عرف العالم "الإسلام الأسود" أولًا مرتبطًا باعتناق الأفارقة للإسلام وإضفاء نكهتهم عليه. جوهر تصوره للعالم منطلق من فتوى "عنصرية" للفقيه المالكي المصري خليل بن إسحق في القرن الرابع عشر، بتفضيل الرجل على المرأة، والحر على العبد، والعالم على الجاهل، لكن الأفارقة قلبوا تلك التفضيلات لمصلحتهم؛ أبقوا أفضلية الرجل على المرأة، ثم منحوا العرق الأسود السيادة على غيره.
في كتابات بول مارتي، وس. أندريه، ومارسيل كاردير، يصفون الممارسات الدينية لشعوب جنوب الصحراء الكبرى في أفريقيا، التي خلطوا فيها بين بعض العادات المحلية وبين تقاليد الإسلام السُني، بحسب كتاب "الإسلام الأسود" لمحمد شقرون.
وفي كتابه "الإسلام في أفريقيا السوداء"، 1964، يقول الفرنسي فانسان مونتاي، إن شخصية أفريقيا فرضت نفسها على نسخة الإسلام التي يعيشها الأفارقة؛ لكون بنيته التحتية ذات أصل إحيائي (معتقد أفريقي قديم يؤمن بالسحر وتبادل الأرواح).
وبحسب مونتاي، حافظ العديد من الأفارقة على عاداتهم الدينية القديمة رغم انتمائهم للإسلام، فتبادلوا التعاويذ لجلب الحظ، وواصلوا تقديم االقرابين لـ "الأصنام" واستعانوا بالكهنة في السحر والعلاج، ورفضوا العربية كليًا، لتفشل كل جهود تعريب المنطقة.
عرفت أمريكا الإسلام في القرن السادس عشر عبر العبيد الأفارقة القادمين من مناطق ذات أغلبية مسلمة مثل غينيا وسيراليون وليبيريا، ووفقًا للإحصائيات فإن ما يزيد عن ربع العبيد الأفارقة كانوا مسلمين.
لكن التجلي الثاني لـ "الإسلام الأسود" كأحد الأشكال العقدية المتطرفة لم يظهر إلا في أوائل القرن العشرين، عبر أحفادهم، في جماعة منحدرة من أصل أفريقي.
وفي بداية التسعينيات، ظهرت الحركات الجماهيرية الإسلامية السوداء، أبرزها تنظيم "أمة الإسلام"، الذي تأسّس 1938 عبر واعظ غامض يُدعى "والاس فرد محمد"، يمتلك سيرة ذاتية مجهولة حافلة بالمتناقضات.
في هذه الأثناء، عانَى السود في أمريكا من صعوبات اقتصادية وقوانين حرمتهم من أغلب حقوقهم السياسية والاجتماعية. ليرد "والاس" بخطاب عنصري يبشر بتفوق الجنس الأسود على غيره، فيلاقي رواجًا كبيرًا بين الأمريكيين من أصل أفريقي.
لكن"والاس" لا يعد المؤسس الأبرز لـ"أمة الإسلام"، بل خليفته "إليجا محمد"، الذي تضخمت المنظمة في عهده ليقع تحت نظر السلطات، خاصة بعد دعوته الأمريكيين السود لعدم التسجيل في الجيش، فيلقى القبض عليه في بين 1942-1946.
حوّل السجن "إليجا" إلى بطل قومي في عيون أتباعه، لتنتشر منظمته في الخمسينيات في كافة أنحاء أمريكا.
وفقًا لدراسة "الإسلام الأسود"، التي أعدتها أليانا مورغان، بشرت منظمة "أمة الإسلام" بمجموعة من التعاليم العرقية كلها مخالفة للعقيدة الإسلامية، منها اعتبار مؤسِّسها "والاس" رسولًا، وأن العرق الأبيض شرير، والدعوة لإنشاء دولة مستقلة للسود داخل أمريكا.
