التجارة في دين العوام | هل يضرب “مولانا الطيب” زوجته؟ | محمد شوشة

التجارة في دين العوام | هل يضرب “مولانا الطيب” زوجته؟ | محمد شوشة

20 Feb 2022
محمد شوشة
رابط مختصر
للمشاركة لـ فيسبوك
حجم الخط

الحياة صفقات تجارة متكررة. العواطف نفسها تجارة: تمنح أحدهم مشاعرك لتقايضها بمشاعر مقابلة.

والعمل بالتأكيد تجارة: تدفع وقتك وجهدك وعقلك، وتشتري راتبًا.

في الميديا، سلعتنا الترند. جودة السلعة تتفاوت. لكننا جميعًا نبحث عما يهم المستخدم.

لماذا؟! لأنه جوهر تجارتنا.

لن يستثمر صاحب المال في محتوى بلا جمهور. ولن يعمل صحفى لإنتاج مادة لا يظن أنها ستجد طريقها إلى شاشة هاتفك.

لغتنا الأرقام. نتنافس جميعًا لجذب الملايين.

لن يدفع صاحب العمل راتبي في آخر الشهر، ولن تستمر المنصة في البث إن انصرف عنها الناس. وكذلك الأمر مع الصانع والمزارع والطبيب، واترك القوس مفتوحًا. قس الأمر على أي وظيفة تراها. سهلة؟!

لننتقل الآن إلى رجل الدين.

ما بضاعته؟

وفي أي سلعة يتاجر؟

بسيطة.

لكن مشكلة رجل الدين هنا أن السلعة مقدسة، وأن التاجر يكتسب حيثيته من قداسة سلعته.

كثيرون قد يقللون من مجدي يعقوب مثلًا. لكن “الشيخ” عمر عبد الرحمن لم يعدم من يسميه “عالمًا”، كما وصفه محرر ويكيبيديا.

هل يستحق عمر عبد الرحمن وصف “العالم”؟!

الرجل على الأقل لم يخرج عن تصنيف الذهبي للعلم: ” العلم قال الله قال رسوله .. قال الصحابة أولو العرفان”.

وهذه مشكلة أولى. هل “دين” عمر عبد الرحمن يوافق “دين” مولانا الطيب، وكلاهما يقول إنه يقتفي أثر قول الله والرسول والصحابة؟

المشكلة في كلام إبراهيم عيسى .. ومشكلتهم مع إبراهيم عيسى | خالد البري

مشهد 1: “عايز دين؟! إديله دين.. واحنا بتوع الدين”

“الشعب عايز إيه؟ عايز دين؟ اديله دين.. وإحنا بتوع الدين”. يقول “مولانا” محمد حسين يعقوب بعدما أنصفته “غزوة الصناديق” فكبر تكبيرات العيد.

أي دين بالضبط؟! لم يشرح “مولانا”. لكنه كان قاطعًا في تحديد وصف نفسه: “إحنا بتوع الدين”.

السلعة حاضرة. والمشتري حاضر. والطلب يفوق العرض. لكن التاجر جاهز بالمزيد.. ما “إحنا بتوع الدين”.

أي دين يا مولانا؟

الرجل نفسه كان واضحًا. قال لطلابه إن فهم الدين مختلف. أحدهم يراه “لحية وجلابية”. يراه غيره “صلاة وعبادة”، وثالث “بياض قلب”، ورابع “منع الأذى عن الناس”، ثم يجزم بأن “الدين دين محمد”. ليواصل الشرح بأن “خريطة الدين يجب أن يظهر عليها كل الدين”، بما فيها اللحية والعبادات والتوحيد وحسن الخلق، وأن يبدو كل شيء في مكانه الصحيح.

بالمناسبة، مولانا الطيب لم يكن ملتحيًا حتى سنوات قليلة مضت. سلعته كانت مختلفة عن سلعة يعقوب.

مشهد 2: “هذا آخر عهدي بك”

عبد الملك بن مروان، الذي بنى قبة الصخرة، كان راوي حديث معتبرا. روى عن جماعة من كبار الصحابة، وروى عنه كثيرون.

وُصف بالعابد الزاهد الفقيه الملازم للمسجد، التالي للقرآن.

يقول عنه نافع: “رأيت المدينة وما فيها شاب أشد تشميرًا، ولا أفقه، ولا أقرأ لكتاب الله من عبد الملك”.

ويزيد الأعمش فيعده بين “فقهاء المدينة الأربعة”.

