المشكلة في كلام إبراهيم عيسى .. ومشكلتهم مع إبراهيم عيسى | خالد البري

المشكلة في كلام إبراهيم عيسى .. ومشكلتهم مع إبراهيم عيسى | خالد البري

20 Feb 2022
خالد البري رئيس تحرير دقائق نت
رابط مختصر
للمشاركة لـ فيسبوك
حجم الخط

مشكلة رجال الدين مع إبراهيم عيسى واضحة، كانت جوهر كلامه الذي استخدم فيه قصة المعراج دليلًا.

مشكلتهم أن هناك نسخة من الدين يقدمونها لك على أنها النسخة الوحيدة. لكنها في الحقيقة النسخة المعتمدة منهم، بشخوصهم وبتيارهم، أما الدين وأحكامه وتاريخه فأوسع من ذلك كثيرًا.

بمجرد أن تكتشف هذه الحقيقة، أن تكتشف أن الأحكام والروايات التي أفهموك أنها الوحيدة الفريدة ليست كذلك، ستعجبك رغبة المعرفة، ولن تتوقف. ستبحث أكثر، وتكتشف سعة بعد ضيق. أو ستبحث أكثر، وتكتشف أن أحدهم خدعك، وتفقد الثقة في ما يقول لاحقًا.

الفارق بين الدعاية والتاريخ

إبراهيم عيسى ذكر أمثلة من التاريخ الإسلامي، تظهر الفارق بين النموذج الدعائي وبين الحدث التاريخي.

في النموذج الدعائي، ستجد “عدلت فأمنت فنمت يا عمر”. لكن الواقع فيه إضافة بسيطة، أن عمر ابن الخطاب لم يأمن تمامًا، بل مات مقتولًا. وأكثر من ذلك: أن قائل هذه العبارة الدعائية متهم بمعاونة قاتله.

ربما تثير القصة فضولك فتعود لتنظر في مظلمة القاتل، فتكتشف أن الأمور لم تكن وردية تمامًا.

ربما تتابع ما حدث للقاتل بعد الجريمة، فتكتشف أن ما فعله عبيد الله بن عمر بن الخطاب به يخالف الحكم الشرعي.

ثم تكتشف كيف تصرفت دولة “الخلافة الراشدة” مع جرم عبيد الله بن عمر. وهذا أيضًا ذكره عيسى في برنامجه.

عروج يحاول نفي الجهل

هنا عرج إبراهيم عيسى إلى قصة المعراج، لا لينكرها كما أشاعوا، بل ليقول إن القصص المتداولة عنها ليست النسخة المعتمدة من الجميع.

تستطيع طبعًا أن تعود إلى كتب التراث لتعرف بنفسك. أنت الآن في موقع أفضل كثيرًا من أقرانك قبل قرون، حين كانت الأمية سائدة، وليس في يد الشخص العادي وسيلة لكي يتحقق مما قاله رجل الدين.

وليس أمامه إن أراد أن يحافظ على دينه بدًا من اتباع ما يقوله الشيخ ويثق فيه ثقة عمياء.

أصابني مثل هذا حين عرفت شابًا أن إفطار نهار رمضان لا يستلزم ٦٠ يومًا (كفارة) إلا في حالة واحدة فقط، الجماع. أما في ما سوى ذلك فإن إفطار يوم يستلزم القضاء، أي صيام يوم بدلًا منه.

وحين عرفت أحكام “الإماء”، وتخيلت مظهرهن في طرقات “دولة الخلافة”.

أصابني خجل من الجهل. وأصابني إحساس بأن شخصًا آخر يحجز لنفسه المعرفة معتبرًا أنني لست أهلًا للثقة في أن أختار لنفسي ما أريد. بل ينشر دينًا على مزاجه.

لو أصابك هذا “الخجل من الجهل” ستصير إنسانًا صعب القياد، طموحا، راغبا في العلم وليس التلقي.

والخجل من وضاعة مستوى المعرفة خصلة مفترضة في شخص متعلم، يستطيع أن يقرأ ويكتب ويفكر. فيأنف أن يجلس من الشيخ مجلس المصطبة الفلاحي، يسمع ويؤمِّن. تماما كما الخجل من الوضاعة في شخص عزيز النفس.

والخجل من الجهل شعور قوي جارف، ولا سيما في فترات تحول الأمم من الأمية إلى الكتابية. حيث هو الميزة الوحيدة التي ينالها من يحوز المهارة الجديدة. من دونها، حبذا لو ظل أميا يتلقى المعارف بالسمع.

