ميلاد المسيح | كيف رسمت أناجيل منحولة وديانات قديمة تفاصيل الطفولة الغامضة؟ | مصطفى ماهر

ميلاد المسيح | كيف رسمت أناجيل منحولة وديانات قديمة تفاصيل الطفولة الغامضة؟ | مصطفى ماهر

6 Jan 2022
الدين
رابط مختصر
للمشاركة لـ فيسبوك
حجم الخط

عكس ما يعتقده أغلب الناس، يبقى توقيت وظروف ميلاد يسوع المسيح مسألة غامضة في أناجيل العهد الجديد. يزيد الأمر تعقيدًا أننا لا نملك وثيقة تاريخية واحدة عن ميلاد المسيخ ونشأته! 

فعلى أي أساس يرتبط ميلاد المسيح برأس السنة الميلادية؟ ولماذا اختلفت الكنائس الشرقية والغربية في تحديد يوم الميلاد؟ وهل هناك مصادر تاريخية أخرى قادرة على الإجابة عن التساؤلات؟ 

غموض الأناجيل الرسمية 

تتفق الكنائس على مصداقية أربعة أناجيل تُعرف بـ “الأناجيل الإزائية”.

محور تلك الأناجيل “الرسمية” حياة يسوع وأعماله. لكن قصة ميلاد المسيح تبقى من أهم ألغاز تلك الأناجيل، لأسباب أولها عدم الاتفاق على تفاصيل الحدث نفسه.

إنجيل متى مثلاً يجعل من “بيت لحم” الموطن الأصلي للعذراء مريم ويوسف النجار”. ووفقًا لروايته، حدثت الولادة بشكل طبيعي في بيت يوسف النجار في عهد الملك هيرود الكبير الذي حكم ما بين عام 37 ق.م إلى عام 4 ق.م! 

أما إنجيل لوقا، وهو الأقرب لإنجيل متى، فيحدد الناصرة في منطقة الجليل، باعتبارها الموطن الأصلي للعائلة المقدسة. ويقول إن الداعي لانتقال العائلة إلى بيت لحم كان الإحصاء السكاني الذي أمر به الإمبراطور أوغسطس. هذا الإحصاء حدث بحدود العام السادس ميلاديًا! 

الفارق الأخطر أن لوقا يحدد مكان الولادة خارج أحد الحانات على مشارف مدينة بيت لحم في مزود لعلف الحيوانات! 

الأكثر غرابة أن الإنجيل الأقدم “إنجيل مرقس” لا يذكر أي تفاصيل عن ميلاد المسيح! 

أناجيل الطفولة: مصدر خفي لاحتفالات الميلاد 

مثال بسيط يزيد الأمر تعقيدًا: مغارة الميلاد. لا ذكر لها في الأناجيل الرسمية، إنجيل لوقا يحدد مكان الميلاد بمزود علف للحيوانات، فمن أين أتى التقليد الأشهر والأقدم عن ميلاد المسيح؟ 

مغارة الميلاد presepio تعتبر إعادة تجسيد لمكان وولادة المسيح خلال موسم عيد الميلاد. اعتاد المسيحيون أن يبنوها بشكل رمزي في البيوت والكنائس وحتى في الأماكن العامة أثناء فترة الاحتفال. فكيف أصبحت المغارة رمزًا قويًا في الاحتفال رغم عدم ذكرها بأي شكل في الأناجيل؟ 

تقودنا مسألة المغارة إلى ما يُعرف بـ “أناجيل الطفولة” وهي مجموعة أناجيل ظهرت في القرن الثاني الميلادي في مصر وسوريا، لسد فراغ تفاصيل طفولة يسوع وشبابه التي صمتت عنها الأناجيل الرسمية، وفي أناجيل الطفولة نجد حل لغز المغارة .. 

إنجيل يعقوب المنحول ذكر أن المخاض جاء لمريم في الطريق إلى بيت لحم، فأدخلها يوسف النجار مغارة، وخرج ليبحث عن قابلة، وعندما عاد كانت مريم قد وضعت الطفل يسوع وألقمته ثديها. 

لم تعترف الكنيسة بعد ذلك بأناجيل الطفولة وأحرقتها. لكن تأثيرها القوي على نفوس المسيحيين الأوائل استمر.

وأكبر دليل على مدى شيوع القصة أن الإمبراطورة هيلانة قد بنت كنيسة المهد فوق مغارة في بيت لحم كان الموروث الشعبي يعتقد أنها مغارة الميلاد المذكورة في أناجيل الطفولة، وذلك عام 330م. 