ويضيف الشعبي: “ما جالست أحدًا إلا وجدت لي الفضل عليه، إلا عبد الملك بن مروان”.

لكنني أتوقف هنا أمام مواقف بعينها:

1- ينقل الواقدي عن خطبة لعبد الملك: “يا أهل المدينة، إن أحق الناس أن يلزم الأمر الأول لأنتم، وقد سالت علينا أحاديث من قبل هذا المشرق ولا نعرفها، ولا نعرف منها إلا قراءة القرآن، فالزموا ما في مصحفكم“.

لا يسجل الرواة تاريخ الخطبة. لكن عبد الملك يشكو هنا من “أحاديث سالت لا نعرفها”. في زمن مبكر جدًا، في العقود الأولى بعد وفاة النبي!

ويجوز لنا أن نفترض أن تلك “الأحاديث” راجت في بيئة حديثة عهد بحياة النبي؛ بعض سكانها سمعوا من النبي مباشرة، أو نقلًا عن آبائهم من كبار الصحابة الذين عاصروه، لكنها انتشرت بدرجة استحقت أن يتوقف عبد الملك عندها.

نتحدث هنا عن واقعة سبقت ميلاد البخاري مثلًا بنحو قرن ونصف.

2- يقول يحيى الغساني، الذي كان أحد جند جيش معاوية الذي حارب عبد الله بن الزبير لما أعلن نفسه خليفة للمسلمين في المدينة: دخلت مسجد النبي، فجلست إلى جنب عبد الملك، فقال لي عبد الملك: أمن هذا الجيش أنت؟ قلت: نعم، قال: “ثكلتك أمك أتدري إلى من تسير؟ إلى أول مولود ولد في الإسلام، وإلى ابن حواري النبي، وإلى ابن ذات النطاقين، وإلى من حنكه النبي. أما والله إن جئته نهارًا وجدته صائمًا، ولئن جئته ليلًا لتجدنه قائمًا، فلو أن أهل الأرض أطبقوا على قتله لأكبهم الله جميعًا في النار“.

هذه كانت “سلعة” الفقيه عبد الملك. لكن “سلعة” الخليفة عبد الملك اختلفت. الغساني نفسه يضيف: “فلما صارت الخلافة إلى عبد الملك وجهنا مع الحجاج حتى قتلناه”!

والنار التي سيكب الله فيها قاتله يا عبد الملك؟!

هذا ينقلنا إلى الموقف الثالث.

3- يقول ابن أبي عائشة: “أفضى الأمر إلى عبد الملك والمصحف في حجره، فأطبقه وقال: “هذا آخر العهد بك“.

مشهد 3: “ممكن ألاقي طفاشة عادي”

حالة “مولانا” أبو إسحاق الحويني علامة في “تجارة الدين”.

الرجل يقول إن من يتصدر الدعوة رأس ماله الناس. “زي ما أنت تدخل السوق علشان تكسب جنيه أنا بدخل أكسب واحد. إذا مكسبتش واحد في أي مرة يبقى أنا دخلت السوق وخسرت. فما هي المصلحة إني أخسر أموالي ورأس مالي. لأ، أبطلها تجارة بقى وأسيب السوق وأمشي“.

يواصل سرد قصة لأحد “العوام” ثم يقول: “لو قلت له لا يجوز هيطفش مني. ودا بضاعة وأنا لازم أنمي بضاعتي. ولا يمكن أن أصده لأنه عامي من العوام.. إذا ملاقيتلهوش مفتاح ممكن ألاقي طفاشة عادي“.

جزء من تلك البضاعة كان حكم تارك الصلاة مثلًا، الذي يفتي “مولانا” الشعراوي نصًا بأنه لا يسأل عن صوم ولا زكاة، بل عن الصلاة نفسها، فإن أنكرها قتل مباشرة، وإن كان تركها كسلًا، يستتاب ثلاثًا ثم يقتل.

لم يخرج الحويني عن حكم الشعراوي. في كل محاضراته تقريبًا يفتي بكفر ترك الصلاة.. لكن هذا خطاب “الطفاشة”!

في محاضرة أخرى، نشرت بالخطأ على ما يبدو، ثم حذفت من الإنترنت تمامًا، كان “مولانا” الحويني يخاطب “طلبة العلم”، فيقول بشكل قاطع إن تارك الصلاة ليس كافرًا، لكن “مينفعش تقولوا الكلام دا للعوام؛ لأن مش هنلاقي حد يدخل الجامع بعد كده”.

