مع ظهور سلالات جديدة من فيروس كورونا ظهر تشكيك عالمي في مدى فعالية اللقاحات ضد التحورات الجديدة أولًا، ثم في المدى الزمني الذي قد تمنحه لقاحات كورونا، خصوصًا مع التوصيات المتراكمة بحصول متلقي التطعيم على جرعة ثالثة.
الشكوك تضاعفت لأن دولة مثل إسرائيل تشهد حاليًا واحدة من أسوأ حالات انتشار كوفيد 19 في العالم بعد حوالي خمسة أشهر من تطعيم غالبية سكانها.
وهنا ظهرت أسئلة من نوع: إلى متى تستمر المناعة بعد جرعتين من اللقاح؟ ستة أشهر مثلًا؟ وعند هذه النقطة، ما مقدار المناعة المتبقية؟
المفاجئ أن الدراسات العلمية تسير في الاتجاه المعاكس تمامًا لما نراه بأعيننا. تقول إن لقاحات كورونا تمنح حماية طويلة الأمد، تستمر لسنوات وربما أطول!
إن كان الأمر بهذه الصورة؟ فلماذا تعود الإصابة لمتلقي اللقاحات؟ يقول العلماء إن الأزمة في الميديا التي لم تشرح بدقة كيف تعمل اللقاحات وما المقصود بالمناعة.
س/ج في دقائق
لماذا تبقى احتمالات الإصابة قائمة بعد تلقي لقاح كورونا مباشرة؟
بعد تلقي جرعتي لقاح كورونا مباشرة، يبدأ الجهاز المناعي في العمل وتصنيع الأجسام المضادة.
هذه الأجسام المضادة تشبه إلى حد ما الرماة على أسوار القلعة، حيث تنتشر في بطانة الأنف والحلق كخط دفاع أمامي؛ استعدادًا للدخول في معركة في فيروسات كورونا التي تحاول اختراق خلايا النسيج الأنفي
يمكن لهذه الأجسام المضادة أن تمنع فيروسات كورونا من دخول الخلايا وإنشاء مصنع للفيروسات داخلها.
لكنها تكون مجرد حفنة أولية ضعيفة بعض الشيء، أو بوصف عالمة المناعة الحيوية في جامعة أريزونا، ديبتا باتاتشاريا، لا تكون متينة بالدرجة الكافية، ولا مدربة بشكل كامل على الدخول في معركة مع فيروسات كورونا.
لذلك، قد لا تنجح في الصمود أمام العدوى، خصوصًا إن كانت الفيروسات المهاجمة أكثر كثافة كما في حالة متغير دلتا الذي يتمكن غالبًا من تخطي الجدار الأولي للأجسام المضادة. لكن مستوى الاختراق لا يكون دراماتيكيًا على الأغلب.
بعد تلقي الجرعة الثانية من لقاح كورونا بحوالي شهر، يصل عدد الأجسام المضادة في الدم إلى ذروته ثم يبدأ في الانخفاض.
دراسة نشرتها مجلة نيتشر في يونيو 2021 كشفت أن الأجسام المضادة نفسها تتحلل، أو تخوض معركة خاسرة مع خلايا الجسم التي تتعامل معها باعتبارها عدوا دخيلا.
لا تقلق. هذا ليس غريبًا. الأمر متكرر مع كل اللقاحات، وبينها الأنفلونزا أو الحصبة؛ إذ تمر دورة الاستجابة المناغية بمرحلة ارتفاع شديد، ثم انخفاض حاد، قبل أن تصل إلى مرحلة الحضيض الأكثر استقرارًا، والذي يعول عليه في التعامل مع الهجمات الفيروسية التالية.
لا. العكس تمامًا. أثبتت الدراسات أن مناعة بعض أنواع اللقاحات تدوم طويلًا. لسنوات وربما أطول. كيف؟
بينما تحرس الحفنة الأولى من الأجسام المضادة، الجهاز التنفسي، لا يبقى الجهاز المناعي مكتوف الأيدي، بل ينشغل بتدريب أجسام مضادة أفضل.
