الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي يؤكد أن حصة مصر من النيل “خط أحمر”. مصر تعاني من ندرة المياه أصلًا. وسد النهضة الذي يحتاج لملء 74 مليار متر مكعب سيضاعف المأساة.
هنا تظهر احتمالات الحل العسكري حال تمسك إثيوبيبا بتعطيل التفاوض. عند مرحلة معينة، قد تجد القاهرة أن مخاطر الهجوم العسكري على سد النهضة أقل بكثير من مخاطر تقليص حصتها من مياه النيل بما شأنه أن يؤثر سلبا علىى الحياة في البلاد، ومن المحتمل أن يزعزع استقرارها.
يرى المركز العربي في واشنطن أن مصر ستجد نفسها أمام 3 خيارات إذا فكرت في عمل عسكري مباشر ضد سد النهضة: هجوم بري، أو ضربة جوية، أو عملية للقوات الخاصة.
من غير المرجح أن تدعم إدارة جو بايدن في واشنطن حكومة القاهرة في عمل عسكري ضد أديس أبابا. إثيوبيا تعول على ذلك.
لكن يونايتد وورلد داتا تقول إن شبكة تحالفات مصر قد تعطيها ميزة تنافسية حال الوصول لمرحلة الحسم العسكري.
س/ج في دقائق
ما الخطر الذي يحمله سد النهضة على مصر؟
تعاني مصر من ندرة المياه “الاحتياجات تفوق الحصة” مع استمرار زيادة السكان بنسبة تقارب 2% سنويًا.
فوق ذلك، يحتاج سد النهضة لملء 74 مليار متر مكعب، ليقلص حصتها القليلة أصلًا؛ إذ يخفض إمدادات المياه بـ 10% على مدى ست سنوات، بما قد يدمر قدرًا كبيرًا من الزراعة على طول نهر النيل.
الضرر قد يكون أقل في الصعيد حيث يفترض أن يؤمن سد أسوان حصص المياه لفترة أطول نسبيًا، لكن منطقة الدلتا ستكون الأكثر تضررًا، مما قد يؤثر بشكل مباشر على 7-10 ملايين مصري.
تقليص المجتمع الزراعي، دون مصدر بديل للعمالة، قد يضاعف الضغوط الاجتماعية والاقتصادية، وبالتالي يزعزع الاستقرار.
روبرت بيسلينج، المدير التنفيذي لشركة استشارات المخاطر السياسية EXX Africa، يقول إن مصر قد تجد نفسها أمام أزمة في غضون عامين تقريبًا عندما تتعطل تدفقات المياه.
هل الخيار العسكري وراد في استراتيجية التعامل المصري مع الأزمة؟
الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي حذر، في 30 مارس 2021، من أن أي محاولة لأخذ “قطرة من مياه مصر” سيكون لها تأثير مزعزع للاستقرار على المنطقة بأسرها.
التحذير الذي أطلقه السيسي، خلال احتفال بإعادة فتح قناة السويس بعد تحرير السفينة الجانحة إيفر جيفن، صحبته الإشارة إلى أنه لا يصدر تهديدات، وأن مصر لا تزال تأمل في الوصول إلى اتفاق ملزم قانونًا بشأن ملء وتشغيل سد النهضة.
لكنه أضاف: “في الوقت نفسه، إذ أراد أي طرف أن يأخذ قطرة من مياه مصر فليحاول”، مستخدمًا تعبيرًا دارجًا: “اللي عايز يجرب يجرب”.
بينما بدأت إثيوبييا بناء سد النهضة، روجت دوليًا رواية مفادها أن مصر “وريثة المستعمرين” تسعى لاحتكار النيل دون مراعاة مصالح دول المنبع التي تعاني من شح الموارد، بحسب الباحثين الإثيوبيين محمود تيكويا (جامعة المحيط الهادئ) ومقدلاويت ميسي دريبي (جامعة فلوريدا الدولية).