هؤلاء “العوام” هم أنا وأنت. نحن الجمهور المستهدف الأهم في تجارة الدين. الجمهور الذي يخاطبه عبد الله رشدي فيُلقب بـ “قاصف الجبهات”؛ فنموذج التدين الذي يقدمه مناسب تمامًا. لا يهم سلوكك. ربما لا يهم حتى عبادتك. المهم أن “تدافع عن الدين”. تدافع عنه ضد من؟ لا يهم. بأي طريقة؟ ليست مشكلة، ولو بـ “السرسجة” كما يفعل الرجل نفسه بـ “التقليح” على مخالفيه. المهم أن تدافع عن الدين.

“مولانا” استفاد تمامًا من نظرية” الطفاشة” على ما يبدو.

عودة للحويني.. الرجل يعتقد بكفر من لم يكفر الكافر. لن يغامر بتجارته في تلك المسألة. إن كان يعرف أن تارك الصلاة كافر فعلًا كما يقول الشعراوي، فلم يكن ليغير رأيه ليرضي تارك صلاة، حتى لو سبيل فتح الطريق إليه بـ “الطفاشة”.

مشهد 4: “يا ترى مخبيين علينا إيه تاني؟”

سلعة الله غالية. يحتكرها رجال الدين حصرًا.

يقول إبراهيم عيسى إن رجال الدين يخفون 80 – 90% من الدين. يقدمون الدين “بتاعهم هم” باعتباره الدين الذي يجب أن تستمع إليه. “الدين بتاعهم دا انت مشغل عليه الموتور بقالك 40 سنة تقريبًا. فمتصورين إن دا الدين. وأي حاجة نقول عليها يقولك إيه دا؟ دا فين ده؟”.

يتساءل إن كان المسلم الحالي في 2022 يحتاج رجال دين في حياته، باعتبار أن المعلومة متاحة أولًا، وباعتبار أن كل المسلمين يعرفون كل الأساسيات.

وهنا الأزمة الحقيقية، لا قصة المعراج التي ثار حولها الجدل.. أزمة أن بعضهم احتكر السلعة. وقدمها باعتبارها المتاح، بينما نقل بقية الدين إلى المخزن.

بالمناسبة، لو كان المعراج فعلًا نقطة “الفصال” مع “مولانا صاحب المخزن”، فإبراهيم عيسى أنتج حلقة كاملة سماها “خرافة الإسراء والمعراج” تقارب الساعة، منذ عام كامل، ولم يلتفت إليها أحد تقريبًا.

والمشكلة في احتكار “سلعة الله الغالية” أنها غيبية.

تستطيع ببساطة أن تشكك في تاجر الميديا. إبراهيم عيسى مثلًا كان عرضة للانتقادات. ولا أعتقد أنها تغضبه. الرجل قال رأيه الذي يحتمل الصواب والخطأ، كما يحتمل الأخذ منه والرد.

حتى الطبيب ربما تشك في جدوى علاجه. ببساطة لأنك تعاين السلعة وتجربها.

لكننا لن نرى نتائج سلعة الدين. إن اتبعت “مولانا” فالنتيجة لن تصدر إلا بعد الموت.

مشهد أخير: إحنا صعايدة ودا العادي عندينا

في مشهد عروس الإسماعيلية الأحدث، علل الزوج وأهله ضرب العروس في ليلة عرسها بأنهم “صعايدة ودا العادي عنديهم”.

المشكلة هنا أن مولانا شيخ الأزهر أحمد الطيب صعيدي أيضًا. وكلام الرجل نفسه قبل أيام كان موضوعًا للكثير من النقاش، بعد إعادة نشر حديثه حول ضرب الزوجات. فهل يضرب مولانا زوجته؟ لو شكا له ابنه من سلوك زوجته. هل سينصحه بضربها ولو بالمسواك؟ّ!

بمناسبة المسواك، هل يحق لنا أن نسأل إن كانت آية النشوز تندرج تحت بند قطعية الثبوت قطعية الدلالة التي يرى مولانا الطيب عدم جواز الاجتهاد فيها؟

وتحت نفس البند، هل تأتي آيات كفر غير المسلمين ومنعهم من دخول الجنة؟ “بتوع الدين” قالوا نعم. قالوا إن غير المسلم كافر لن يشم رائحة الجنة. لكن مولانا الطيب كان له رأي آخر:

رابط مختصر
للمشاركة لـ فيسبوك

موضوعات متعلقة

التعليقات (0)

يجب عليك .. تسجيل الدخول أو التسجيل لتتمكن من التعليق.

تعليقات الفيسبوك