خروج اليهود من مصر | لماذا يرفض أغلب المؤرخين القصة الدينية الأشهر؟ | مصطفى ماهر

خروج اليهود من مصر | لماذا يرفض أغلب المؤرخين القصة الدينية الأشهر؟ | مصطفى ماهر

15 Jul 2021
إسرائيل الدين
رابط مختصر
للمشاركة لـ فيسبوك
حجم الخط

سفر الخروج اليهود في مصر

لا يعرف القصص الديني أشهر من قصة خروج اليهود من مصر.

تبدأ ملحمة الخروج باستعباد “فرعون” مصر الطاغية لجموع بني إسرائيل، واستغلالهم بالسخرة في أعمال البناء، ثم خروجهم الأسطوري عبر صحراء سيناء بقيادة النبي موسى – الشخصية الأهم في التاريخ اليهودي – في أجمل حكاية أدبية عن تحرر جماعة إنسانية من نير العبودية.

لكن، بعيدًا عن جماليات القصة وقيمها الرمزية: ما الذي تكشفه الوثائق التاريخية وعمليات التنقيب الأثري التي دفعت أستاذ جامعة تل أبيب للاعتراف بزيف القصة تاريخيًا؟

تنقسم اعتراضات المؤرخين على قصة خروج اليهود من مصر إلى نوعين من الأدلة:

أولًا: المفارقات التاريخية

المفارقات التاريخية هي تناقضات كشفها النقاد أثناء فحصهم للتوراة نفسها، بعيدًا عما تقوله أي مصادر أخرى عن القصة، عبر التحليل اللغوي ومقارنة أجزاء القصة بعضها ببعض من ناحية، ومقارنتها بالحقائق التاريخية المعروفة للجميع.

ورغم أن الاختلافات بين القصة التاريخية والأسطورية عديدة، لكن العامل الحاسم في التفريق بينهما هو إمكانية تحديد الأزمنة والأمكنة تحديدًا دقيقًا.

فهل طريقة سرد قصة خروج اليهودي من مصر تضعها في حيز أسطوري أم تاريخي؟!

أولى المفارقات التاريخية ظهرت عندما بدأ التساؤل عن حقيقة مؤلف «الأسفار الخمس الأولى».

كان متفقًا على أن كاتبها هو النبي موسى نفسه. لكن ملاحظة بسيطة جدًا بخصوص آخر الأسفار الخمسة «سفر التثنية» فتحت باب الشك مبكرًا: ينتهي السفر بوصف وفاة النبي موسى وتولي خليفته «يشوع بن نون» قيادة الجماعة الإسرائيلية! فكيف يمكن أن يصف النص موت مؤلفه؟

على الأقل اعترف البعض بوجود كتبة شاركوا في تحرير النص.

إمكانية الاختبار

سفر الخروج خاصةً لم يفوت أبدًا أي تحديد لأماكن وقوع قصة خروج اليهود من مصر بمختلف تحولاتها. وبداخل النص التوراتي معلومات تفيد بشكل غير مباشر عن زمن وقوع الأحداث الرئيسية، بما يضع سفر الخروج تحت طائلة الفحص التاريخي.

رغم ذلك: هل يمكن وضع تواريخ محددة من داخل التوراة لتفاصيل قصة الخروج؟

لا تحدد التوراة أعوامًا بعينها لأحداث خروج اليهود من مصر بشكل مباشر، وتتجاهل ذكر الكثير من المعلومات المهمة عنها.

لكن، يمكن من خلال العودة لبعض الأسفار كـ «سفر الملوك» أن نحدد – ببعض العمليات الحسابية البسيطة – الأعوام التقريبية لأهم أحداث التوراة:

إذا جمعنا أعوام حكم ملوك يهوذا منذ فترة الملك سليمان إلى سنة تدمير أورشليم 586 ق.م، نجدها 430 سنة.

بذلك، يكون حكم سليمان في حدود 1016 ق.م.

