ينقسم التاريخ المصرى القديم الي عصرين شاملين: عصر ما قبل التاريخ والعصر التاريخي.
في عصر ما قبل التاريخ، بدأ استقرار المصرى الأول في وادى النيل ( حوالي 6,000 ق.م ) حين عرف الزراعة، واستأنس الحيوان، واستقر في مجتمعات صغيرة متعاونة، فتقدمت حضارته وتكونت في مصر دولتان،
الدلتا والصعيد ما لبثا أن اتحدا سنة 3,100 ق.م. تحت سلطة مركزية يرأسها الملك وكان ذلك بفضل (مينا) موحد القطرين.
أما في العصر التاريخى عُرفت الكتابة وتبلورت مظاهر الدين والفن، وينقسم هذا العصر التاريخي الي 30 أسرة ملكية وثلاث دول، نعمت مصر خلالها بحكومة مركزية قوية كما مرت بفترات اضمحلال وتفكك.
يطلق على عصر الأسرتين 1-2 العصر العتيق، وهو الذي تم فيه إقرار الوحدة السياسية وإرساء أسس الحضارة المصرية على قواعد صلبة.
بعد ذلك تأسست الدولة القديمة، وشملت الأسر من 3-6 ( حوالي 2690 - 2180 ق.م ) وهو عصر الأمن الداخلي الكامل، حيث تمكنت مصر أن تصل إلي قمة مجدها في علوم الطب والفلك والهندسة وهو عصر بناة الأهرام.
لكن تبع الدولة القديمة عصر اضمحلال شمل الأسرة من 7- 10 ( حوالي 2180 - 2060 ق.م )، فسادت الفوضى وعمّ الاضطراب وانحدر الفن ولكن ازدهر الأدب، وتمكن أمراء واست (طيبة بالتسمية اليونانية أو الأقصر بالتسمية العربية) من توحيد البلاد مجددًا ليشكلوا الدولة الوسطى فيما بعد.
في العقد الماضي، كشفت البيانات المناخية أن الجفاف الشديد طويل الأمد أصاب المنطقة خلال نفس الفترة، مما وفر دليلًا على محفز بيئي أدى إلى ما كان يُعتبر لفترة طويلة عصرًا مظلمًا من التاريخ المصري.
لكن عددًا من علماء المصريات يجادلون بأن قصة الجفاف الذي أدى إلى انهيار مجتمعي مفاجئ لا تصدق، يقول توماس شنايدر، أستاذ علم المصريات بجامعة كولومبيا البريطانية إن رأي الأغلبية اليوم هو أن المملكة القديمة لم تنته فجأة.
يقول شنايدر وآخرون إن الإجهاد المناخي أثر على أجزاء مختلفة من مصر بطرق مختلفة ولكن ليس بالشكل الذي تحدث عنه الباحثون مسبقًا، ولذلك يطالب بالابتعاد عن التفسير المناخي لهذا الانهيار.
السنوات الأخيرة من المملكة القديمة تميزت بتدهور اقتصادي وانهيار في نظام الحكم المركزي، لتلعب التغيرات في تدفق النيل على الأرجح عاملاً مهمًا، حيث توقف بناء المباني الأثرية مثل الأهرامات والمعابد الكبيرة لحوالي قرنين من الزمان.
تشير رسومات ونقوش المقابر إلى أن البيئة أصبحت أكثر جفافاً في نهاية عصر الدولة القديمة، حيث اختفت بعض النباتات وزحفت الكثبان الرملية للقرب من حرم النهر، حيث تؤكد البيانات المأخوذة من حوض النيل أن المناخ بدأ في الجفاف حوالي عام 2200 قبل الميلاد.
لكن شنايدر يجادل بأن تأثير الجفاف كان تدريجيًا بما يكفي بحيث تكيف المجتمع دون اضطرابات كبيرة، حيث انتقلت السلطة ببطء من الحاكم وعاصمته في ممفيس إلى قادة المقاطعات، الذين كان لزامًا عليهم التصرف في هذه الأزمة بشكل أسرع من انتظار قرار الحاكم البعيد.
يستند جزء كبير من التفسير القديم لأسباب زوال المملكة القديمة، وما يسمى بعصر الاضمحلال الأول، على نص يسمى "عتاب إيبوير" الذي يحكي قصة مجتمع في حالة اضطراب.