الخجل من الجهل شعور قوي لا يقهره إلا شيئان:

أولهما التخويف القاهر من أن تسأل وتشكك وتمحص وتراجع، بالملاحقة، والاغتيال المعنوي، والاغتيال الجسدي.

وثانيهما كسر النفس. إقناعك دائمًا أنك ضئيل. أنك عاجز. أنك لا تعرف. من حقهم هم أن يفتوا في الذرة وفي الفلك وفي الطب وفي النفس، وهي أمور متخصصة وصعبة.

بينما ليس في قدرتك أنت أن تعود إلى كتاب استطاع دارس دين، أو طالب أزهري، عادي أن يقرأ فيه ويفهمه.

ألغاز تراثية (3): بين معراج النبي محمد و معراج النبي موسي.. لغز ليلة 27 رجب | هاني عمارة

هذا بالضبط ما حدث في أوروبا

ومن حقهم طبعًا أن يخافوا بشدة. هذا بالضبط ما حدث في أوروبا مع اختراع الطباعة.

كان الكتاب المقدس حكرا على رجال الدين، منسوخا بلغة نخبوية لا يعرفها سواهم.

ثم صار بالطباعة متوفرا للجميع، ليس فقط بسبب عدد النسخ، إنما أيضا لأنه ترجم إلى لغات محلية يستطيع من يكتسب مهارة القراءة والكتابة أن يفهمها. فتضاءل الاحتياج إلى رجل الدين وتقلص، إلى حجمه الطبيعي.

فهمنا لماذا يتوتر رجال الدين من إبراهيم عيسى. لكن من العصي على الفهم إدراك ما يخيف صحفيين وكتابا وأطباء ومهندسين وفنانين منه؟

في ثانية يتحول هؤلاء أنفسهم من مقاعد المتفرجين إلى مقاعد رجال الدين. تجد الواحد منهم يتحدث عن أوروبا، وعن تطورها المعرفي، لكنه في الوقت نفسه يريد أن يخنق الخطوة الأولى من هذا التطور المعرفي.

ما الخطوة الأولى؟

إخضاع المعارف للتمحيص والاختبار. حتى لو كان هذا التمحيص – في أضعف الإيمان – من داخل المنظومة المعرفية نفسها.

وإلا، أي تطور معرفي ذاك الذي يريد أن يخنق رأيًا لا يطالب بأكثر من المراجعة، من توسيع الرقعة، فضلا عن تصفيتها وتنقيتها؟

وعي “النخب” المضر

وأي نخبة تلك التي ترتدي بذلة وكرافتة وتخبئ العمة تحت جلدها. ثم تحاضرنا عن “الوعي” وعن تشغيل الدماغ؟

تشغيل الدماغ في الدين، الذي يحكم علاقاتنا الاجتماعية بغض النظر عن فئاتنا وشرائحنا، أهم كثيرًا من تشغيل الدماغ في الفيزياء والرياضيات والطب.

الدين يتدخل في رؤيتي للعالم، ويتدخل في علاقة جيراني بي، ويتدخل في المسموح لي والممنوع، ويتدخل في القانون، ويتدخل في المكتوب والمعروض على الشاشات، وفي المسموع.

هناك مهن بعينها، لو ترك الأمر لرجال الدين، لأغلقت أبوابها من أساسه، لكن بعض منتسبيها رغم ذلك ينحازون إليهم ضد من يطالب بالتفكير. وعجبي!

ما يقوله إبراهيم عيسى مهم، لمضمونه، ولأنه أيضًا صادر عن إبراهيم عيسى. لو قلته أنا أو أنت، ربما لن يكترث له أحد. لكن أن يقوله أبرز إعلامي في الساحة، الذي وثق فيه، واختلف حوله، ملايين من أجيال مختلفة، فهذه خدمة كبرى لقضية التطوير المعرفي والتنوير.

خدمة نشكره عليها شكرًا جزيلًا. مدركين ومعترفين بحجم الشجاعة التي يحتاج إليها نجم مثله، لديه ما يخسره، لكي يصرح بهذا.

كثيرون في مجتمع النخبة الإعلامية يعرفون ما يعرفه عيسى، وقليلون لديهم الشجاعة لكي يصرحوا به. لا يمكن، في أي ميزان، أن يكونوا مقتنعين أنهم في صمتهم أكثر نفعًا منه في إثارته للجدل. لا يمكن.

رابط مختصر
للمشاركة لـ فيسبوك

موضوعات متعلقة

التعليقات (0)

يجب عليك .. تسجيل الدخول أو التسجيل لتتمكن من التعليق.

تعليقات الفيسبوك