"ولدت سوداء.. وسأموت سوداء. ولن أقدم أعذارًا لأي شخص"، تقول كامالا هاريس" التي تقطع في منتصف الخمسينات من عمرها خطوة مهمة نحو الحلم الذي تأخر قليلًا.. أن تصبح بنت المهاجرين سيدة البيت الأبيض الأولى.
هي امرأة. سوداء. والدها جاميكي الأصل ووالدتها هندية.. معلومة ستؤثر على مشوار هاريس السياسي على امتداد خطه.
غالبًا ما تنسب هاريس الفضل إلى نشاط الحقوق المدنية لوالدتها الراحلة شيامالا جوبالان هاريس ، في تشكيل حياتها المهنية.
شاركت والدة هاريس، التي هاجرت من نيودلهي إلى بيركلي، كاليفورنيا، في 1958، في اعتصامات واحتجاجات سلمية ضد حرب فيتنام إلى جانب زوجها دونالد هاريس.
تخصصت في الاقتصاد والعلوم السياسية. وترشحت لأول منصب في حياتها في انتخابات مجلس طلاب جامعة هوارد، وهي مؤسسة سوداء تاريخيًا في واشنطن.
تقول إن إدارة الحملة كانت صعبة؛ إذ أجبرتها على الذهاب للغرباء لإقناعهم بالتصويت لها.
فازت بالمنصب، ثم حصلت على الدكتوراه في القانون من جامعة كاليفورنيا، لتصبح فيما بعد نائبة المدعي العام في مقاطعة ألاميدا، كاليفورنيا.
عملت لفترتين كمدعية عامة لمنطقة سان فرانسيسكو اعتبارًا من 2003، قبل أن تؤدي اليمين كمدعية عامة لولاية كاليفورنيا في 2011، لتصبح أول امرأة وأول شخص ملون يشغل المنصب، وتصبح أعلى نساء الديمقراط من غير البيض منصبًا في الحكومة الأمريكية.
بصفتها مدعية عامة في كاليفورنيا، حصلت على تسوية بقيمة 25 مليار دولار لأصحاب المنازل في الولاية من شركات الرهن العقاري في أعقاب الأزمة المالية 2008. كما أطلقت مبادرة ضد الانتهاكات والاستغلال عبر الإنترنت.
كمواطن عادي ، تبرع دونالد ترامب لحملة هاريس مرتين عندما كانت مرشحة لمنصب المدعي العام في كاليفورنيا. إذ ساهم بما مجموعه 6,000 دولار لحملتها الانتخابية في عامي 2011 و 2013 مجتمعين ، وفقًا لسجلات الولاية.
الجدير بالذكر هنا أن دونالد ترامب قال عنها لاحقا: "اعتقدت أنها كانت أتعس ، أفظع ، أكثر الناس عدم احترام من أي شخص في مجلس الشيوخ الأمريكي".
تروج هاريس دائمًا لنفسها من منصة الأصل العرقي. هي عضو في ألفا كابا ألفا، وهو أول ناد نسائي للسود في الولايات المتحدة.
باتت ثاني أمريكية سوداء وأول امرأة من أصل آسيوي تصل مجلس الشيوخ عن ولاية كاليفورنيا في 2017، ركزت في خطاب الفوز على التعهد بـ "الكفاح لتصبح حياة السود مهمة"، وعلى وصول المرأة إلى الرعاية الصحية وحقوق الإنجاب.
انضمت هاريس لللجنة القضائية بمجلس الشيوخ في 2018 ولفتت الانتباه إلى نهجها في في بعض جلسات الاستماع، بما في ذلك مع وزيرة الأمن الداخلي آنذاك كيرستين نيلسن بشأن سياسة إدارة ترامب لفصل الأطفال عن عائلاتهم على الحدود الجنوبية للولايات المتحدة مع المكسيك.
كما لعبت دورًا بارزًا في جلسات استماع تأكيد ترشيح بريت كافانو للمحكمة العليا الأمريكية.
صوتت هاريس في الغالب بالتماشي مع الخط الحزبي، لكنها أيدت مواقف تتماشى مع الرئيس دونالد ترامب في 16.2% من القضايا.
شاركت كذلك في تبني تشريع من شأنه أن يجعل نشر الصور ومقاطع الفيديو المعروفة باسم "الانتقام الإباحي" جريمة فيدرالية.
كانت كامالا هاريس تحلم بأن تصبح أول امرأة سوداء تحكم البيت الأبيض. ترشحت لخطف بطاقة الديمقراط في سباق 2020 التمهيدي، لكنها لم تحصل على دعم كاف من المانحين والمؤيدين، ولا حتى من الناخبين السود.
