معظمنا نجد متعة كبيرة في مشاهدة مباريات كرة القدم، خصوصًا إن كان أحد المتنافسين يخصك، كمنتخب بلادك أو فريقك المفضل.
البعض يطير فرحًا بفوز فريقه “بشكل شبه حرفي”. والبعض يصاب باكتئاب عند الخسارة، وقد يتطور الأمر إلى الموت بسكتة قلبية من الحزن.
فما الذي تصنعه نتائج المنافسات الرياضية في أجسامنا؟
وما الذي يحدث بالضبط لعقلنا وجسدنا أثناء مشاهدة مباريات كرة القدم؟
س/ج في دقائق
كيف يفسر العلم كل هذا الشغف؟
عندما نشاهد مباراة شديدة الخصوصية بالنسبة لنا، يتعامل الدماغ كما لو أننا نلعب بالفعل، وكأنك ترتدي حذاءً رياضيًا وتركض في الملعب، بفضل الخلايا العصبية المرآتية الموجودة في الجانب الأيمن من الدماغ، والتي تسمح لنا بالتأمل والتواصل مع حركات اللاعبين “حرفيًا”.
المدير الإكلينيكي لمجموعة Helix Healthcare Group، جيسي هانسون، يقول إن هذه الظاهرة تمنح المشاهد شعورًا بالاتصال دون التواصل اللفظي أو الحاجة إلى التحدث مباشرة مع الرياضي المحترف الذي يلعب في بطولة كبرى.
تنشط الخلايا العصبية المرآتية طوال مدة المباراة ، فتسمح لنا بفهم الفعل وهدفه، وحتى المعايشة الكاملة للمشاعر المرتبطة به على الفور، بما يشمل زيادة معدل ضربات القلب والتنفس.
لماذا الاختلاف إذن في ردة الفعل بين مشجع وآخر؟
في دراسة 2008، جند باحثو جامعة روما 10 لاعبي كرة سلة محترفين، و10 مراقبين خبراء، بمن فيهم صحفيون ومدربون، و10 طلاب لم يلعبوا كرة السلة أبدًا، لملاحظة تأثير الخلايا العصبية المرآتية على الحركة الدقيقة للعضلات بقصد القيام بعمل معين مثل القفز أو الجري.
عرض الباحثون المشاركين لمقاطع فيديو للاعبين يقومون برميات حرة، ثم أوقفوا الفيديو أثناء الرمية؛ لقياس مدى قدرة المشاركين على التنبؤ، فوجودوا أن اللاعبين لديهم قدرة على التنبؤ أقوى.
ثم استخدموا تقنية التحفيز المغناطيسي عبر الجمجمة (TMS)، التي تعطي التوقيت الدقيق لإطلاق الخلايا العصبية، لمراقبة أنماط نشاط النظام الحركي في المجموعات الثلاث أثناء مشاهدة مقاطع الفيديو ذات الرمي الحر، فأطلق الطلاب دفعة صغيرة، وأطلقت المجموعتان الأخريان تحفيزًا أكبر لعضلات اليد التي تتحكم في الكرة.
هذا التنشيط كان أكبر عندما شاهد اللاعبون إطلاق كرة خارج السلة، مما أعطى الباحثين تصورًا حول أن اللاعبين لم يكونوا يحاكون تسديد الكرة فحسب، بل كانوا يحاولون أيضًا التسجيل.
كيف يفسر الإحساس بالسعادة أو الحزن عند مشاهدة المباريات؟
تولد الناقلات العصبية في دماغنا المشاعر والأفعال وتمكن الدماغ من التواصل مع أجسامنا، فهي تسمح بنقل الإشارات من خلية عصبية إلى أخرى عبر المشابك العصابية.
يُساعد الدوبامين، وهو ناقل عصبي، في التحكم في مراكز المكافأة والمتعة في الدماغ، وفي تنظيم الاستجابات العاطفية، فضلاً عن الحركة.
هذا يعني أنه عندما نكون متحمسين لفوز فريقنا، فإن دماغنا سيطلق الدوبامين، يليه شعور بالإيجابية.
على العكس، عندما نشعر بالحزن أو الغضب بسبب خسارة فريقنا، ينتج دماغنا الكورتيزول أو “هرمون التوتر” أو كميات زائدة من السيروتونين – وهو ناقل عصبي، إذا نقص يمكن أن يسبب حالات مثل القلق والاكتئاب.
أثناء مشاهدة الرياضة، تبدأ هرموناتنا في التذبذب، فيرتفع هرمون التستوستيرون لدى المشجعين عندما يفوز فريقهم ولكنه ينخفض مع الخسارة. وهذا ما يفسر سبب حدوث الكثير من أعمال الشغب بعد نهائي البطولات الرياضية.
هذا التذبذت يزيد في حالة المباريات الأكثر أهمية وصعوبة، بحسب دراسة نُشرت في مجلة New England Journal of Medicine، وجدت أن مشاهدة مباراة كرة قدم مرهقة تزيد من خطر التعرض لأزمة قلبية، حيث يزيد الضغط العاطفي الذي يعاني منه المشجعون خلال هذه المباريات من خطر تعرضهم لأزمة قلبية.
إذا كان هناك خطورة.. لماذا نتفاعل مع المباريات باستمرار؟
الأمر كله يعود إلى الإحساس بالانتماء للمجتمع، حيث يمكن ربط القاعدة الجماهيرية للرياضة بالمكانة الاجتماعية واحترامنا لذاتنا، بناءً على نظرية الهوية الاجتماعية.
هذا يفسر سبب تحفيز بعض الأشخاص للتصرف بطرق يمكن أن تعزز احترامهم لذاتهم، مثل كونهم من عشاق الرياضة.
لذلك عندما يخسر فريقنا، يتضرر احترامنا لذاتنا. لكن مع ذلك، فإنه لا يزال يمنحنا شعورًا بالانتماء، مما يجعلنا نشعر بالرضا، خاصة في الأيام التي نحقق فيها الفوز.
كما أننا عندما نريد الهروب من العمل وغيره من ضغوط الحياة الواقعية، قد يكون من الجيد تحويل انتباهنا الكامل إلى الرياضة، فيتيح لنا ذلك تجربة مجد جماعي عندما يفوز فريقنا، ويمنحنا الأمل في الأفضل حتى عندما لا يفعلون ذلك.