في يوليو 2020، قال روبرت بيسلينج، المدير التنفيذي لشركة استشارات المخاطر السياسية EXX Africa، إن مصر لا تحتاج للتصرف بعدوانية؛ باعتبار أن سد النهضة لن يمتلئ إلا في غضون خمس سنوات على الأقل، وربما لفترة أطول بكثير. واعتبرت مجموعة الأزمات الدولية أن لجوء مصر للخيار العسكري “غير واقعي” باعتباره سيترك القاهرة معزولة عالميًا، وستجعل الاتفاق مع إثيوبيا مستقبلًا مستحيلًا، وسيدفعها لإعادة البناء على الفور”.
هنا، فضلت مصر إمضاء وقت كاف لتقديم رواية مغايرة أولا، وهو ما وصفته بلومبرج بـ “اللعب على البارد”: فضلت استراتيجية الدبلوماسية – التزمت الصمت – اختارت التفاوض، لتبدو أكثر حكمة وتمسكًا بتخفيف التوتر، بينما إثيوبيا تتعنت وترفض تقدم أي ضمانات طلبتها مصر وفق قواعد الأنهار الدولية.
انعكست السردية عاليمًا، وبدت إثيوبيبا باعتبارها الطرف المتمسك بالتحركات الأحادية.
ريجاوي بيرهي، المدير العام لتنسيق المشاركة العامة لبناء سد النهضة اعترف بالنتيجة. قال إن إثيوبيا تتعرض لضغوط شديدة مؤخرًا بسبب النفوذ الدبلوماسي المصري طويل المدى “بعدما سيطرت القاهرة على السردية الدبلوماسية على المؤسسات الدولية”.
وقال الباحث بجامعة أديس أبابا دانيال كيتاو إن مصر “عملت بجد ونجحت في منع مختلف أشكال الدعم المالي”.
لماذا كان تغيير السردية مهمًا قبل التلويح العسكري؟
مبدأ “مسؤولية الدولة” الذي أقرته الأمم المتحدة في 2001 ينص على مساءلة أية دولة تنتهك التزاماتها الدولية “ولو كان الانتهاك مشروعًا وفق قوانينها الداخلية”.
نفس المبدأ يمنح الشرعية لـ (أو ينفي عدم المشروعية عن) تدابير الدفاع عن النفس أو التدابير المضادة لسلوك غير مشروع.
ووفق اتفاقية 1929، تملك مصر قانونًا حق الفيتو حال إنشاء مشروعات على النهر وروافده تقلص حصتها من المياه.
تجادل أديس أبابا بأن المعاهدة بلا قيمة لأنها وقعت في الحقبة الاستعمارية، وأن إثيوبيا لم تكن طرفًا فيها. لكن إثيوبيا نفسها وقعت اتفاقية مع السودان 1902 ألزمتها بعدم إنشاء أي عمل عبر النيل الأزرق يوقف تدفق مياه النيل.
ولم توقع الدول الثلاث اتفاقية جديدة لتحل محل المعاهدات الموقعة خلال الحقبة الاستعمارية بما يوقف سريانها دوليًا. حتى إعلان المبادئ 2015 اشترط الاتفاق على الملء الأول للسد “وهو ما لم تلتزم به إثيوبيا”، وعدم الإخلال بحق دولتي المصب في مياه النيل.
نجح ترامب في إبرام اتفاق مبدئي يتضمن خارطة طريق تراعي المخاوف المصرية. لكن إثيوبيا رفضت التوقيع في اللحظات الأخيرة. ترامب لمح حينها إلى أن مصر قد تضرب سد النهضة عسكريًا، وأوقف المساعدات الأمريكية إلى إثيوبيا.
بوصول جو بايدن إلى البيت الأبيض، أنهى ربط تعليق المساعدات الأمريكية إلى إثيوبيا بتطورات سد النهضة، ونقله إلى ملف الحرب في تيجراي.