أيضًا، طبقًا لهذا السفر، فإن عدد السنوات التي من المفترض أنها انقضت بين واقعة خروج اليهود من مصر وبين بناء الهيكل في عهد سليمان هو 480 سنة. ليكون تاريخ وقوع حادثة الخروج وفقًا للتوارة في حدود 1496 ق.م.

ومن خلال «سفر العدد» الذي يفرد 40 سنة لواقعة «تيه بني إسرائيل في سيناء» فإن غزو أراضي كنعان تحت قيادة يشوع لابد أن يكون قد بدأ في 1456 ق.م.

تدمير أورشليم 586 ق.م

تدمير أورشليم 586 ق.م

أولى المفارقات التي تقابلنا هنا هي عام الخروج نفسه:

النصف الأول من القرن الخامس عشر قبل الميلاد هو فترة حكم الملكة الشهيرة «حتشبسوت»، بما يتناقض بشكل صادم مع تفاصيل سفر الخروج الذي يصف عملية بناء مدينة «بر- رمسيس» على يد اليهود من خلال السخرة، ومعروف أن تلك المدينة شيدها الملك «رمسيس الثاني» حوالي 1278 ق.م، بما يعني وجود فجوة تصل إلى 218 سنة!

الأدهى أن توقيت دخول القبائل الإسرائيلية لكنعان بقيادة يشوع في حدود 1456 ق.م يتزامن تاريخيًا مع حملات أشهر قائد عسكري في التاريخ المصري القديم «تحتمس الثالث»، فهي فترة عز الإمبراطورية المصرية في كنعان وأعالي الفرات؛ أي أن الخروج من سيناء إلى كنعان في تلك الحقبة يصبح بلا معنى؛ لأن الجماعة اليهودية لا تزال داخل حدود الإمبراطورية المصرية!

ثانيًا: أدلة المصادر الخارجية

تلك المفارقات قادت المؤرخين للبحث عن أدلة في مصادر خارج التوراة؛ فقد افترض البعض أن الأزمة تعود إلى عدم الدقة في تحديد التواريخ داخل التوراة.

والمصادر الخارجية غنية جدًا بالمعلومات حول مصر القديمة وكنعان في تلك الفترات القديمة: هناك سجلات الممالك الكبرى في المنطقة، وعلى رأسها مصر القديمة وبلاد الرافدين، وهناك النقوش والسجلات الكتابية والبقايا الأثرية في كنعان نفسها.

افترض البعض أن البداية الأدق للفحص الأثري يبدأ بمنطقة «شرق الدلتا»، حيث يصف سفر الخروج مكوث أبناء القبائل الإسرائيلية في تلك المنطقة لأكثر من 400 سنة في حالة عزلة عن المجتمع المصري القديم، مما يعني – بالنسبة للتنقيب الأثري – وجود بقايا أثرية للمجتمع الإسرائيلي في تلك المنطقة.

ورغم أن دخول أفراد أو قبائل كنعانية لمنطقة الدلتا كان أمرًا شائعًا ومنظمًا من قبل الإدارة المصرية، خاصةً أن مصر كانت تعتبر جنة مقارنةً بأرض كنعان التي يصيبها الجفاف والمجاعة لفترات طويلة، إلا أن التنقيب الأثري لم يجد أي دليل عن وجود تجمع إسرائيلي في تلك المنطقة، بالإضافة طبعًا إلى السجلات المصرية القديمة التي لا تذكر ولو إشارة عن مكوث قبائل إسرائيلية لتلك المدة الطويلة بشرق الدلتا.

كان الرهان الأخير حول قصة خروج اليهود من مصر هو التنقيب بداخل سيناء نفسها، فالقصة تحكي عن أكثر من 600 ألف يهودي تاهوا بداخل صحراء سيناء لأكثر من 40 عامًا.

