بعد قراره باستدعاء الحرس الوطني لاستعادة النظام في الشارع الأمريكي بعد الاحتجاجات وأعمال العنف في أعقاب مقتل جورج فلويد، طالت الرئيس دونالد ترامب اتهامات بتعريض حيادية الجيش للخطر، ومخالفة أعراف وتقاليد المجتمع الأمريكي والخروج عن الدستور والقوانين.
فهل خالف ترامب القانون؟ وهل يمكن للجيش الأمريكي حسم المشهد؟ ولماذا يحتفي اليسار حول العالم – خصوصًا في الشرق الأوسط – بما يحدث في الولايات المتحدة؟
🔊 ضيوفنا في مناظرة دقائق لهذا الأسبوع:
🎙نهى بكر – أستاذة العلوم السياسية بالجامعة الأمريكية
🎙طارق فهمي – أستاذ العلوم السياسية بجامعة القاهرة
🎙حيدر عبد الواحد راشد – كاتب ومحلل سياسي
🎙الدكتور عمار علي حسن – باحث في العلوم السياسية
المناظرون
(4)
ترامب متهم
نهى بكر - أستاذ العلوم السياسية بالجامعة الأمريكية
طبقًا للدستور، من حق ترامب استدعاء الجيش والحرس الوطني لحماية الأمن القومي. لكن في الوقت نفسه، لا بد أن يوافق حاكم الولاية أولًا. إذا لم يوافق حكام الولايات فلا قانونية أو دستورية في فكرة استدعاء الجيش الأمريكي. ورأينا أن كثير منهم رفض هذا التوجه من الأساس.
وفيما يخص الخطوات التي قطعت في سبيل إعادة
ترامب متهم
نهى بكر - أستاذ العلوم السياسية بالجامعة الأمريكية
طبقًا للدستور، من حق ترامب استدعاء الجيش والحرس الوطني لحماية الأمن القومي. لكن في الوقت نفسه، لا بد أن يوافق حاكم الولاية أولًا. إذا لم يوافق حكام الولايات فلا قانونية أو دستورية في فكرة استدعاء الجيش الأمريكي. ورأينا أن كثير منهم رفض هذا التوجه من الأساس.
وفيما يخص الخطوات التي قطعت في سبيل إعادة حق جورج فلويد، مثل توجيه تهمة القتل من الدرجة الثانية واعتذار الشرطة، يمكن اعتبارها كافية فعلًا. لكنها كافية فيما يتعلق بالنظام القضائي.
المشكلة ليست في النظام القضائي، بل الجهة التنفيذية هناك، والممثلة في أحد أطرافها ترامب. أنا أرى أن ترامب مخطئ على الأقل بخطابه الانقسامي والذي يساهم في تعزيز الانقسام داخل المجتمع الأمريكي. كان يمكن تدارك الأزمة لو غير خطاباته، والتي تأتي في ظل أزمات أخرى يعاني منها الأمريكيين كجائحة كورونا.
ترامب متهم بمحاولة تأجيج الأحداث في محاولة لكسب تأييد الشارع، ولإظهاره في مظهر حامي حمى أمريكا. لكن الديمقراط من ناحيتهم “يصطادون في الماء العكر” ومحاولة كسب أرضية بالانتخابات المقبلة. من مصلحتهم أن تظل الأحداث مشتعلة. أي فجوة هنا أو هناك في السياسة الأمريكية أو خارجها، سيسعى الطرف الآخر لملئها، وهو ما يفسر سبب تأييد اليسار في المنطقة والعواصم الأوروبية للأحداث وما يفعله اليساريين في أمريكا. ويتم ذلك سواء عن طريق أحزاء أو منظمات فوضوية أو أي وسيلة ممكنة.
الجيش الأمريكي مسؤول عن حفظ النظام كأي مؤسسة أخرى من مؤسسات الأمن في الولايات المتحدة. ولما فعله ترامب سند قانوني راسخ يتمثل في Insurrection Act الذي شرعه توماس جيفرسون عام 1807، واستخدم لعشرات المرات — كانت أبرزها حملة يوليسيس غرانت ضد حركة KKK (التي كانت تعتزم شن هجمات ضد العبيد المحررين، وض
الديمقراط أصحاب المصلحة
حيدر عبد الواحد راشد - محلل وكاتب
الجيش الأمريكي مسؤول عن حفظ النظام كأي مؤسسة أخرى من مؤسسات الأمن في الولايات المتحدة. ولما فعله ترامب سند قانوني راسخ يتمثل في Insurrection Act الذي شرعه توماس جيفرسون عام 1807، واستخدم لعشرات المرات — كانت أبرزها حملة يوليسيس غرانت ضد حركة KKK (التي كانت تعتزم شن هجمات ضد العبيد المحررين، وضد أعضاء حزبه الذين ساهموا في تحريرهم).