2- قرار الملء الثاني:
أعلنت إثيوبيا إنها لن تتنازل عن بدء المرحلة الثانية من ملء السد (بطاقة 13.5 مليار متر مكعب) في يوليو 2021، بشكل أحادي، في ما تقول مصر والسودان إنه تهديد مباشر لأمنهما القومي.
السودان تحذر من أنها تهدد سلامة سد الروصيرص “على بعد 40 كم من سد النهضة” بما يعرض حياة 20 مليون سوداني يعيشون في محيطه للخطر، ويقطع إمدادات مياه الشرب وتوليد الكهرباء عن السودان عمومًا.
بينما يحذر وزير الموارد المائية المصري محمد عبد العاطي من أن كفاءة سد إثيوبيا الإنشائية لا تتجاوز 30%.
بحسب المركز العربي في واشنطن، أمام مصر 3 خيارات إذا قررت شن عمل مباشر ضد سد النهضة:
1- هجوم بري:
القوات البرية المصرية تتفوق بشكل هائل على نظيرتها الإثيوبية. لكن أي هجوم بري ضخم يواجه عقبات سياسية ولوجستية تتعلق بإيجاد كيفية لنقل أعداد هائلة من القوات إلى حدود إثيوبيا.
الخطوة تحتاج إذنًا من السودان “وقعت اتفاقية تعاون عسكري مع مصر” أو إريتريا “تحالفت مع آبي أحمد في هجوم تيجراي”.
المركز يستبعد الخيار، وتقول إن ذلك يحيد عنصرًا رئيسيًا من عناصر التفوق العسكري المصري.
2- ضربة جوية مباشرة:
يعتبره الأكثر واقعية. يمكن لمصر استخدام مقاتلات رافال الفرنسية مصحوبة بطائرات F-16 الأمريكية، لتنطلق من أسوان أو برنيس.
لكن ذلك مرتبط بامتلاك معلومات وافية تخص خرائط السد وأبرز نقاط ضعفه الكفيلة بتعطيله أو تدميره.
وعلى مصر وقتها أن تضع في الاعتبار نظام سبايدر المضاد للطائرات الموجود حول سد النهضة.
3- عملية للقوات الخاصة:
تحتفظ مصر بقدرات عمليات خاصة كبيرة، تصلح لضربة عن بعد ضد سد النهضة أو منشآته.
مثل هذه الضربة لا يمكن أن تتطابق مع مستوى الضرر الذي قد تحدثه عملية برية أو جوية جيدة التخطيط ومزودة بالموارد الكافية، إلا أنها قد تسبب وقفًا مؤقتاً لعمية ملء سد النهضة.
عند نقطة معينة ربما تدرك مصر أن أي مخاطر محتملة للهجوم العسكري ستكون أقل كثيرًا من المخاطر المؤكدة حال فقدان مياه نهر النيل مع ما يعنيه ذلك من شل الحياة، وربما زعزعة استقرارها . حينها قد تجد أن الحل العسكري هو الوحيد المطروح مع تهور حكومة إثيوبيا، وفق يونايتد وورلد داتا.
من غير المرجح أن تدعم إدارة بايدن مصر حال اتخاذ قرار مماثل: لن تمدها بمعلومات الاستهداف المطلوبة، ولن تعوض أي خسائر قتالية للطائرة أو المعدات.
الجانب الإثيوبي يدرك ذلك، ويعول على حماية المجتمع الدولي. لكن الموقع يقول إن المجتمع الدولي لم يتدخل لمنع هجمات أقوى في السنوات الأخيرة؛ بعدما بات يتمحور حاليًا حول مبدأ “بقاء الأصلح”.
القوة ليست مسألة عسكرية فحسب، بل تأتي أيضًا في شكل دعم من الحلفاء وتطوير علاقات متبادلة، كمثال، مصر الآن شريك للولايات المتحدة وروسيا والسعودية والإمارات وفرنسا، وبالتالي لن تعارض أغلبها القاهرة وخصوصًا إن إثيوبيا ليست ذات أهمية كبيرة بالنسبة لهم جميعًا.