القصة في دقيقة:
عندما صدر حكم الإخلاء في حي الشيخ جراح وتصاعدت أحداث المسجد الأقصى، كانت حماس في أزمة مع تأجيل الانتخابات الفلسطينية. لكن تصدير الصراع إلى غزة حمل فرصة نادرة لتحقيق شعبية إضافية بين الفلسطينيين اليائسين من السلطة الفلسطينية التي فشلت حتى اللحظة في إعلان الدولة عبر المسار السياسي.
منذ ذلك الحين، ظهرت الحركة الإسلامية المسلحة باعتبارها الفصيل الفلسطيني الوحيد المستعد للوقوف في وجه إسرائيل، وتخطت منافستها فتح، القوة المهيمنة في السلطة.
حرب غزة حملت فرصة لحماس لتمديد شعبيتها داخليا، ولكسب مكاسب إقليمية تجعلها في صورة منافسة للسلطة الفلسطينية أو في وضع أفضل منها.
س/ج في دقائق
إلى أين وصلت شعبية حماس قبل الحرب؟
وفق كريستيان ساينس مونيتور، كانت حماس تأمل أن تحمل نتائج الانتخابات الفلسطينية – التي أجلها الرئيس محمود عباس لأجل غير مسمى – فرصة لتكرار انتصارها في آخر انتخابات جرت في 2006، من خلال استغلال الإحباط من فساد السلطة الفلسطينية وفشلها في تأمين الحقوق الأساسية أو إعلان الدولة.
لكن نتائج استطلاعات الرأي حملت العكس. في استطلاع المركز الفلسطيني للبحوث السياسية في الضفة وغزة، مارس 2021، حلت حماس ثالثًا بـ 29.6%، بينما تصدرت فتح بنسبة طفيفة 34.3%. المؤشر الأهم أن 29.6% من الفلسطينين اختاروا “لا شيء مما سبق” متجاوزين كل الخيارات السياسية المتاحة.
وأظهر استطلاع منفصل أجراه مركز القدس للإعلام والاتصالات في القدس الشرقية، تراجع ثقة الفلسطينيين في حماس من 10% في 2021 إلى 7.3% حاليًا.
وداخل قطاع غزة الذي تديره حماس بشكل مباشر، اختار 11.8% فقط من المستطلعين حماس، مقابل 43.9% لحركة فتح المنافسة.
قطر كلمة السر | كورونا يخلق تقاربًا نادرًا بين حماس وإسرائيل.. ربما يستمر للأبد | س/ج في دقائق
ما الفرصة التي حملها التصعيد لتصحيح الوضع؟
وفق مراقبين، مثلت أحداث الشيخ جراح فرصة لنقل الصراع إلى الملعب الذي تجيده حماس التي وضعتها التهدئة السابقة أمام المسؤوليات اليومية في غزة التي تعاني بسبب الحصار، قبل أن تزيد تبعات الجائحة تعقيد الوضع الاقتصادي.
وعندما حولت حماس أزمة حي الشيخ جراح إلى حرب صواريخ في غزة، فإنها، بحسب محللين، استولت على شريان الحياة السياسي، اعتمادًا على شعور الفلسطينيين بعجز السلطة، لتظهر باعتبارها الفصيل الفلسطيني الوحيد المستعد للوقوف في وجه إسرائيل، وتخط منافستها فتح، القوة المهيمنة على السلطة الفلسطينية.
كبير المحللين في مجموعة الأزمات الدولية طارق باكوني يقول إن حماس كانت تأمل بشدة في تغيير واقعها في غزة من خلال انتخابات قد تمنحها شرعية جديدة وتوسع وجودها في الضفة الغربية. لكن مع تأجيل الانتخابات، تتراجع حماس الآن إلى نهجها الذي جربته واختبره من خلال الضغط على إسرائيل لتحسين الوصول إلى القطاع وتخفيف الوضع اقتصاديًا في قطاع غزة، مع إضافة الالتزام بقضية القدس في محاولة لإظهار نفسها كحركة لتحرير جميع الفلسطينيين.
الشيخ جراح | نزاع عقاري في القدس؟ أم نزاع دولي يصل إلى البيت الأبيض؟ | س/ج في دقائق
كيف أوصلت حرب غزة حماس لاختراق فتح نفسها؟
المسؤول السابق في السلطة الفلسطينية نبيل عمرو قال إن حماس غيرت الوضع في الضفة الغربية، ونجحت في ملء الفراغ القيادي في القدس الذي خلفته السلطة الفلسطينية وفتح، والذي أحبط سكان حي الشيخ جراح والمتظاهرين السلميين في الغالب على الخطوط الأمامية.