جاء في أحد المقاطع: في كل مكان هلك الشعير وجُرد الرجال من الملابس والتوابل والزيت، والجميع يقول:" لا يوجد شيء، والمخازن فارغة وحراسها ممددون على الأرض.
يأسف إيبوير أنه بدلاً من وجود حاكم حكيم يسيطر على الأرض، يفرض عامة الناس سلطتهم بوقاحة، وتسود الفوضى.
لكن شنايدر يشير إلى أن أقدم نسخة معروفة من هذا النص تعود إلى حوالي 800 عام بعد الأحداث التي يدعي وصفها، وأن هناك نصا آخر يذكر الغزوات الأجنبية، لكن هذا كتب بعد ستة قرون.
يعتقد العديد من العلماء أن هذه النصوص كانت جزءًا من أدب المبالغة لدعم قوة ملوك الدولة الوسطى من خلال إخافة المواطنين بقصص العواقب الوخيمة للحياة دون سيطرة مركزية صارمة، وهو موروث استمر في مصر حتى الآن.
يقول باري كيمب، عالم الآثار بجامعة كامبريدج: كان المصريون أنفسهم مفتونين بأدب الانهيار، ويضيف أن النصوص لا تبدو أنها سجلات لأحداث فعلية.
تقول نادين مولر، عالمة الآثار بجامعة شيكاغو، إنه لا توجد أي علامة على حرب أهلية خلال هذا الوقت في السجل الأثري.
وتشير إلى أن هناك أدلة على أن البلاد ظلت موحدة سياسيًا بعد فترة طويلة من عصر بيبي الثاني، الذي يُعتبر تقليديًا آخر ملوك الدولة القديمة.
يلاحظ شنايدر أن النظام المالي ظل قائمًا وأن سلطة الحاكم كانت لا تزال معترفًا بها من دلتا النيل إلى أسوان بعد قرن أو نحو ذلك من بيبي الثاني - حتى لو كانت تلك السيطرة اسمية.
في صعيد مصر، وجدت مولر أن العصر الذي أعقب تراجع المملكة القديمة كان عصرًا "ديناميكيًا ثقافيًا للغاية" حيث توسعت وازدهرت بلدات ومدن مثل تل إدفو ودندرة، وربما كانت هناك زيادة إجمالية في عدد السكان.
كما لا يوجد دليل مادي على انتشار نقص الغذاء، تقول كورين دوهيج، عالمة الآثار في جامعة كامبريدج، إن دراساتها عن الهياكل العظمية من عصر الاضمحلال الأول لا تظهر عليها علامات المجاعة، كما أنها لم تجد زيادة في الموت العنيف بين الرفات البشرية التي فحصتها.
يقول كيمب إن هناك بعض الأدلة على القتال بين الجيران في صعيد مصر حيث أصبحت السلطة أكثر لامركزية، لكن الحجم ربما كان متواضعًا.
وتشير تحليلات التأريخ الجديدة إلى أن الفترة الفاصلة بين المملكتين ربما كانت أكثر من قرن بقليل - أقصر بكثير مما كان يعتقده علماء المصريات، كما يقول شنايدر. بعبارة أخرى، ربما كان الانفصال بين الممالك أقصر وأقل صدمة مما كان يُعتقد سابقًا.
القطعة المفقودة في لغز سقوط المملكة القديمة هي نقص المعلومات عن الوجه البحري، المنطقة الأقرب إلى مصب النيل والتي كان من الممكن أن تتأثر بالتغيرات في الفيضان السنوي أكثر من صعيد مصر.
تشير سارة باركاك، عالمة الآثار في جامعة ألاباما في برمنجهام، إلى أن الافتقار إلى البيانات الجيدة لجميع أنحاء مصر يجعل من الصعب الحكم على تأثير الجفاف.
تشكو باركاك من أن بعض علماء المصريات لا يبدو أنهم يرجحون العوامل البيئية التي تسبب الانهيار، مضيفًا أنه لا يمكنك المجادلة مع البيانات العلمية الصعبة، لكنها تقر بأن فهم كيفية تأثير تغير المناخ على مجتمع كبير ومعقد مثل مصر القديمة لا يزال من الصعب الحكم عليه.