الأضحية | كبش إبراهيم: هل ضحى اليهود بالكبش لإهانة آمون تحت حكم الفرس؟ | مصطفى ماهر

الأضحية | كبش إبراهيم: هل ضحى اليهود بالكبش لإهانة آمون تحت حكم الفرس؟ | مصطفى ماهر

20 Jul 2021
رابط مختصر
للمشاركة لـ فيسبوك
حجم الخط

“خُذِ ابْنَكَ وَحِيدَكَ، الَّذِى تُحِبُّهُ، إِسْحَاقَ، وَاذْهَبْ إِلَى أَرْضِ الْمُرِيَّا، وَأَصْعِدْهُ هُنَاكَ مُحْرَقَةً عَلَى أَحَدِ الْجِبَالِ الَّذِى أَقُولُ لَكَ”

(سفر التكوين 22: 2)

ترتبط قصة الأضحية الشهيرة للنبي إبراهيم بابنه إسحاق والفداء الشهير بالكبش، بالعيد الأهم في اليهودية “روش هشانا – رأس السنة العبرية”.

القصة نفسها مرتبطة بالعيد الأهم في الإسلام “عيد الأضحى” وإن كانت بعض الروايات الإسلامية تنقل تحديد الابن إلى إسماعيل بن إبراهيم من زوجته هاجر المصرية، رغم أن القرآن لم يحدد اسم الابن. لكنها باتت الرواية المتعارف عليها الآن في الثقافة الإسلامية.

دائمًا ما أثارت القصة العديد من الأسئلة الأخلاقية بخصوص الأمر الإلهي بذبح إبراهيم لطفله. لكن لم يلتفت كثيرون لدلالة اختيار الكبش كحيوان للفداء “الأضحية”.

قد يبدو الأمر لأول وهلة أنه مجرد بديل للابن الذبيح. لكن التاريخ يخبرنا قصة مختلفة عن الأمر.

الأضحية.. الظهور الأول

فكرة القربان أو “الأضحية” ولدت في مهد الحضارة البشرية؛ لسبب أساسي هو الخوف من غضب الطبيعة، وعدم فهم حقيقة الحياة وأصلها، والتسليم بوجود قوة خارقة مجهولة.

لذا لجأت الشعوب القديمة للتقرب إلى تلك الآلهة التي لا يعرفون ماهيتها، عن طريق المِنح والعطايا.

كان التقرب عبر “القربان – الأضحية” يحدث لتأكيد الإيمان بقوة الآلهة وسلطتهم، وتحاشيًا لغضبهم، وردًا لشر الطبيعة والأرواح المؤذية، ولاستجابة الدعوات والمطالب، والحصول على المعرفة، وإطالة العمر.

فالقربان بالنسبة للإنسان القديم هو وصلة يشيدها مع العالم الطبيعي والكون من حوله خوفًا أو تبجيلاً لجوانبه المجهولة التي لا يفهمها أو يخشى غضبها.

تطور الأضحية.. الارتباط بالمناسبات

مع تطور المجتمعات البشرية في الحضارات الزراعية القديمة، تغير معنى القربان، ليصبح تعبيرًا عن ذكريات معينة يحاول المجتمع الحفاظ عليها من خلال الطقوس والأعياد والاحتفالات الدينية خاصةً.

وفي هذا السياق القائم على الذكرى، طورت اليهودية عددًا من القرابين التي تدعم قيمًا معينة تخص الجماعة اليهودية.

وبعيدًا عن الأهمية التاريخية لتلك الذكريات – حيث أن المجتمعات لا تحافظ على ذكريات تتفق مع أحداث تاريخية واقعية وإنما تخلق الذكرى التي تخدم أهداف الجماعة نفسها – فقد ربطت التوراة مشاهد القربان داخل النص بلحظات تمييز الإله للجماعة اليهودية عن باقي الأمم.

في البدء، جاء القربان في إطار المنافسة بين ابني آدم: قايين/ قابيل المزارع، وأخيه هابيل الراعي، فقبل الرب قربان الراعي، وهو الأصل القديم للجماعة اليهودية: حياة البدو ورعي الأغنام.

ثم في مرحلة أخرى، جاء قربان الشواء الذي قدمه النبي نوح، وعلى أساسه توقف الطوفان العظيم، بعدما رضي الإله عندما تصاعدت رائحة الشواء، ومن هنا اصطفى نوحًا ليكون لنسله أصل البشر جميعًا.

أما مرحلة النبي إبراهيم فهي الأكثر غموضًا، ليس فقط لأن مدخل القصة نفسها غير مفهوم، ولكن لارتباط طقس الأضحية بالكبش خصوصًا، فقد استمرت اليهودية حتى يومنا هذا تربط بين الواقعة وحيوان الكبش.

ومن هنا يأتي السؤال: ما الذكرى التي حاولت اليهودية ترسيخها من خلال التضحية بالكبش في أهم أعيادها السنوية: رأس السنة العبرية؟

الشريعة اليهودية: قلب قيم العالم القديم

إذا فحصنا جوهر الشرائع والقوانين اليهودية، الواردة خاصةً في سفر تثنية الشريعة – وهو السفر الذي يعرض لتفاصيل الشريعة التي فرضها الإله على لسان نبيه موسى – فهي عملية لعكس كل ممارسات الأديان الوثنية (تعدد الآلهة)، وخصوصًا مصر القديمة – بدايةً من العقيدة، وصولًا لأبسط التفاصيل اليومية.

أشهر مثال على ذلك هو تحريم الأوثان نفسها.

وكما ذكرنا، فالمجتمعات تحتاج إلى ذكرى تخدم أهداف الجماعة. من هنا حملت أغلب قصص التوراة تأكيدًا على ممارسات ضد المجتمع الوثني.

