بعد سقوط "دولة الخلافة" في سوريا، اختفى عشرات الآلاف من المقاتلين الأجانب الذين يقاتلون في صفوف داعش. وبالاستعانة بشبكات التهريب، لم يجد كثيرون منهم صعوبة في العثور على ملاذات آمنة، حيث يمكنهم أخذ قسط من الراحة، أو انتظار الفرص والأوامر الجديدة، أو العودة إلى الحياة الطبيعية.
وفق تحقيقات أجرتها صحف محلية، اختار بضع مئات من مقاتلي الخلافة السابقين أوكرانيا كمكان إقامتهم، مع مؤسساتها العامة الضعيفة وتفشي الفساد، وضعف الرقابة على الحدود، والصراع المستمر، والذي وفر الكثير من الفرص للأشخاص الذين يرغبون في البقاء متخفين.
اختيار أوكرانيا لم يكن صعبًا؛ هناك تسمح الدولة بتدفق كتائب المتطوعين، الذين حظي بعضهم باعتراف رسمي، مع السماح لهم بالعمل تنظيميًا بعيدًا عن سيطرة الدولة، وتلقي دعم المواطنين العاديين.
هناك كذلك، يمكن شراء جواز سفر وهوية جديدة بمقابل زهيد لا يتجاوز 15,000 دولار، تمنح "الأخ المجاهد" اسمًا جديدًا ووثيقة جديدة تثبت جنسيته الأوكرانية بشكل رسمي.
أوكرانيا أيضا بوابة أوروبا. صحيح أنها لا تنتمي إلى الاتحاد الأوروبي، لكنها طريق سهل للهجرة إلى الغرب؛ حيث يواجه الأوكرانيون صعوبات محدودة في الحصول على تأشيرات دخول إلى بولندا المجاورة، للعمل في مواقع البناء والمطاعم، لملء الفراغ الذي خلفه ملايين البولنديين الذين غادروا بحثًا عن عمل في بريطانيا وألمانيا.
يمكن كذلك القيام بأعمال تجارية غير قانونية بسهولة في أوكرانيا؛ حيث يسهل توفير المال بسهولة لتمويل جبهات "الجهاد العالمي الأخرى".
كما يمكن "بشكل قانوني" الحصول على أسلحة غير مسجلة لمحاربة الانفصاليين المدعومين من روسيا ، ثم تصديرها عبر رشوة ضباط الجمارك الأوكرانيين إلى أي مكان يختاره "المجاهدون".
هنا، شكل الدواعش تنظيمًا يلقب بـ "الأخوة" يضمهم مع غيرهم من مقاتلي التنظيمات الإسلامية السرية الأخرى، الذين هجروا بلدانهم، باستخدام أسماء مستعارة وهويات مزيفة، وعبروا الحدود سرًا بدون تأشيرات غالبًا، للقتال في الشرق الأوسط وأفريقيا والقوقاز، أملًا في إنشاء خلافة جديدة.
كل هؤلاء توافدوا على تركيا من جميع أنحاء العالم، حيث يتولى فرع داعش السري في إسطنبول تنظيم تدفقهم إلى جبهات "الجهاد العالمي"، والجبهة الجديدة كانت أوكرانيا.
أحد "الأخوة" في أوكرانيا كان "رسلان" الذي وثقت "ذا إنترسبت" قصته.
ولد في القوقاز، على الحدود بين داغستان والشيشان.
حارب أولًا ضد الروس في الشيشان وداغستان خلال الحرب الشيشانية الأولى في منتصف التسعينيات.
ثم انتقل إلى أذربيجان، حيث قُبض عليه في نهاية المطاف في عام 2004 للاشتباه في أنه كان على اتصال بالقاعدة.
في السجن، قاضى رسلان السلطات المحلية أمام المحكمة الأوروبية لحقوق الإنسان، بدعوى أنه تعرض للتعذيب، وأن السلطات وضعته عمدًا في زنزانة مع مصابين بالسل، فحصل على حكم بالتعويض، قبل إطلاق سراحه لاحقًا، ليبحث عن وجهة جديدة خوفًا من إعادة الاعتقال،
يوجهه "الأخوة" إلى أوكرانيا، حيث يعملون مع كتيبة من المجاهدين الشيشان، وهذا ينقلنا إلى الجانب الآخر من القصة.
ليس كل "الأخوة" المقاتلين في أوكرانيا دواعش. بعضهم أتى من الشيشان حيث شكلوا كتيبة "جوهر دوداييف"؛ بحثًا عن ساحة جديدة لمواجهة الروس الذين هزموهم مرتين، وردًا لجميل أوكرانيين قوميين، مثل أولكسندر موزيكو ، الذي أصبح أحد الإخوة، على الرغم من أنه لم يعتنق الإسلام أبدًا.