لكن السؤال الحقيقي هو: هل بات بإمكاننا أن نسمي هذه الأحداث التي تجري الآن مظاهرات؟ هناك أصوات إطلاقات نارية وتحطيم زجاج أكثر من صرخات التنديد أو جوقات الاحتجاج.
وبخصوص الخطوات التي قطعت في القضية مثل توجيه تهمة القتل واعتذار الشرطة، فالقضاء الأمريكي حساس جدا في الجرائم العنصرية أو التي يروج أنها ذات طابع عنصري. انظر كيف عالجوا قضية زيمرمان وتريفون مارتن، رغم الأدلة الواضحة على أن زيمرمان كان يدافع عن نفسه.
أضف إلى ذلك أن مدينة منيابوليس ميالة إلى تشجيع التعددية والتنوع العرقي، وهو ما يتضح في هوية زملاء الضابط شوفين — مما يطعن بقوة في زعم أن الحكومة المحلية تتساهل مع اعتداءات الشرطة البيض. لكني أظن أن الضابط لن يدان بالقتل من الدرجة الثانية، نظرًا لما تفتقت عنه نتائج التشريح من كون جورج فلويد مصابًا بكوفيد-19 وكذلك في حالة سكر بين حين قام الضابط بتطويقه.
وصاحب المصلحة هنا الحزب الديمقراطي وقنواته الإعلامية بكل وضوح. بعد أن أفلسوا من إلصاق أي تهمة تذكر بترامب، وارتداد قضية أوكرانيا عليهم لتصبح فضيحة ضد جو بايدن وابنه هانتر، عادوا إلى اللعب الصريح على الوتر العرقي — كما في تصريح بايدن الحديث “إن لم تصوت لي فأنت لست أسود.” أضف إلى ذلك أن إدارة ترامب كانت على وشك فتح تحقيق رسمي في قضية “أوباما غيت”، التي تتحدث عن استغلال الرئيس السابق باراك أوباما لصلاحيات وكالات التجسس ضد خصومه السياسيين ومنافسيه في الانتخابات، وبالخصوص ضد دونالد ترامب. هناك الكثير من الأسماء التي لا تود خروج هذه النتائج إلى العلن.
اليسار في الشرق الأوسط وشمال أفريقيا أصبح في أعقاب انهيار الاتحاد السوفيتي وافتضاح حصاد الشيوعية البائس، مجرد خزان لنقمة الطبقة المتعلمة العربية على الشعوب الغربية المهيمنة (وعلى رأسها الولايات المتحدة). ولهذا فهو يؤيد أي تصرف داخلي أو خارجي يؤدي إلى الإضرار بتلك الهيمنة (حتى لو كان أمرًا لا يهمه أو يؤثر فيه مباشرة، كوصول ناقلات النفط الإيرانية إلى فنزويلا!). لكنهم لو أمعنوا النظر في أوضاعنا الداخلية، فسيسهل عليهم اكتشاف أن مشكلاتنا الكبرى من صنع أيدينا نحن، وإن كان للغرب فيها دور فهو ثانوي فقط. أما اليسار الأوربي فما يزال يعالج التفاعلات الاجتماعية من منظور الكتل الجامدة التي تخوض الصراع وكأنها معسكرات موحدة. صحيح أنه تخلى عن الإطار الطبقي التقليدي واستوعب بدلا منه أبعادا إثنية وأقلية جديدة (متأثرا بغرامشي وفرانز فانون)، لكنه ما يزال يراهن على الهزيمة النهائية للرجال البيض المقتدرين ماليا (الذين اعتبرهم تيودور أدورنو مثلا سرطانا في المجتمع). وقد وصل الأمر بهم مرحلة أن يخرجوا في مظاهرات مؤيدة لما يحصل في أمريكا، دون أن يسأل أحدهم نفسه: ضد من أخرج بالضبط؟
ترامب لا يستطيع توظيف الحرس الوطني أو الجيش دون موافقة حكام الولايات، ما يعني أن تهديداته مجرد كلام فارغ، وحديثه عن ضرورة وجود قانون سريع يمرر عبر الكونجرس يتيح له إنزال الجيش إلى الشوارع دون موافقة حكام الولايات، لا يراعي القانون أو تقاليد المجتمع الأمريكي، وما يعد جزءًا من أداء ترامب وسلوكياته الم
توحش رأسمالي
الدكتور عمار علي حسن، باحث في العلوم السياسية
ترامب لا يستطيع توظيف الحرس الوطني أو الجيش دون موافقة حكام الولايات، ما يعني أن تهديداته مجرد كلام فارغ، وحديثه عن ضرورة وجود قانون سريع يمرر عبر الكونجرس يتيح له إنزال الجيش إلى الشوارع دون موافقة حكام الولايات، لا يراعي القانون أو تقاليد المجتمع الأمريكي، وما يعد جزءًا من أداء ترامب وسلوكياته المرفوضة.