بفضل هذه الآراء المتطرفة، حققت المنظمة نجاحًا متصاعدًا، خاصةً بعدما انضمَّ إليها السياسي البارز مالكوم إكس، الذي قُتل والده على يد مجموعة من العنصريين البيض. وبفضل مواهبه الخطابية أصبح مالكوم أحد أبرز قادة المنظمة في فترة وجيزة.
وفي 1964، ضاق مالكوم بسياسات "إليجا"، فاستقال من منظمته، وأسس كيانًا آخر منحه اسم "المسجد الإسلامي"، وفي العام ذاته زار بعض دول العالم الإسلامي،
ولأول مرة، أدى فريضة الحج في السعودية وزار مصر، حيث التقى بقادة في البلدين وأبرز رجال الدين فيهما، وهناك أيقن أن تعاليم "الإسلام الأسود" العنصرية لا علاقة بها بـ"الإسلام العربي" من قريبٍ أو من بعيد،
ومن الحج عاد مالكوم بِاسم جديد هو "الحاج مالك شباز"، وبعقيدة إسلامية جديدة عليه، وهي النهج السُني الكلاسيكي، متبرئًا من الخطاب الأرثوذوكسي الأسود المتطرف الذي تبنّاه طيلة الأعوام الفائتة.
في السنوات الفائتة، شهدت إندونيسيا دعوات متزايدة للحفاظ على البيئة بواسطة مجموعة من المنظمات الإسلامية التي تتخذ من تعاليم الدين قاعدة لها في دعواتها لإنقاذ البيئة.
ظهرت الدعوات في مدرسة متواضعة أسسها مزارعون إندونيسيون مسلمون، أنشأوا مدرسة داخلية زراعية دينية تعلم النشء تعاليم الإسلام وتغرس حُب البيئة ووسائل الحفاظ عليها في نفوسهم.
اعتبر مؤسسو هذه المدرسة، أن السبب الرئيسي في مشكلات إندونيسيا هو قِلة الموارد وتقاتل السكان حولها، وهو ما يسعى هذا النهج الفقهي إلى حله عبر غرس التعاليم الدينية المتصالحة مع البيئة في نفوس الناس.
حققت هذه المدارس انتشارًا واسعًا في إندونيسيًا، وتوالى ظهور المؤسسات التي تنشر "الإسلام الأخضر" داخل المجتمع الإندونيسي عبر الاستعانة ببعض النصوص الدينية التي تدعو لحماية الأشجار وعدم التعرّض للنباتات.
على الجانب الآخر، عرفت إيران نوعًا آخر من "الإسلام الأخضر"، ترافَق أيضًا مع الرغبة في الإصلاح، ليس في البيئة هذه المرة ولكن في السياسة، بعدما استعمل مصطلح "الإسلام الأخضر" للإشارة إلى الحركة التي قادها المُعارض مير حسين موسوي، احتجاجًا على انتخاب أحمدي نجاد لرئاسة البلاد.
وفي كتابها "التيارات السياسية في إيران"، اعتبرت الباحثة في الشؤون الإيرانية فاطمة صمادي أن هذه التحركات الاحتجاجية أفرزت نوعًا جديدًا من الإسلام على العقلية الإيرانية، وهو "الإسلام الأخضر" الذي يرفض العنف ويحاول نيل حقوقه بالاحتجاج السلمي، ليُخرج إيران من المعادلة الاستقطابية الحادة التي عانتها طوال سنوات ما بعد ثورة الخميني، بين "الإسلام الأحمر" و"الإسلام الأسود الإيراني"، اللذين نتطرق إليهما لاحقا.
عقب نجاح الثورة الروسية البلشفية، وقيام الاتحاد السوفيتي، واجه تحديًا كبيرًا في التعامل مع الدين كقيمة يعتنقها العديد من أتباعه، وهي المواجهة التي خاضتها الدولة الروسية مع الكنيسة الأرثوذكسية ومع ملايين المسلمين الذين عاشوا داخل الاتحاد السوفيتي.
