باحث في جماعات الإسلام السياسي والتراث الإسلامي
الحديث عن الغارمات المسجونات بسبب الديون مطروح بقوة قي السنوات الأخيرة. المفاجأة لم تكن في ظاهرة الغارمات نفسها، والتي تعتبر قديمة، لكن في الاعداد المعلن عنها من النساء الغارمات.
مؤسسات في عدة دول باتت مختصة بالتعامل مع سداد ديون الغارمات. وحملات إعلانية قوبلت بترحيب من البعض ورفض من آخرين. بجانب حديث لا ينقطع على منصات السوشال ميديا
في مصر، بدأت ظاهرة سداد ديون الغارمات بعد الاطاحة بنظام الإخوان 2013، حين أعلن وزير الدفاع وقتها عبد الفتاح السيسي تكفل القوات المسلحة بسداد ديون عدد من الغارمات والإفراج عنهن.
قوبلت الخطوة بترحيب كبير، فخصص صندوق تحيا مصر – الذي أسسه السيسي رئيسًا – جزءًا من مخصصاته من أجل سداد ديون الغارمات في مبادرة تفاعلت معها وزارة التضامن الاجتماعي وتبناها المجلس القومي للمرأة.
المؤسسة الدينية الممثلة في الأزهر الشريف تفاعلت بتخصيص باب لسداد ديون الغارمات من بيت الزكاة، حيث تطلب من وزارة الداخلية بشكل دوري بيانات المسجونين الغارم وتقوم بسداد عدد لكنه عادة لا يفصح عن الالية التي يتم اختيار المستحقين من الغارمين منهم.
حملات رسمية مشابهة في السعودية عبر خدمة فرجت من منصة أبشر التي تتبناها وزارة الداخلية ووزارة العدل، لتظهر حالات الغارمات الأكثر احتياجًا للسداد لتتيح لمن يريد سداد ديونهن،
وفي الإمارات عبر مشروع “خلاص” لسداد ديون المواطنين والمقيمين المتعثرين بقضايا مالية، والذي يسمح بتلقي أموال الزكاة.
هل حماية الأخلاق العامة واجب الدولة؟ أم تغول منها على حياة المواطنين؟ | مناظرة في دقائق
وصف الغارمات مسمى له أصل ديني. واستخدمه بهذه التوصيف الديني يسعى لتشجيع الناس على التبرع باعتبار أن “سداد دين الغارم” ضمن مصارف الزكاة الثمانية كما جاء بنص القرآن في الآية 60 من سورة التوبة: “إنما الصدقات للفقراء والمساكين والعاملين عليها والمؤلفة قلوبهم وفي الرقاب والغارمين وفي سبيل الله وابن السبيل فريضة من الله والله عليم حكيم”.
لكن الأمر لم يترك على إطلاقه؛ إذ وضع الفقهاء شروطًا لاعتبار الغارم مستحقًا للزكاة، منها: ألا يكون لديه ما يسد به غرمه – ولا يكون دينه في أمر محرم – وألا يكون الغارم مسرفًا أو مبذرًا.
ومن الغرم المباح الذي اعتبره الفقهاء موجبًا للزكاة من خسر ماله في تجاره مباحة، أو استدان لحاجة اهله أو للزواج أو للعلاج، أو من يسعى لدفع دية إذا كان القتل بالخطأ وليس عمدًا.
الملاحظ في تلك الشروط أنها تتفق في حالة الغارمات لاعتبار دين الزواج داخل فيه. لكنها قد لا تنطبق من جهة أخرى على مظاهر الإسراف في تجهيزات الزواج بشكل زائد عن الحد في مجتمعاتنا كما سنوضح في الاعتراضات.
قانونيًا، هناك توجه تشريعي لإصدار قانون بعقوبة بديلة للغارمين والغارمات لا تكون سالبة للحرية مع اشتراط حد أقصى للدين.
