمارة أن تكون نظريتها عن الموسيقى ناقصة، وألحانها بمحدودية النغمات الخمس، خاصة وأن كل نظريات الموسيقى المتقدمة بُنيت على علم الرياضيات الذي برع فيه المصريون وعلّموه للإغريق ومن ثم الرومان ومن ثم الحضارة الغربية.

كان أفلاطون يقول: “ما من علم في بلادي إلا وتعلمنا أصوله من المصريين“. ويقول الموسيقار الإغريقي أثينانيوس (القرن الثاني ق.م): “المصريون علّموا الموسيقى للإغريق مثلما علموها للشعوب الأقل تحضرًا“.

واستخلصت نظرية للموسيقار والمؤرخ الفرنسي جان فيليب رامو (١٦٨٣-١٧٦٤) أن فيثاغورث اليوناني الذي عاش ودرس بمصر ٢٢ عامًا في القرن السادس ق.م، استلهم نظرياته الشهيرة في الموسيقى وعلم حساب المثلثات من قوانين الحساب في الموسيقى الفرعونية تحديدًا.

وتقوم نظرية رامو على أن المصريين عرفوا بنية التطور ثلاثي الكورد Triple progression في موسيقاهم، التي بُني عليها السلم السباعي اليوناني ومن ثم الموسيقى الغربية الحديثة.

رابعًا:

في ظل ارتفاع أصوات لصوص الحضارة شرقًا وغربًا وجنوبًا. هذا ليس الوقت الأمثل لتبني فرضية السلم الخماسي المصري القديم، والتي قد تفسر بأن الحضارة المصرية هي حضارة السود من أهل الصحراء كما تدعي جماعات الأفروسنتريست. هذه المرة بحجة تشاركهم السلم الموسيقي.

السرقة مزدوجة: فبامتداد الفرضية، يكتمل سلم الموسيقى الفرعونية إلى سبع نغمات لاحقًا بفضل تأثيرات شعوب الشرق (العبرانيين أو الهكسوس أو الفينيق أو الكنعانيين)، ما يعني أن المصريين لم يكونوا سوى متأثرين بالشعوب المحيطة رغم كل الأدلة التي تثبت العكس.

خامسًا:

المصريون القدماء لم يتركوا لنا نوتة موسيقية. لكنهم تركوا جداريات وآثارا لآلاتهم تؤكد أنهم أول حضارة وصلت لنظام الهارموني (تعدد الأصوات) أي أنهم سبقوا الإغريق والموسيقى الشرقية القديمة والمعاصرة، وكانوا أول من عرف وظيفة المايسترو والفرق الموسيقية، قبل الإغريق الذين أسسوا نظرية الموسيقى المدونة الأولى على السلم السباعي بفضل فيثاغورث الذي ذكرنا علاقته بمصر.

عُرفوا كذلك بدقتهم البالغة في صناعة آلاتهم الموسيقية حيث استخلصوا أمعاء الحيوانات لاستخدامها كأوتار في بعض آلات الهارب والطنابير (السمسمية) والليرا (العود القديم). وإذا كان فكرهم التصنيعي بهذا التعقيد فلابد أن تكون نظريتهم الموسيقية أكثر تعقيدًا من السلم الخماسي.

ولا عجب أن أفلاطون نفسه كان يُفضل الموسيقى الفرعونية على كل موسيقات العالم القديم. وتخيّل فى كتابه (الجمهورية) شعبًا وضع له المثل الأعلى فى القوانين والأنظمة، فلم يجد غير الموسيقى الفرعونية التى وصفها بأرقى وأكمل موسيقات العالمـ وطالب اليونانيين بتعلمها:

الدولة التي تحكمها قوانين جيّدة، لا تترك في أيدي من هبّ ودبّ قواعد التربية الموسيقية. إنها تنظمها مثلما يفعل المصريون، حيث النشء الجديد يتربى على طلب الأكمل، في اللحن والإيقاع والمقام“.

هذا يبطل التفسير بأن موسيقى المصريين اكتملت بفضل شعوب الشرق والبحر بعد توسع الإمبراطورية. وإلا لكان الأولى بأفلاطون أن يطالب تلاميذه بتعلم الموسيقى من تلك الشعوب كمصدر أصيل بدلًا من الناقل المزعوم (مصر).

من أين جاء افتراض خماسية السلم المصري؟

الافتراض له شق انطباعي بأن الشعوب القديمة عمومًا كانت مقيدة بالسلم الخماسي وأحيانًا الثلاثي نتيجة للحياة البدائية.

وهناك شق عملي يتمثل في تكوين الآلات المصرية التي وجدت في مقابر الأسر الـ 18 الأولى (الدولة القديمة والوسطى)، حيث لاحظ المنقبون الأوائل قلة عدد الأوتار في الآلات الوترية، وقلة عدد الثقوب في آلات النفخ، فاستنتجوا أن أوتارًا وثقوبًا قليلة تعني بالضرورة نغمات قليلة؛ أي أن الناي ذا الثقوب الأربعة يعزف خمس نغمات بحد أقصى، وكذلك الهارب خماسي الأوتار، ومن ثم استنتجوا نظام السلم الخماسي، وإن كان هذا التكوين للآلات يتغير في الدولة الحديثة.

في المقال التالي نطرح الأدلة على وجود سلم موسيقي سباعي في مصر القديمة، وأصول النظرية الموسيقية للمصريين وعلاقتها بالفلك، وسنحسم اللغز هل عرف المصريون مقام الحجاز الذي لحن عليه مهابة ايزيس أم لا.


 

رابط مختصر
للمشاركة لـ فيسبوك

موضوعات متعلقة

التعليقات (0)

يجب عليك .. تسجيل الدخول أو التسجيل لتتمكن من التعليق.

تعليقات الفيسبوك