وفقًا لرواية الكتاب المُقدّس، فإن ملكة سبأ امرأة "ذكية، ومستقلة، وشديدة، ومحترمة". بخلاف ذلك لا تمنحنا الرواية التوراتية الكثير من التفاصيل.
تضاعفت هذه التفاصيل في النصِّ اليهودي "الترجوم الثاني (Targum Sheni)"، الذي وُضِع في القرن الثامن الميلادي. والذي ظهر فيه، لأول مرة، الهدهد الناطق الذي يُخطر سليمان بنبأ شيبا "الأرض الوحيدة على الأرض التي لا تخضع لسلطته".
وفقًا للمرجع اليهودي، فإن سليمان أرسل الهدهد إلى أرض شيبا، حيث أخبر ملكتها بضرورة الخضوع له، وهو ما ردَّت عليه بإرسال أسطول "بكل سفن البحر".
حمل الأسطول الكثير من الهدايا الثمينة، منها 6 آلاف شاب وُلدوا في نفس اليوم ويمتلكون نفس الطول، أخبروا الملك سليمان أن الملكة ستفد لزيارته في القدس.
عند وصولها، أخبرت الملكة سليمان بثلاثة ألغاز، حلّها على الفور، فازدادت مكانته لديها.
الرواية القرآنية قدّمت تفاصيل مشابهة لنظيرتها اليهودية، وتحديدًا في البدء بالهدهد الذي يكتشف قومًا يسجدون "للشمس من دون الله"، فيُخطر سليمان بذلك.
. لكنها لم تُسمَّ الملكة التي منحتها كتب التاريخ الإسلامية اسم"بلقيس".
في النسخة الإسلامية من الرواية، سليمان ليس مجرد ملك قوي، بل نبي يؤمن بالله، يفهم لغة الأشجار والحيوانات، يسيطر على جيشٍ من "الجن والرجال والطيور".
يقع الاختلاف هنا، في أن سليمان يرفض كل هدايا الملكة، كما أنه هو الذي يُخضعها لاختبار لا هي، فيُكلِّف أحد الجن بسرقة عرشها خلال قدومها إليه. في النهاية، تخضع الملكة لسليمان وتؤمن بالله وتدخل الإسلام.
وقع جدال بين الباحثين حول القصتين، أيّهما أخذها عن الآخر، البعض يحتجّ بأن التوراة تسبق القرآن بالنزول.
لكن آخرين يحتّجون بأن المرجع اليهودي الرئيسي للقصة؛ "الترجوم الثاني" وُضِعَ بعد نزول القرآن بنحو قرنٍ. وفي هذه الحالة فقد يكون للنص الإسلامي تأثيرًا على نظيره اليهودي، لا العكس.
هناك نسخة مجهولة من الحكاية، بزغت في أرض مملكة أكسيوم (في الوقت الحاضر إثيوبيا وإريتريا والصومال وجيبوتي)، بعدما دمجت بين المرويات الإسلامية واليهودية وبعض الحكايات الشعبية، صانعة قصة جديدة تمامًا.
كُتبت هذه الأسطورة في الكتاب الملحمي "مجد الملوك"، الذي يُنسب إلى إسحاق نيبورا، وهو مُؤلَّف من 117 فصلًا، وصفه الباحث الإثيوبي إدوارد أوليندورف بأنه "مزيج هائل من الحكايات الأسطورية".
في النسخة الأفريقية تحمل الملكة اسم "ماكيدا"، وحتى الآن تُنسب لها أطلال قصر دونغار التي تعود إلى القرن السادس الميلادي، وتقع شمال إثيوبيا، ويُعرف بِاسم "قصر ملكة سبأ".
تبدأ الحكاية هذه المرة، بتاجر ثري يُدعى "تامرين" يلتقي بالملك سليمان في القدس، وينبهر بحجم ثروته وعظمة مُلكه، ويحكي لملكته ماكيدا عمّا رأى.
تسافر الملكة بنفسها إلى القدس، لمقابلة الملك، وهناك تكتشف "كم كان مثاليًا في رباطة جأشه، لطيفًا، وحكيمًا في الفهم".
في المقابل، يًفتتن الملك سليمان بجمال ماكيدا، ويصنع لها مأدبة فاخرة، وينجح في إغوائها.
وفقًا للحكاية الأفريقية، عادت ماكيدا إلى إثيوبيا حاملاً بطفل سليمان، وهو صبي تسميه مينليك، أي "ابن الحكيم"، وعندما بلغ العشرين من عُمره، سافر إلى القدس لمقابلة والده الذي نصبه ملكًا على إثيوبيا.
استند على هذه القصة أبناء مينليك، ليأسسوا أسرة حاكمة عُرفت بِاسم "سلالة سليمان"، حكمت إثيوبيا لأكثر من سبعة قرون.
حتى الآن لا يوجد أي دليل على وجود "ملكة سبأ" على أرض الواقع؛ فالموقعان الرئيسيان للأحداث هما: مملكة سبأ في اليمن الحديث، ومملكة أكسوم القديمة في إثيوبيا.
على مدار قرنٍ من الزمان، بذل العديد من علماء الآثار جهودًا مضنية للعثور على دليل يوثق حياة الملكة، كلها كانت دون جدوى.
أحد العوامل المعقدة، هو صعوبة وقوع أي تقاطع في الاحداث بين الملك سليمان الذي عاش، غالبًا، في القرن العاشر قبل الميلاد، وبين تاريخ مملكتي "سبأ" و"أكسوم".
فصحيح، أن بعض النصوص الأثرية الآشورية تحدثت عن مملكة عربية عظيمة، أرسلت سفراء وهدايا إلى البلاط الآشوري في بعثات دبلوماسية وتجارية.
لكن هذه المملكة المذكورة، بلغت أوج نجاحها في القرن الثامن قبل الميلاد، أي بعد فترة طويلة من حكم سليمان.
وهو ذات السيناريو الذي ينطبق على مملكة أكسيوم، التي ظهرت إلى النور خلال الفترة من العام 100 ق.م وحتى القرن السابع الميلادي، أي بعد سنوات عديدة من حكم سليمان.
أين حكمت ملكة سبأ – شبه الجزيرة العربية أم إفريقيا؟ (ناشونال جيوغرافيك)
أدلة جديدة على لغز مناجم الملك سليمان (ناشونال جيوغرافيك)