وعلى هذا الأساس، كانت طبيعة الأضحية هي مقدسات الوثنيين نفسها؛ فالمجتمع المصري القديم يقدس العديد من الحيوانات على أساس أنها رموز للآلهة: فالإلهة حتحور مثلًا تتجسد في البقرة، بينما يمثل الكبش إله الخلق خنوم، وأيضًا هو رمز الإله المصري الأكبر: آمون.

فهل هناك علاقة الأضحية بالكبش في العيد اليهودي، وبين الإله الأشهر عند المصريين القدماء؟

يذكر سفر الخروج واقعة تشير للأمر، فعندما اعترض النبي موسى على اقتراح فرعون بإقامة اليهود لشعائر عقيدتهم في مصر بدلًا من الخروج والتيه في البرية، كانت الحجة أن قرابين العقيدة اليهودية ستثير غضب المصريين؛ أي أن القربان اليهودي يخص حيوانًا مقدسًا عند المصريين، وكما ذكرنا فالكبش وهو قربان العيد اليهودي رمز للإله آمون.

الإله آمون بين التقديس والازدراء 

آمون هو أحد أقدم الآلهة المصرية. والكلمة تعني: المحتجب أو الخفي.

وفي عصر المملكة الحديثة، بدايةً من 1550 ق.م، اعتبر  كبير الآلهة المصرية، ودمج مع الإله رع تحت اسم: آمون-رع كإله رسمي للدولة.

صُور آمون دائمًا على هيئة آدمية. لكن رمزه الأشهر كان الكبش وفير الصوف ذا القرنين المعقوفين، اللذين أصبحا يعرفان باسمه “قرنا آمون“. وظل ممثلًا بهذه الصورة منذ عهد أمنحوتب الثالث، بينما ارتبط الكبش المحلي القديم ذو الشعر المرسل والقرون المستقيمة المبرومة بالإله خنوم.

وفي شهادة متأخرة تعود للمؤرخ اليوناني الشهير هيرودوت، يؤكد استمرار تقديس الكبش كرمز لآمون في عصور الاحتلال الفارسي لمصر، فيقول:

“يرسم المصريون صورة آمون على هيئة الكبش، فأهل طيبة لا يذبحون الكباش بل يقدسونها لهذا السبب” 

لكن هل تكفي تلك الإشارات المبهمة لربط الأضحية بالكبش في اليهودية بتدنيس رموز الآلهة المصرية؟

الصراع اليهودي المصري في جزيرة إلفنتين

في بداية القرن الخامس قبل الميلاد، وقعت حادثة شهيرة موثقة تاريخيًا في جزيرة إلفنتين المصرية – وهي إحدى جزر أسوان الواقعة في النيل – تلقي ضوءًا جديدًا على معنى الأضحية بالكبش بالنسبة لليهود.

في تلك الفترة، كانت هناك جالية يهودية تسكن في نفس الجزيرة إلى جوار السكان المصريين. وكان معبد الإله يهوه يقف بالقرب من معبد الإله خنوم المصري.

وتحت حماية فارسية، كررت الجالية اليهودية تقديم قربان الكبش – خاصةً في عيد الفصح اليهودي – بالقرب من المعبد المصري، على الرغم من غضب الكهنة والأهالي.

استغل المصريون غياب فرقة الجنود الفارسية، ودمروا المعبد اليهودي ردًا على إهانة مقدسهم.

طلب اليهود الإذن بإعادة بناء الهيكل من السلطات الفارسية، بتوصية من يهود القدس، وهو ما وافقت عليه السلطة، بشرط ألا يقدموا قربان الكبش مجددًا.

رمز الانتصار على مصر القديمة

من المعروف أن تقديس الحيوانات عادة دينية موغلة في القدم بالنسبة للمصريين.

ومنذ سقوط الحكم المصري ودخول الأجانب، وخاصةً الفرس، اكتسبت العادة مكانة أكبر من الماضي؛ لأنها أصبحت تعبر عن هوية المصريين الثقافية والدينية، التي تحافظ على تميزهم أمام طوفان العادات الأجنبية الغربية التي جلبها المحتل.

من ناحية أخرى، كانت اليهودية تمارس نفس التأكيد على الهوية في ظل إمبراطورية سياسية واحدة تجمعهم مع المصريين وهي الإمبراطورية الفارسية.

ولذلك اكتسبت عادة التضحية بالكبش مكانة مهمة في العقيدة؛ باعتبارها ترمز لانتصار نسل إسحاق (بني إسرائيل) على عدوها اللدود مصر القديمة (الكبش رمز الإله الرسمي لمصر القديمة).

شهادة أخرى للمؤرخ الروماني بابليوس تاسيتُس (55-120م) تؤكد على نفس المعنى، في سياق تأكيده على أن القانون والعادات اليهودية قد شُرعت على النقيض من القيم المصرية القديمة وخاصةً الديني منها. يقول نصًا:

“حتى أن اليهود قد ضحوا بالكبش من أجل ازدراء الإله المصري آمون”.

المراجع

1- موسى المصري – حل لغز آثار الذاكرة، يان أسمان، ت: حسام عباس الحيدري

2- القرابين في مصر (التوراة.كوم)

3- الذاكرة الحضارية، يان أسمان، ت: عبد الحليم رجب 

4- لغز عشتار، فراس سواح 


 

رابط مختصر
للمشاركة لـ فيسبوك

موضوعات متعلقة

التعليقات (0)

يجب عليك .. تسجيل الدخول أو التسجيل لتتمكن من التعليق.

تعليقات الفيسبوك