موزيكو، إلى جانب متطوعين أوكرانيين آخرين، انضموا إلى المقاتلين الشيشان، وشاركوا في الحرب الشيشانية الأولى ضد روسيا. حيث قادوا فرعًا من المتطوعين الأوكرانيين، يُدعى "الفايكنغ"، والذي قاتل تحت قيادة القائد الشيشاني الشهير شامل باساييف.
في 2005، كانت روسيا قد أكملت السيطرة على الشيشان، حيث أجبرت من تبقى من الجهاديين على الفرار من الجبال التي احتموا بها لنحو 5 سنوات. أحد الفارين كان عيسى موناييف، قائد قوات الدفاع عن العاصمة جروزني خلال حرب الشيشان الثانية عام 1999.
من الشيشان، فر موناييف إلى الدنمارك، حيث شكل في 2009 حركة سياسية سماها "القوقاز الحرة"، تحولت إلى حمل السلاح في 2014، بتشكيل ما وصفها بـ "كتيبة حفظ سلام دولية" للقتال في أوكرانيا ضد الانفصاليين الموالين لروسيا،
ومن هنا تشكلت كتيبة "جوهر دوداييف" التي بدأت بـ 500 متطوع قادهم موناييف، قبل أن تتوسع لاحقًا ليصل تعدادها إلى ثلاثة كتائب على الأقل.
يخشى السياسيون الأوكرانيون أنه يومًا ما، بدلًا من محاربة الروس في الشرق، سينقلب "الأخوة" على الحكومة في كييف.
وبالنسبة للعديد من "المجاهدين"، فإن الحرب في منطقة دونباس بأوكرانيا هي مجرد مرحلة تالية في الحرب ضد الإمبراطورية الروسية؛ سعيًا إلى هدفهم النهائي في إعلان الخلافة في الشرق الأوسط، أو على الأقل إخلاء القوقاز من النفوذ الروسي.
يتلقى "الأخوة" منحًا من ما يسمى بالمنظمات الإنسانية الإسلامية. كذلك يحصلون على تبرعات من القوميين الأوكرانيين أو المواطنين العاديين. لكنهم يبحثون عن مصدر تمويل أضخم لـ "حلم الخلافة".
بدأ البحث عن التمويل عبر سرقة المال والسيارات والسطو على منازل الطبقات الغنية. لكن، تخوفًا من حظر الكتائب، اتجهوا لاحقًا للتنقيب في الاقتصاد غير السري، عبر التفاوض مع المافيا للتعدين في مناجم الكهرمان في غابات شرق أوكرانيا، والتي يصل إنتاجها "غير القانوني" إلى أكثر من 12 طنًا.
الطريق الأخير كان العمل في ملف مختلف جدًا، مخالف للقانون وحتى الشريعة الإسلامية، لكنه يجلب الكثير من الأموال: السطو على الكازينوهات غير القانونية ، التي يعمل بها المئات في كييف.
على الجانب الآخر من الحرب، عبر العديد من المقاتلين الروس الحدود إلى أوكرانيا لمحاربة ما يسمونه "المجلس العسكري الفاشي في كييف".
هؤلاء المقاتلون، الذين جندتهم الحركات القومية اليمينية المتطرفة، مدفوعون أيديولوجيًا للحرب ضمن ما يلقب بـ "الجهاد الروسي".
يعرفون أنفسهم بإمبرياليين روس قوميين، من نسل الحرس الأبيض"، ويقولون إن هدفهم تحرير أرض "نوفوروسيا" أو "روسيا الجديدة" وشعبها الروسي، من العدو، بعدما تخاذلت الدولة الروسية عن نصرتهم.
يقول أحدهم، واسمه نورمان: "أنا مستعد للموت لاستعادة أراضي روسيا التي تنازل عنها الشيوعيون.. هذه الأرض ملك الشعب الروسي، ويجب أن تعود إلى الشعب الروسي".
جهاديون في إجازة” لماذا أصبحت أوكرانيا ملاذاً لمقاتلي داعش؟ (Zaborona)
في خضم الحرب ، تصبح أوكرانيا بوابة الجهاد (The Intercept)
مقاتلو “الجهاد الروسي” يعبرون الحدود إلى أوكرانيا (France 24)
عدو بوتين الأول: فلاديمير قتل زوجتي وعذبني بعدما ادعى أنني حاولت قتله (The Sun)