فوائد الموسيقى | متى بالضبط يمكن أن ترسلها لفتاة وضعتك في الفريندزون؟ | شادي عبد الحافظ

فوائد الموسيقى | متى بالضبط يمكن أن ترسلها لفتاة وضعتك في الفريندزون؟ | شادي عبد الحافظ

10 Sep 2020
شادي عبد الحافظ دقائق.نت
رابط مختصر
للمشاركة لـ فيسبوك
حجم الخط

إذا كنت من مواليد الثمانينيات، ربما تتذكر هذا المشهد. حين غنى إيساف في برنامج ستار ميكر، وهو من علامات أوائل الألفية. تحديدًا حينما قال “زي غيرها، هان ضميرها، ضيعت عشرة سنين“، هنا انقلب حسن أبو السعود، أحد علامات التلحين في مصر، من الضحك للحزن، ثم مع صوت الساكسفون دخل صديقنا في نوبة بكاء طويلة.

حتى لو لم تر المشهد فأنت تعرف هذا الإحساس العجيب. فبينما أنت صامدٌ، تعقد مشاعرك بحبل طويل، وتدفنها في أعماقك أمام فتاة تحبها، لكنها وضعتك للتو في حيز “الفرندزون”، إذا بجملة ما توافقت بشكل دقيق مع لحن بديع تخلق فتقًا بسيطًا في قوة العقدة، ثم تنهار للحظات قليلة.

الموسيقى المصرية تتغير .. لماذا نجح ويجز ورفاقه؟ | أمجد جمال

13 عاطفة تثيرها الموسيقى عالميًا

في الواقع، فإن الأمر لا يرتبط بك كأحمد أو حسام أو خالد، لكنه طبيعة عالمية. بعض الأغنيات، بحسب دراسة صدرت قبل عام واحد من معمل الموسيقى في جامعة هارفارد ونشرت في دورية “ساينس” المرموقة، لها نفس التأثير على كل الثقافات، بغض النظر عن مؤلفها أو الثقافة التي نشأت بها.

ألان كاون ورفاقه من جامعة كاليفورنيا وصلوا لنفس النتيجة قبل أشهر قليلة، لكنهم تعمقوا بشكل أكبر في طبيعة المشاعر التي تتركها الموسيقى في نفوسنا، فهي ليست شعورًا واحدًا بالحزن أو الفرحة أو الرغبة في التراقص، بل يمكن أن تعتبرها لغة كاملة.

بالطبع كلمة “لغة” هنا ليست دقيقة، لأن الموسيقى لا تحمل أية دلالات (Semantics) بالمعنى المفهوم، لكن المقصود أن 13 عاطفة بشرية تستثار بنفس الآلية بفعل الموسيقى. تعامل معها على أنها كلمات هذه اللغة.

تمتزج تلك العواطف معًا في شكل سحابة تمثل حالتك كلما استمعت إلى اغنية أو موسوعة موسيقية. يبدو إذن أن شوبنهاور كان محقًا حينما قال ذات مرة إن “الموسيقى أكثر اختراقًا لذواتنا من كل الفنون الأخرى، لأن كل تلك الفنون تخاطب الظلال فقط، بينما تخاطب الموسيقى الجوهر“.

أيهما الضلع الثالث؟ مثلث خيانة وقصة حقيقية من تايلور سويفت في “فلكور” | الحكاية في دقائق

حتى الأجنة تثيرها الموسيقى

لكن باتريك جوزلين ودانيال فياسفيَل، أستاذا علم النفس السويديان، يأخذان الأمر إلى ما هو أعمق من ذلك.

نتحدث هنا عن “نظرية الآليات المتعددة “Multiple Mechanisms Theory، والتي تقول إن استجابتنا للموسيقى أكثر تعقيدًا من أن تكون مرتبطة بنطاق واحد، وتقترح هذه النظرية ست آليات تتضافر معًا لتجعل من الموسيقى ما هي عليه بالنسبة لنا.

على سبيل المثال، نعرف أنه حينما تستمع إلى أغنية ما، فإن منطقة جذع الدماغ تستجيب فورًا لهذه “الدندنة”، تتكامل تلك المنطقة وظيفيًا مع الجهاز الدوري في أجسامنا، والذي يشمل القلب والأوعية الدموية، تتكامل كذلك مع وظائف الجهاز التنفسّي ومناطق الحس المسؤولة عن الانتباه والتأهب.