وفقًا لكتاب "الدين والتحديث في الاتحاد السوفيتي"، سعت الحكومة لابتكار "إسلام جديد" يتوافق مع المبادئ الاقتصادية الاشتراكية التي رفعت موسكو من رايتها، وهو النهج الذي عُرف لاحقًا بـ"الإسلام السوفيتي" أو "الإسلام الأحمر".
اختزل "الإسلام الأحمر" نفسه في شكل طقسي بحت، ولم يكن مسموحًا ببزوغ أي مفكرين روس في المجال الفقهي، كما حُرم المسلمون السوفييت من دفع الزكاة ومن أداء شريعة الحج، كما طُمست كافة الفوارق الإثنية بين المذاهب الإسلامية، فلم ينقسم المسلمون السوفييت إلى سُنة وشيعة ومتصوفة .. إلخ، بل عُوملوا جميعًا ككتلة إسلامية واحدة مصمتة.
ووفقًا للكتاب، فإن هذا التوجه السوفييتي لإذابة الدين ببطء في عقول أتباعه يرتبط مباشرة بالكثير من الجماعات الإسلامية التي ظهرت في آسيا لاحقًا، تدّعي ارتباطها بالإسلام لكنها لا تعرف الصلاة ولا قراءة القرآن ولا حتى سيرة النبي محمد.
ورغم انهيار الاتحاد السوفيتي بقي مصطلح "الإسلام الأحمر". هذه المرة بفضل جهود المفكر الإيراني علي شريعتي، الذي فرّق في أطروحاته الفكرية، بين نوعين من الإسلام، هما: الإسلام الأحمر والإسلام الأسود.
بحسب شريعتي، الإسلام الأحمر فهو "علوي"، مُستمد مباشرة من أفعال علي بن أبي طالب وابنه الحُسين، ونشاطه الثوري الذي رفع فيه من قيمة الشهادة والتضحية بالدماء في صفوف أتباعه،
أما "الإسلام الأسود" فهو صفوي مستكين اكتفى فيه الأتباع بلبس السواد وإقامة فعاليات اللطم والبكاء المستمرين على المظالم التي تعرّض لها آل البيت، وهو تحديدًا ما انتقده شريعتي في الدولة الإيرانية، التي رأى أن "إسلامها الأسود" يقود أتباعها إلى طريق السلبية والخرافات.
ووفقًا لبحث "الإسلام والنظام الدولي"، الذي أصدره مركز الشرق للدراسات السياسية، فإن أفكار شريعتي تلك، وفّرت أرضية خصبة لنمو حركة الخميني و"ثورته الإسلامية" التي أطاحت بالشاه من فوق عرش إيران.
كانت الآمال التي روّج لها الخميني، هو استثمار الطاقة الدينية الهائلة التي يختنزها الإيرانيون داخل أنفسهم لإخراج "الإسلام الأحمر" من القمقم، لينتشر بعدها في العالم بأسره.
لكن الواقع أثبت، أن "الإسلام الأسود الإيراني" الخرافي/ الأسطوري ظلّ باقيًا في إيران كمُعبِّر عن الجمود الديني والتطرف لفترة طويلة من الزمن، حتى أن بعض المحللين الإيرانيين اعتبروا أن الاحتجاجات التي رافقت انتخابات نجاد في 2010م كانت في الواقع معركة بين "الإسلام الأخضر" الذي يُنادي بالتجديد و"الإسلام الأسود" الذي تجمّدت إيران في قوالبه طوال العقود الأخيرة.
الإسلام الأسود (springer)
الإسلام الأسود في أمريكا: نبذ الراديكالية (Washington Institute)
إندونيسيا موطن “الإسلام الأخضر” (PRI)
الإسلام والنظام الدولي – (مركز الشرق للدراسات السياسية)