ومجتمعيًا، هناك توجه عام لسداد ديون الغارمات من أجل:
يسود الدول الوطنية في الشرق الأوسط اتجاه عام لتحسين وضع المرأة، وإزالة ما تراه الحكومات مظاهر الظلم والتمييز الاجتماعي والعوائق التي تحول دون أداء دورها الاجتماعي، مع اعتبار الغارامات أحد نتائج الظلم الاجتماعي للمرأة التي قد تضطر لذلك بسبب صعوبة إيجاد عمل تنفق منه. وفي هذا، قد تختلف النساء عن الغارمين من الرجال الذين لديهم القدرة والحظ الأوفر على إيجاد العمل.
عدم حبس الغارمات يمنع تشرد أسرهن، خصوصًا إن كن أرامل أو مطلقات فقدن عوائلهن، ما يعني أن الأسرة ستفقد عائلها الوحيد نتيجة الحبس، مما قد يدفع الأطفال إلى الجريمة او التعرض للاستغلال.
وإذا كان الغرم بسبب حاجة الأبناء لمصاريف أو زواج الأبناء، فإن المساهمة في سداده يعتبر نوعًا من التكافل الاجتماعي، كما يساعد على حل أزمة الزواج خصوصًا مع غلاء المعيشة.
الصراع على “الدلع”| كيف هزم رجال الدين الدولة الحديثة بالحياة الشخصية | خالد البري
رغم وجاهة دوافع حملات سداد ديون الغارمات الأخيرة، فإن الاعتراضات أيضًا لا تقل وجاهة، وبينها:
أكثر الاعتراضات وجاهة أن اغلب حالات الغارمات مرتبطة باستدانة السيدات لتجهيز بناتهن للزواج وفق المعروف في العادات الشعبية من إسراف يتجاوز الحاجات الأساسية للزواج، حتى في المقارنة مع الدول الأكثر تقدمًا والأفضل دخلًا.
والمتامل لدوافع الأسر للمبالغة في تكاليف تجهيز بناتهن هو اعتبار الزواج نوعًا من الاستثمار، حيث يرتبط عادة تكاليف تجهيز البنت بالوضع المادي للعريس، فكلما كان إمكانات تجهيز الفتاة أعلىـ كان علامة على ارتفاع مستوى أهلها الاجتماعي، بشكل يمكنها من زوج بمستوى أعلى ماديًا.
هناك اعتراض آخر يتعلق بأن التركيز على الغارمات نوع من التمييز في مقابل الكثير من الرجال الغارمين. والاعتراض بأن فرص السيدات في العمل أقل من الرجال قد يجاب عليه بأن مسؤوليات الرجال أكبر، مما يجعل فرص الدين لديه أكبر.
دعم الدولة لسداد ديون الغارمات شأنه شأن أي دعم آخر تقدمه الدولة يفتح باب التحايل على شروطه للحصول عليه عن طريق الفساد الإداري والعقود الوهمية، حيث من الممكن بسهولة الاتفاق مع صاحب دين أو تاجر لتسجيل دين وهمي يمكن بموجبه رفع قضية، لتتدخل الدولة للسداد باعتباره غرمًا مستحقا للسداد، ثم اقتسام المبلغ بين الدائن والغارم.
لا يمانع المعترضون في العموم سداد ديون الغارمات من خلال تبرعات فردية. لكنهم يرون أنها ليست مسؤولية الدولة، ولا يجب ان تنفق عليها من خزينتها، حيث هناك أولويات أهم لا تزال الدولة تعاني من نقص حاد فيها.
1 – وضع حد أقصى لدين الغارمات.
2 – توجيه جزء من ميزانية سداد الغارمات لصندوق دعم الزواج على ألا يقبل بعدها سداد غارمة للزواج لم تتقدم بطلب للصندوق.
3 – وفي حالة الغارم عمومًا، يمكن إلغاء الحبس، بشرط التزام الغارم برد المبلغ ولو بالتقسيط.