يضيف: “بدون قرار من القيادة، شارك أعضاء فتح في الاحتجاجات التي دعت إليها حماس دون انتظار الأوامر. والفلسطينيون الذين يشعرون بشكل متزايد بأنهم محاصرون بسبب الإجراءات القانونية الإسرائيلية، وتشجيع المستوطنين، والعصابات المتطرفة التي تفعل ما تريد مع الإفلات من العقاب، يلجأون بشكل متزايد إلى حماس للحصول على الحماية”.
القبة الحديدية | هل فشلت في حماية إسرائيل من صواريخ حماس؟ | س/ج في دقائق
هل يستحق الثمن السياسي الذهاب للحرب فعلًا؟
أستاذ العلوم السياسية في جامعة الأزهر بغزة مخيمر أبو سعده يصف حماس بـ “حزب سياسي في النهاية” كان يهمها بالتأكيد الفوز في الانتخابات التي ألغاها الرئيس محمود عباس عمليًا. وهنا كانت تحتاج حماس لإعادة ترسيخ نفسها في موضع جديد كبديل لمنظمة التحرير ممثلًا شرعيًا ومدافعًا وحيدًا عن الشعب الفلسطيني.
خالد الحروب، أستاذ دراسات الشرق الأوسط في جامعة نورث وسترن في قطر يقول إنها المرة الأولى منذ سنوات عديدة التي ترفع فيها حماس سلاحها في قضية لا تخص غزة. “مثل هذا الارتباط هائل من الناحية الرمزية والوطنية والدينية. حماس تخرج من شرنقتها في غزة لتقول: أنا أتحدث باسم الفلسطينيين، وأنا المدافع عن القضية الأكثر حساسية على الإطلاق، القدس”.
وللمرة الأولى، لم تركز حماس على مطالب تتعلق بالقطاع، بل حصرت مطالبها على القدس بما يمنحها فرصة لتوسيع قاعدة دعمها حتى خارج القطاع.
النتيجة أن حماس التي كانت تتجه قبل شهر واحد لخسارة أغلبيتها، تحشد الجمهور الفلسطيني خلفها الآن باعتبارها المدافع عن حقوق الفلسطينيين، بينما وقفت فتح ورئيسها محمود عباس في مظهر المتفرج غير ذي المعني بتطورات الأحداث، أو حتى “المتخلي” عن ملف القدس المحوري في النضال الفلسطيني، مقابل حماس، التي نقلت كريستيان ساينس مونيتور، عن مقيمين في الأراضي التي ضمتها إسرائيل عام 1948 إنهم لم يكونوا من مؤيدي حماس، لكنهم اليوم يتوقون لرؤية صواريخها تقترب من أراضيهم، فيما تصفه الصحيفة بـ “انتصار سياسي كانت حماس مستعدة لدفع ثمنه”.
ماذا أضافت حماس من مكاسب إقليميًا ودوليًا؟
بعد سنوات على هامش السياسة، تتحرك القوى الإقليمية والدولية وخصوصًا مصر مجددًا للحوار مع حماس لتأمين وقف إطلاق النار، وهو أمر كانت تحتاجه الحركة للحصول على نوع من الشرعية.
بالمقابل، أعرب كبار قادة فتح عن أسفهم لضآلة الاتصالات الإقليمية والدولية بالرئيس عباس مع انتشار الأزمة من القدس إلى غزة وباقي الأراضي الفلسطينية.
تنقل كريستيان ساينس مونتيور عن دبلوماسي عربي لم تسمه: “كانت حماس تريد أن تُعامل كممثل أو حكومة فلسطينية شرعية على مستوى السلطة الفلسطينية وعباس. الآن، يعاملون على مستوى أعلى من عباس نفسه، حيث أصبحت الآن في وضع جيد للحصول على تنازلات”.
ورغم حصر الشروط المعلنة في القدس، تطلع حماس أيضًا إلى تلقي مساعدات مالية من حليفتها العربية الوحيدة، قطر، والتي ستمكنها من دفع رواتب موظفي القطاع العام التي طال انتظارها وتقديم الخدمات لسكان غزة، وهذا بدوره سيساعد حماس في الحفاظ على مكانتها المستعادة.
كما عرضت مصر مبادرة لتقديم مساعدات توجه نحو إعادة الإعمار وتشارك فيه شركات مصرية.
المحللة السياسية المقيمة في غزة ريهام عودة تقول إنه بينما تركت الحرب الحالية أثار “مدمرة نفسيًا” على المدنيين في غزة، ستعلن حماس في كل الأحوال انتصارها بنهاية الحرب، مما يجعلها في موقف سياسي أقوى داخليًا وإقليميًا.
بلومبرج: حرب غزة تعيد تذكير الجميع بمن تكون مصر.. “مهندس الشرق الأوسط” | ترجمة في دقائق