يفسر ذلك تجارب شهيرة استجابت فيها الأجنة في بطون أمهاتهم للموسيقى عبر معدلات النبض (مرتفع للموسيقى الراقصة ومنخفض للموسيقى الهادئة)، لكن التأثر البيولوجي ليس وحده صانع القرار هنا، فالأمر أيضًا يرتبط بالسياق.

سالمونيلا.. هل أصبحت الأغاني أذكى من الجمهور؟ | أمجد جمال

استدعاء المشاعر

إذا كنت قد استمعت إلى أغنية ما من قبل فإن دماغك – عند الاستماع لها مرة أخرى – يستدعي نفس المشاعر التي راودتك وقتها، كأن تكون قد استمعت لأغنية عمرو دياب “أماكن السهر” مع زوجتك في شهر العسل أو مع الأصدقاء في عرس أحدهم، ثم أعيدت نفس الأغنية بعد ذلك الحدث بسنوات فتستعيد نفس المشاعر.

من المثير للانتباه أن ذلك سيحدث حتى لو كنت قد نسيت أنك استمعت إلى هذه الأغنية من قبل، بمعنى أن بعض الأغنيات قد تترك فيك مشاعر لا تفهمها، لكن ذاكرتك فقدت الحدث وأبقت على المشاعر المتبقية منه.

من جانب آخر/ فإن هناك نوعًا من الاستمتاع المنطقي بالموسيقى، حيث نميل نحن البشر إلى ترجمة الموسيقى إلى مجموعة من الصور التي تتوالى على أدمغتنا، بطريقة تساعد الموسيقى المتصاعدة في استدعاء صورة سلّم، أو حلقات حلزونية منطلقة للأمام، أو أي من الأهازيج الملونة التي تتحرك في خيالنا.

أضف لذلك أن أحد أسباب تلذذنا بالموسيقى هو أنها بالفعل كاللغة، تتكون من مقاطع مرتبة محددة، لذلك حينما أعزف لك “دو” ثم “ري” ثم “مي” ثم “فا” فإن القادمة إن لم تكن “صول” سوف تشعر بشذوذ ما، وإن كانت “صول” فستشعر بالتوافق التام مع توقعاتك، وهو – إن تأملت قليلًا – أحد أهم الأشياء التي تسحرنا.

البوسانوفا .. ثورة البرازيل المغمورة التي شارك فيها فرانك سيناترا فكاد يهزم البيتلز | مينا منير

الموسيقى سابقة للغة

حسنًا، كما تلاحظ، فإن الموسيقى أكثر تعقيدًا مما نظن.

في الواقع فإنها تبدو كذلك بالنسبة حتّى للباحثين الذين يدرسونها، أن يكون هناك شئ بهذا العمق في تأثيره، وهذا القِدم في تاريخنا، بل وتاريخ الحياة نفسها، ثم يكون غير مفهوم بالكامل هو أمر حتمًا محير.

في كتابه “مولد التراجيديا”، يرى الفيلسوف الألماني الأشهر فريدريك نيتشة أن سر تأثير الموسيقى يتعلق بكونها شرط ترانسندالي سابق للغة، بل إنه يضعها كصورة بدائية من وجودنا ذاته، وبذلك يكون التعرف إلى الموسيقى، هو تعرّف إلى ذواتنا.

لكن جيس بيروزفيسكي، أستاذ الفيزياء من جامعة ريسرف الأمريكية يضع الفلسفة جانبًا ويرى – في ورقة بحثية نشرت العام الماضي بدورية “ساينس أدفانسز” –  أن عمق تأثير الموسيقى متعلق بأنها تتبع في تركيبها نفس المبادئ العامة التي توجه الذرات المتناثرة عندما تنتظم في بلورة ما.

بمعنى آخر، فإن الموسيقى – مثل تلك البلورات – هي حالة انتقال بين الفوضى والإنتظام!

في كل الأحوال، تلك قصة جيدة يمكن أن تحكيها للصديقة التي وضعتك للتو في “الفريندزون” ثم تستخدمها كحجة لتستمعا إلى إحدى المقطوعات معا.

لكنني أظن أن الخطأ من البداية كان في أنك لم تخبرها، فلا تكرر الخطأ ذاته مرة أخرى.

رابط مختصر
للمشاركة لـ فيسبوك

موضوعات متعلقة

التعليقات (0)

يجب عليك .. تسجيل الدخول أو التسجيل لتتمكن من التعليق.

تعليقات الفيسبوك