وبعيدًا عن مدى دقة أعداد القصة التوراتية، حيث أن تعداد السكان بمصر القديمة في ذلك الوقت لم يكن ليتجاوز (6 ملايين نسمة)، إلا أن سيناء منذ طرد الهكسوس على يد الملك أحمس في منتصف القرن السادس عشر قبل الميلاد، خضعت لرقابة شديدة من الإدارة المصرية، وقد نظمت خطوط التجارة الواصلة بين الدلتا المصرية وكنعان من خلال طريق رئيسي عُرف باسم «طريق حورس» الذي اشتهر في السجلات المصرية بتنظيمه الدقيق؛ فبعد مسيرة يوم لابد أن تصادف حصنًا عسكريًا يجاوره مخازن للقمح وبئر أو خزان مياه.

ومن الصعب جدًا الدخول أو الخروج من سيناء دون التعرض لتلك الحصون المصرية التي ترسل تقارير مفصلة عن دخول وخروج القبائل والأفراد عبر سيناء. مع ذلك، لا توجد أية إشارة عن حركة اليهود أو قتالهم مع أي حصن على طريق حورس الرئيسي.

وقد دعم التنقيب الأثري على يد علماء آثار يهود في سبعينيات القرن الماضي تلك الحقيقة بشكل كان مؤسفًا لأغلبهم.

حصون مصر القديمة الحدودية

حصون مصر القديمة الحدودية

كان هناك افتراض أخير أن خروج اليهود من مصر قد حدث بعيدًا عن الطريق الرئيسي، عبر صحاري وجبال سيناء المقفرة. لكن التنقيب الأثري الحديث قادر على اقتفاء أثر أي تحرك بشري ولو كانوا مجموعة صيادين جوالين من عصور ما قبل التاريخ، فما بالك بجماعة سكانية ضخمة تحركت لمدة أربعين سنة؟

لكن التنقيب لم يكشف أي أثر، ولا شقفة فخارية واحدة.. لا شيء إلا بقايا الحصون المصرية القديمة..

هل بقي أي احتمال؟

يراهن البعض على الاكتشافات المستقبلية فيما يخص إثبات قصة خروج اليهود من مصر. لكن عالم المصريات الشهير «دونالد بى ريدفورد» يوضح تلك الإشكالية مفرقًا بين نوعين من الأدلة التاريخية التي تنفي أو تثبت حدوث قصة ما،

فأولًا هناك ما يسمى الدليل بالسلب، وهو توقفنا عن تصديق قصة ما لعدم وجود دليل أثري تاريخي يدعمها، لكن يمكن أن تظهر أدلة تدعم القصة في ما بعد أي أنها لا تزال واردة الحدوث لكنها تفتقر للدليل فقط.

أما الدليل بالإيجاب فهي قصة مستحيلة الحدوث لأنها تتناقض بشكل مباشر مع أدلة أثرية من زمان ومكان الحدث، ويضع دونالد القصة الواردة في سفر الخروج تحت البند الثاني.

كوت إسرائيل2

ملاحظة ختامية

قصة خروج اليهود من مصر وردت في القرآن بخلاف اليهودية دون اختلاف في التفاصيل. لكن هناك اختلاف في إطارها العام:

القصة القرآنية مجردة تمامًا من الزمان والمكان، عكس القصة التوراتية التي حددت تفاصيل المكان والزمان، مما يقرب السرد القرآني لدائرة القصة الأسطورية القابلة للتأويل المجازي، أو الوارد حدوثه في أماكن أخرى غير الحضارة المصرية القديمة.

مراجع:

  • Donald B. Redford

1- Egypt, Canaan, and Israel in Ancient Times. Princeton: Princeton University Press, 1992

2- Pharaonic King-Lists, Annals, and Day-Books: A Contribution to the Study of the Egyptian Sense of History

  • Israel Finkelstein

1- The Bible Unearthed : Archaeology’s New Vision of Ancient Israel and the Origin of Its Sacred Texts, Simon & Schuster 2002

  • سليم حسن، موسوعة مصر القديمة، مؤسسة هنداوي.

  • كارين أرمسترونج، تاريخ الكتاب المقدس، ت: د.محمد الصفار


رابط مختصر
للمشاركة لـ فيسبوك

موضوعات متعلقة

التعليقات (0)

يجب عليك .. تسجيل الدخول أو التسجيل لتتمكن من التعليق.

تعليقات الفيسبوك