شهد ختام شهر يونيو احتراق كنيستين كاثوليكتين في كندا، ليرتفع عدد الكنائس التي أحرقت إلى 7 كنائس، خلال أسبوعين.
ليتزامَن هذا مع موجة عنف كبيرة تتعرّض لها كافة الكنائس في عموم كندا، فالكنيسة التي لم تسلم من الحرْق تعرضت للتخريب بوسائل شتّى،
وفي أضعف الأحوال، كان يُكتب على الجدران شعارات مُناهضة للفاتيكان ووضعت حيوانات ميتة قرب مدخلها. على باب كنيسة في ساسكاتشوان كتبت عبارة "كنّا أطفالاً".
في بداية القرن التاسع عشر، ظهرت فكرة "المدارس الخاصة" للمرة الأولى وسط المستوطنيين الأوروبيين للأراضي الكندية، كوسيلة لـ"ترقية السكان الأصليين"، وتعليمهم اللغات الحديثة والرياضيات والسلوكيات الراقية،
أدار هذه المدارس الكنيسة الكاثوليكية، أملاً في جذبهم إلى المسيحية.
امتلكت هذه المدارس هدفًا آخر، وهو إذابة هوية السكان الأصليين تمامًا، وقطع أي صلة تربطهم بماضيهم وبلغتهم ومعتقداتهم الأصلية.
انتُزع أطفال من أسرهم عنوة، ووفقًا للتقديرات، فإن هذه المدارس آوت ما يزيد عن 150 ألف طفل.
تعرض أطفال داخل هذه المدارس لانتهاكات مروّعة، وشاع استخدام الاعتداءات الجنسية والجسدية ضدهم بانتظام، وعاشوا أوضاعًا معيشية صعبة.
في بعض الأحيان، كانت هذه الانتهاكات تُفضي إلى موت طلاب، وهو الإجراء الذي تسترت الكنيسة الكاثوليكية عليه، عند وقوعه، بإنكار وقوعه، فوفّرت الأمان للقائمين على هذه المدارس، وأمرت بدفن الضحايا سرًّا في قبور مجهولة بدون شواهد رخامية، كيلا يتعرّف أحد على أصحابها حال عثورهم عليها في أي وقت.
وتداولت وسائل الإعلام المحلية ما يزيد عن 38 ألف تقريرًا عن حالات تعرّض أصحابها لاعتداءات "جنسية وجسدية شديدة" داخل المدارس.
وفقًا للأرقام الكندية الحكومية، مات ما يزيد عن 4 آلاف طالب داخل تلك المدارس، لكن أرقاما أخرى قدّرت أن أعداد الضحايا تتجاوز الـ15 ألف طفل، دُفنت جثثهم في مئات المواقع المجهولة، ما دفع بعض الباحثين المحليين لاعتبار أن هذه الجرائم تصل إلى"الإبادة الجماعية".
استمرت هذه في المدارس بالعمل لفترة طويلة جدًا، تحديدًا حتى عام 1996م،
وحتى الآن، لم تًقدِّم الكنيسة الكاثوليكية اعتذارًا رسميًا عمّا حدث، بالرغم من طلب جاستن ترودو، رسميًّا، من البابا فرانسيس، بابا الفاتيكان، أن يفعل ذلك.
لم يُقدم الفاتيكان سوى بيان "شخصي" أعرب فيه رئيس أساقفة فانكوفر (مدينة كندية) عن "عميق تعازيه للعائلات التي دمرتها هذه الأخبار المروعة".
مثّلت تلك القضية مشكلة كبرى عجزت كافة لجان المصالحة الاجتماعية عن رأب صدعها، فتوالت محاولات "السكان الأصليين" العثور على المقابر داخل هذه المدارس، آخرها كشفت عنه تقارير رسمية، عثرت على أكثر من ألف مقبرة مخفية في مواقع تلك المدارس، أغلب ضحاياها من الأطفال، بعضهم لم يتجاوز عُمره الـ3 سنوات.
على الرغم من مرور عشرات السنوات على وقوع هذه الانتهاكات، إلا أنها لا تزال تثير الضيق داخل المجتمع الكندي.
فلعقود، قدّمت السُلطات الكندية دعمًا مباشرًا لهذه المدارس ولأساليبها العنيفة. في 1934م، وخلال التحقيق في لجوء مدير مدرسة لجلد بعض الطلبة بالأحزمة وحرمانهم من الطعام، أثنى القاضي على هذه الممارسات، معتبرًا إياها قامت ضد "عقول خرجت للتوِّ من الهمجية".
الاعتذار الكنسي الذي لم يأتِ بعد، اعتبره ناشط ذو "أصولٍ أصلية" غير كافٍ، نجا والده بأعجوبة من هذه المدارس.
يقول "الاعتذار يجب أن يُكون مصحوبًا بإجراءات ملموسة، كان مفترضًا أن تُساعد المسيحية فقراء هذا البلد، لكنها بنت المجتمع على عظامهم".
حتى 2006م، لم تجر أي اتفاقيات لتسوية هذا الملف، من بعد ذلك العام، بدأ صدر القضاء الكندي يتّسع لمثل هذه النوعية من القضايا ويحكم لأصحابها بتعويضات.
وإلى الآن، دفعت الحكومة الكندية قرابة 3 مليارات دولار كتعويضات إلى 28 ألف ناجٍ من هذه المدارس، من قرابة 80 ألف ناجٍ يعيشون في كافة أنحاء كندا.
عدا ذلك، تغيب أي جهودٍ حكومية حقيقية لمداواة هذا الجرح، فباستثناء تشكيل لجان تحقيق لا تتوقف عن اكتشاف المقابر الجماعية التي تزيد الأزمة اشتعالاً، لم تُبادر الحكومة الكندية لاتخاذ إجراءات فعلية تخفف من وقع المرارة التي يعيشها أقارب الضحايا.
و تتمسّك الكنيسة الكاثوليلية بعدم الاعتذار عما جرى، وترفض التعاون مع الحكومة في تقديم سجلات تلك المدارس، والتي من شأنها المساعدة على معرفة القائمين عليها، ومحاسبتهم قانونيًا، واكتفى الفاتيكان حتى الآن بإعراب البابا فرانسيس عن "حُزنه" دون الإقرار بأسفٍ مباشر.
اشتعال المزيد من الكنائس في كندا مع تزايد الغضب ضد الكنيسة الكاثوليكية (فايس)
الكنائس تحترق (ذا ستار)
تدمير 4 كنائس كاثوليكية في مناطق يسكنها السكان الأصليين في كندا (سي إن إن)
رئيس الأساقفة الكاثوليكي يعتذر عن دور الكنيسة في المدارس الداخلية (فايس)