الفنانة بسمة “لن ترضع لأنها ليست بقرة”.. ماذا نتعلم من هذه المقولة؟ | خالد البري

الفنانة بسمة “لن ترضع لأنها ليست بقرة”.. ماذا نتعلم من هذه المقولة؟ | خالد البري

6 Feb 2022
خالد البري رئيس تحرير دقائق نت
مصر
رابط مختصر
للمشاركة لـ فيسبوك
حجم الخط

“مش هرضع علشان أنا مش بقرة”..

أعلم أن هذا الجزء مقتطع من تصريح الفنانة بسمة، وأنها مهدت به لتوصيل فكرة أن مشاعر المرأة تتغير تماما بعد أن تنجب. وأنها انتقلت من حالة التصريح السابق إلى حالة إرضاع طفلتها  لمدة سنتين كاملتين،كلما طلبت، وليس حتى في أوقات محددة.

لكن هذا لا يمنع أن التصريح صادم، بسبب ما يعنيه وما يكشفه عن عقل فنانة، وغيرها ممن يفكرون هذا التفكير، قبل أن تعمل الغريزة عملها.

بصياغة أخرى: المقولة تكشف كارثة “العقل المحتقر للغريزة”، العقل حين يفكر مجردا من حقيقتنا الغرائزية. وهو عقل مسيطر في أوساط قراء الكتب، والنشطاء، والدعاة الدينيين، على حد سواء.

هل نحن أفضل من القطط فعلًا؟

هنا مثلًا، وقبل أن تنجب، لم تفكر الفنانة بسمة في نفسها كواحدة من الثدييات. بل “فكرت في نفسها كإنسانة”.

هذه الجملة الأخيرة تُقدَّم إلينا على أنها شيء إيجابي. حيث يعتقد الإنسان أنه أفضل من غيره من الكائنات. والحقيقة أن هذا محل نظر.

الإنسان مجرد كائن، أسعده عقله وأشقاه. أين أسعده وأين أشقاه؟ لا نعرف. لأننا لا نعرف إن كان العصفور أكثر سعادة من الإنسان أم أكثر شقاء. هل أكثر سعادة لأنه يتمتع بحرية أكثر، أم أكثر شقاء لأنه يواجه خطرًا أكبر؟ لا نعرف.

لكننا نعرف أن الكائنات، ما عدا ما تروض منها، لا تحب الأسر، وأنها تصاب منه باكتئاب، وبعضها لا يلد في الأسر بنفس المعدل الذي يلد به في الطبيعة.

اعتقاد الإنسان أن عقله ميزه اعتقاد صحيح إن اختبرنا القدرات العقلية الحسابية، أو القدرة على الكلام والتواصل، أو قدرتنا كمجموعة على السيطرة على الأرض.

أما إن اختبرنا قدراتنا الفردية على التقصي، والإحساس بالخطر، والاصطياد، والرؤية الليلية، والتخفي، وحسابات القفز من مكان إلى مكان، والتوازن، والتعامل مع الألم، فليس الإنسان العادي غير المدرب تدريبًا مكثفًا أحسن من القط العادي، أو القرد العادي.

ثم لاحظوا كيف يخدع العقل الإنسان، باستخدام سلاح اللغة.

لم تقل الفنانة بسمة إنها لم تشأ أن ترضع لأنها ليست قطة، أو أنثى النمور. هذه أيضا ثدييات ترضع أولادها. بل اختارت أن تجمل لنفسها اختيارها باستخدام لفظة منفرة، مسبة، نستخدمها للتحقير. خطأ منطقي من الطراز البديهي. إذ الرضاعة لا تميز الأبقار عن غيرها.

كثير من الأفكار العقلية الفاسدة تلعب نفس اللعبة. فتصف فعلا عاديا بألفاظ سيئة إن كانت تعارضه. وتصف فعلا سيئا بألفاظ إيجابية لو أرادت أن تتبناه. خدعة كلفت البشرية “العاقلة” الكثير والكثير.

بلا غريزة.. عالم أفضل فعلًا؟

الدعوات الفكرية، من الدين إلى اليسار إلى النسوية، تختلف في أشياء كثيرة، لكنها تتفق على الظن بأنها قادرة على بناء عالم أفضل لو قمعت بعضًا من غرائز الإنسان، فلم يعد حيوانًا، ولا عدنا نعيش في غابة.

والغريب في تلك الحالات أن الادعاء يكون أقوى، وأكثر إرضاءً للنفس، كلما كان أكثر بعدًا عن الاستجابة للغريزة الحيوانية. حيث العذاب في مقاومة الغريزة يفسره العقل وكأنه ضمان لصلاح الفكرة، “إذ لماذا يعذب الإنسان نفسه من أجل فكرة سيئة!”

اختبروا ذلك مع نظرة مجتمعاتنا إلى العلاقة بين الجنسين،

تتسامح مع انقضاء فترة الشباب دون ممارسة الوظيفة البيولوجية الأهم في تلك الفترة، أي انقضاء الشباب في ضنك جسدي لن يعوضه التمتع بالجنس في مرحلة متأخرة.

لماذا لا تهتم مجتمعات بهذه الأزمة؟

لأن “الحلال” متعذر. وفي قول آخر غريب “لأننا مش حيوانات”. غريب لأننا طبعا حيوانات. وغريب لأنه لا يقدم عزاء مناسبا ولا حلا شافيا للأزمة.

الحلال هنا لا يعاني من وخزة ضمير لأنه يشق على الجسد ويختصم من متعة الإنسان الأقوى في حياته. لا يشعر بدافع قوي لأن يطوع نفسه لكي يتماشى أكثر مع الغريزة. أبدًا. “إحنا بشر مش حيوانات”. يا سعدك يا هناك!

المجتمعات الأكثر وعيا بطبيعتها تفكر كيف تقترب بالتنظيمات من غرائزها، بدلا من تشتيت الطاقة في محاربتها.

الأمر نفسه مع غريزة التنافس والتملك. الغريزة الأم في استمرار وجودنا على الأرض، وفي مبتدأ الحضارة وتطورها.

يبني قطاع عريض من المثقفين رؤيته على أن القضاء على هاتين الغريزتين هو مدخلنا إلى حياة أفضل.

تنهار المجتمعات فلا يلوم الفكرة، بل يلومنا أننا لم “نأخذ الفكرة بالكامل”. العبارة بين القوسين موحية في العامية المصرية. والإيحاء مقصود. لم نأخذها بالكامل فعلا.. هيا نأخذها بالكامل.

شكرًا للغريزة أنها مسحت من عقل الفنانة بسمة بعضًا من الكلام الفارغ الذي تلقننا إياه الكتب، والنشطاء. وعقبال باقي الغرائز 😀

رابط مختصر
للمشاركة لـ فيسبوك

موضوعات متعلقة

التعليقات (0)

يجب عليك .. تسجيل الدخول أو التسجيل لتتمكن من التعليق.

تعليقات الفيسبوك