بعد الجرعة الثانية، يُنشئ الجهاز المناعي ما يشبه مركز التدريب في العقد الليمفاوية لتعليم الخلايا كيفية صنع أجسام مضادة أكثر قوة. بمرور الوقت، تتحسن جودة الأجسام المضادة، ليتطلب الأمر عددًا أقل بكثير من تلك الأجسام المضادة الجديدة للحماية من العدوى.
هذه الأجسام المضادة تصبح معززة ضد هجمات خلايا الجسم؛ إذ تعزل نفسها في الغدة الليمفاوية، لذلك ينتج كمية هائلة من الأجسام المضادة شديدة القوة.
تتعلم خلايا الأجسام المضادة شيئًا جديدًا في الغدة الليفاوية، وهو القدرة على الاستمرار في الحياة.
بعد حوالي ستة أشهر من التطعيم، تدخل الخلايا المنتجة للأجسام المضادة إلى نخاع العظم، وهناك يمكنها العيش لعقود، وربما حتى مدى الحياة، وتستمر في إنتاج الأجسام المضادة طوال الوقت.
في دراسة 2008، حدد الباحثون الأجسام المضادة التي يمكن أن تحيد إنفلونزا 1918 في دم الأشخاص الذين تعرضوا للفيروس قبل 90 عامًا.
هذه الخلايا، التي تسمى خلايا البلازما طويلة العمر، ستضخ على الأرجح أجسامًا مضادة في الدم لعقود، مما يمنح الناس بعض الحماية المستمرة وطويلة الأمد ضد كورونا.
ورغم تراجع إنتاجها مع الوقت، تبقى مستعدة للدفاع ضد العدوى، إذ تبطئ تكاثر الفيروس حتى تأتي التعزيزات المناعية.
وفق العديد من الدراسات، لا يكتفي الجهاز المناعي بتدريب رماة أفضل (الأجسام المضادة) ولا إنشاء المصانع لإنتاجها (خلايا البلازما)، بل يبدأ تدريب ما يعادل جنود المشاة (خلايا الذاكرة B وخلايا الذاكرة التائية) والذين يعملون إلى حد كبير كنظام مراقبة، بحثًا عن خلايا أخرى مصابة.
هذه الخلايا تقوم بدوريات في كل مكان، للتحقق من احتمالية إصابة خلية ما بالفيروس.
لا يمكن لجنود المشاة هؤلاء منع العدوى من الحدوث أصلًا. لكن يمكنهم إيقاف الإصابة بسرعة بمجرد حدوثها، كما تقول عالمة المناعة جينيفر جومرمان من جامعة تورنتو.
بعد كل ذلك.. لماذا لم تمنع لقاحات كورونا إصابة المطعمين؟
قلنا أن احتمال الإصابة يبقى قائمًا في الفترة الأولى بعد التطعيم.
الفترة الثانية التي يحتمل فيها الإصابة هي فترة ضعف المناعة “فترة تراجع الأجسام المضادة بشكل حاد قبل الاستقرار في الحضيض” خصوصًا حال تزامن مع متحورات أعلى من الفيروس كما حدث مع متغير دلتا الذي يهيمن على العديد من دول العالم حاليًا.
مع ذلك، تكون العدوى بين الخفيفة والمعتدلة عمومًا؛ لأن الجهاز المناعي لا يبدأ من نقطة الصفر. هذا يعني أن الأعراض ستكون أقل على الأغلب، واحتمالات الحاجة لدخول المستشفى أقل بكثير.
ويؤكد الخبراء أن الأشخاص الذين تلقوا لقاحات كورونا أقل عرضة للإصابة بالعدوى مجددًا، وأقل عرضة للإصابة بأعراض شديدة بحوالي 25 مرة من غير الملقحين.
تقول جومرمان إن هذا ما صُممت اللقاحات من أجله أصلًا؛ ليس منع العدوى، بل تدريب الجهاز المناعي على التعامل معها إن حدثت، معتبرة أن لقاحات كورونا تؤدي هذا الغرض بشكل جيد للغاية.