دلالة الانقلاب الشتوي

من المنطقي أن يحدث الخلاف بين الكنائس على تحديد يوم ميلاد المسيح بالنظر لغموض المسألة في الأناجيل الرسمية. ولم يكن باستطاعة المسيحيين الأوائل – طوال الثلاثة قرون الأولى بعد الميلاد- الاتفاق على تحديد اليوم،

واستمر الأمر موضع جدال إلى أن قرر البابا ليبيريوس أن المسيح ولد في 25 ديسمبر، بينما حددت الكنائس الشرقية وعلى رأسها الكنيسة القبطية يوم الميلاد في 7 يناير، رغم أن الإشارة الوحيدة في إنحيل لوقا حول الرعاة والقطعان تجزم بأن ديسمبر ويناير ليسا الشهرين المناسبين؟

25 ديسمبر يوافق تاريخ الانقلاب الشتوي، ذا الأهمية الكبرى في العديد من الثقافات القديمة السابقة على ظهور المسيحية.

في الحضارة المصرية القديمة، عين يوم حمل الإلهة إيزيس بابنها حورس في اليوم الأخير من شهر مارس. بالتالي يصبح يوم ولادة حورس – الإله الملك – في 25 ديسمبر،

وتُقام الاحتفالات بالطفل الإلهي في المعابد المصرية، وهو نفس الطقس الذي مارسه المسيحيون الأوائل بعد ذلك احتفالًا بميلاد يسوع في روما. 

وفي بلاد فارس، كانت تقام الولائم والاحتفالات في نفس اليوم على اعتبار أنه عيد ميلاد “الإله الشمس”.

وحتى في ثقافات الشرق الأقصى القديمة، كان الانقلاب الشتوي يومًا مقدسًا: الحضارة الهندية – وكذلك الصينية – كانت تحتفل بيوم الانقلاب الشتوي حيث تُغلق الحوانيت ويتوقف الناس عن العمل. 

ويتكرر الأمر في ثقافات عديدة، فميلاد الإله أدونيس والإله باخوس في الثقافة اليونانية والرومانية يحدث في يوم الانقلاب الشتوي أيضًا،

وحتى القبائل الأوروبية القديمة – كقبائل الجرمان – أطلقت على هذا اليوم “احتفال يولي yole”. وقد استمرت تلك الكلمة في اللغة الألمانية حتى الآن تدل على عيد ميلاد يسوع. 

كما أن العديد من الشخصيات الروحية الكبرى في التاريخ ارتبط ميلادها بالانقلاب الشتوي. نجد ذلك في قصص بوذا، والإله آتيس غازي روما، والإله أدونيس السوري، والإله الفارسي الشهير ميثرا، وحتى المخلص الفارسي الذي سيظهر في نهاية التاريخ وفقًا للعقيدة الزرادشتية.

إذًا، كان هناك إجماع روحي عالمي على قداسة يوم الانقلاب الشتوي وارتباطه بميلاد المخلص، حتى قبل ظهور المسيحية.

وربما كان هذا السبب هو تحديدًا سر ربط ميلاد المسيح باليوم نفسه؛ فالكنيسة حددت 25 ديسمبر كعيد ميلاد المسيح “عام 354 ميلادية”، في عام لاحق على الحالة السياسية والدينية التي رسمها الإمبراطور الروماني قسطنطين، حين قرر في 313 ميلاديه الاعتراف بالمسيحية؛ كمحاولة لإعادة الوحدة السياسية للإمبراطورية الرومانية عبر التوحيد الديني، ليكون تحديد 25 ديسمبر أكثر اتساقًا مع المزاج الروحي المشترك للثقافات التي تحكمها روما.

لماذا خالفت الكنيسة القبطية إذن؟

أما سبب بروز الاختلاف بين الكنيسة القبطية وبين الكنائس الغربية، فهو حالة الانشقاق التي بدأت في شكل خلاف لاهوتي على طبيعة المسيح الإلهية، وتصاعدت نتيجة للأهواء السياسية التي أرادت تقليص نفوذ الكنيسة القبطية.

وكان رد الكنيسة القبطية هو عدد من القرارات اللاهوتية ذات الطابع القومي، كان أشهرها تلاوة الصلوات في الكنائس المصرية باللغة المصرية القديمة التي سميت وقتها: اللغة القبطية. 

وكان تحديد يوم الميلاد في 7 يناير، الذي يعود في الأساس لموروث مصري قديم، فهو اليوم الذي يبتدئ فيه فيضان نهر النيل في مصر، واعتبر مناسبة للاحتفال بميلاد الإله أوزيريس.


المراجع:

  • فراس سواح، الوجه الآخر للمسيح
  • فراس سواح، ألغاز الإنجيل
  •  الكاردينال جان دانيالو، ‫أضواء على أناجيل الطفولة: دراسة عن طفولة يسوع بحسب إنجيلَي متّى ولوقا (دراسات في الكتاب المقدّس)‬
  • The Birth and Infancy of Jesus Christ: According to the Gospel Narratives، by Louis Matthews Sweet

 

رابط مختصر
للمشاركة لـ فيسبوك

موضوعات متعلقة

التعليقات (0)

يجب عليك .. تسجيل الدخول أو التسجيل لتتمكن من التعليق.

تعليقات الفيسبوك