ويخالف ذلك حتى تقاليد الجيش الأمريكي، والذي لا بد له أن يوافق مبدئيًا على القرار. ورأينا في الماضي آراء وزارة الدفاع فيما يوجه إليها من أوامر، وهي آراء تؤخذ دائمًا في الاعتبار، لكن طريقة استدعائه على نمط ما يحدث في العالم الثالث ليس من السهل تحقيقه في دولة كالولايات المتحدة.
المجتمع الأمريكي يرى أن ما حدث لجورج فلويد، بمثابة الطلقة الكاشفة لسلوكيات وتصرفات متراكمة عبر السنين تنم عن تعشش العنصرية في قلوب ونفوس وعقول العرق الأبيض داخل الولايات المتحدة، سواء حيال الأمريكيين الأفارقة أو العرب أو الاسيويين، ولا أرى أن اعتذار الشرطة الأمريكية أو تحويل المتهمة للمحاكمة كافيًا لوقف الأحداث.
المسألة ليست مسألة اعتذار. المسألة تحتاج إلى علاج جذري. لا بد من معالجة قضية العنصرية فكريًا ونفسيًا واجتماعيًا. ويجب أن نبدأ من خطاب ترامب العنصري نفسه. هو خطاب لابد أن يختفي، وأن يكون هناك إيمان حقيقي من المسؤولين الأمريكيين بأهمية وحقيقة المساواة، وأيضًا في الدساتير والقوانين.
لا أرى أن اليسار الأمريكي أو الديمقراط متهمون بأي حال فيما يحدث. اليسار الأمريكي يسار ضعيف، وأرى أن ما يحدث ضده في غاية القسوة، وما يحدث من عنف وتأجيج هو رد فعل طبيعي لطريقة وتصرفات تراكب في الإدارة، ترامب بدا كوحشي أكثر من كونه رئيس، وإجراءاته عظمت من اليمين المتطرف، وبالتالي ما يحدث حاليًا هو رد فعل على ذلك.
ومن الطبيعي أن يتزعم اليسار الأحداث في تلك اللحظة. اليسار لديه تصور أن “التوحش الرأسمالي” في طريقه إلى الإفلاس، وكما ترقبت الرأسمالية اللحظة التي تفشل فيها الشيوعية، تترقب الشيوعية اللحظة التي تفشل فيها الرأسمالية حاليًا، ومن الطبيعي أن تكون مبتهجة للتصدع الذي أصابها في أمريكا.
باختصار، ما يحدث في أمريكا ليس تعبيرًا عن أداء أو قرار أو تصرف شرطي، إنما تعبير عن حالة التوحش الرأسمالي وفشل المجتمع الأمريكي في تحقيق قيم الحرية و المساواة والكرامة التي رفعتها الليبرالية.
خطوة ترامب باستدعاء الجيش والحرس الوطني لا تخالف القانون، وهي من الصلاحيات الدستورية التي منحت إليه. من يقول إنه يخالف القوانين لا يعلم شيئًا بطبيعة الحال عن الدستور الفيدرالي الأمريكي الذي يمنح ترامب كامل الصلاحية في خطوه مماثلة.
الجدل حول نزول الجيش من عدمه والجدل حول تهديد حيادية الجيش من عدمه، ي
محاولة لتسييس الأحداث
طارق فهمي - أستاذ العلوم السياسية بجامعة القاهرة
خطوة ترامب باستدعاء الجيش والحرس الوطني لا تخالف القانون، وهي من الصلاحيات الدستورية التي منحت إليه. من يقول إنه يخالف القوانين لا يعلم شيئًا بطبيعة الحال عن الدستور الفيدرالي الأمريكي الذي يمنح ترامب كامل الصلاحية في خطوه مماثلة.
الجدل حول نزول الجيش من عدمه والجدل حول تهديد حيادية الجيش من عدمه، يشير إلى أن هناك من يحاول تسييس المشهد.
ما يدور يمكن اعتباره مشكلة خاصة بالعنصرية تصاعدت، يتم استغلالها للتأكيد على أن الرئيس ليس عسكريا، وهي جزء من حالة الانقسام داخل الأجهزة المعلوماتية الأمريكية والتي بدأت منذ تولي ترامب الحكم وتزداد الآن.
الأطراف الأخرى التي تستغل المواجهة لصالحها يمكن التقليل من أثرها، يمكن السيطرة على أدواتها _منظمة أنتيفا_ بسهولة، بإدراجها على قوائم الإرهاب كما قال ترامب. أما الحركات اليسارية سواء في الشرق الأوسط أو العواصم الأوروبية، لا يهمها الأزمة أو قضية العنصرية بقدر استغلال البعد اليساري فيها لصالح الصدامات مع الأحزاب المناوئة في بلدانهم.