في حملتها الانتخابية، استدعت تاريخ 47 امرأة سوداء خدمن في مجلس النواب الأمريكي، بدءًا من شيرلي تشيشولم، التي مثلت نيويورك من عام 1969 إلى عام 1983، وكانت أول سوداء تحاول الترشح للانتخابات الأمريكية، واقتبست شعار حملتها الانتخابية من اللونين الأحمر والأصفر التي استخدمتهما حملة تشيشولم عام 1972.
لم تجمع حملة هاريس إلا 35.5 مليون دولار فقط؛ فانسحبت سريعًا وبشكل مفاجئ فيما اعتبرته الأسوشيتد برس "انعكاسًا واضحًا للتحديات التي تواجه المرشحين الملونين في حملة 2020؛ باعتبار أن الناخبين الديمقراط من جميع الأجناس يهتمون بشكل بمن ينظر إليه على أنه مؤهل لهزيمة ترامب، ويعتبرون أن المرشحين غير البيض إلى حد كبير غير مناسبين لهذه المهمة".
جو بايدن كان العتبة التي صعدت عليها كامالا هاريس لتعتبر في مرحلة ما أهم مرشحات سباق الديمقراط التمهيدي.
في المناظرة الثانية تحديدًا قالت إنها تشعر بالألم لأنها في طفولتها كادت لتكون أحد ضحايا "جو".
قالت إنها تضررت من معارضة بايدن لإلغاء نظام الفصل العنصري في المدارس الأمريكية عبر استخدام الحافلات لنقل الطلاب السود إلى المدارس البعيدة أملًا في دمج الأطفال من مختلف الأعراق.
"كانت هناك فتاة صغيرة في كاليفورنيا كانت جزءًا من الفصل الثاني لدمج مدارسها العامة. كانت الحافلة تنقلها إلى المدرسة يوميًا. تلك الفتاة الصغيرة كانت أنا"، أخبرت هاريس بايدن، الذي حاول الدفاع عن سجله قائلًا إنه كان فقط ضد "النقل بأمر من وزارة التعليم" لكنه لم يعارض جهود الاندماج المحلي".
الآن تضيف كامالا هاريس لنفسها لقبًا جديدًا.. أول امرأة غير بيضاء تترشح لمنصب نائب رئيس الولايات المتحدة.
مرشح الديمقراط جو بايدن كان يبحث عن شخص يساعده جغرافيًا على اختراق كتل انتخابية معينة؛ صحيفة مترو ركزت على محاولة استعادة سكان الطبقة العاملة البيضاء في ولايات ميشيغان وبنسلفانيا وويسكونسن، والذين صوتوا لدونالد ترامب سابقًا، بينما ركزت صحيفة التايمز على كتلة السود بعد الضغوط الشديدة التي أضافها مقتل جورج فلويد في مينيابوليس في مايو الماضي.
هنا وجد ضالته في كامالا هاريس؛ باعتبارها تجمع المطلوب تحديدًا. يفترض أن تعكس أمام الناخبين اهتمامه بقضايا الأقليات والعرق والنساء. كانت أول سيناتور ينضم لاحتجاجات حياة السود مهمة في واشنطن، وسجلها كمدعية عامة يحمل الكثير فيما يخص الكتل الانتخابية التي يريد بايدن ضمانها.
بايدن نفسه برر اختيار كامالا هاريس بكونها "مقاتلة شجاعة، وأحد أفضل الموظفين العموميين في البلاد، إضافة إلى تاريخها في الدفاع عن العمال وحماية النساء والأطفال من سوء المعاملة"، لتضيف وول ستريت جورنال إن خلفية هاريس العرقية التي صعدت من خلالها في أمريكا كانت دافع الاختيار.
احتفلت بعض المجموعات أيضًا بتميز هاريس لكونها أول أمريكية من جنوب آسيا تترشح على التذكرة الرئاسية لحزب كبير، مما يشير إلى أن وجودها يمكن أن ينشط الإقبال بين الأمريكيين الآسيويين، الذين يمثلون وفقًا لمركز بيو للأبحاث حول المجموعة العرقية الأسرع نموًا في البلاد .
لكن صحيفة مترو البريطانية تشكك في قدرة هاريس على مساعدة بايدن في أداء الدور المطلوب. هي نفسها فشلت في استغلال تلك النقاط لصالح حملتها الانتخابية. تقول الصحيفة إن القاعدة الانتخابية في أمريكا تجاوزت مثل تلك القضايا، ولو أرادوا السير في هذا الاتجاه لاختار السود مرشحًا غير الأبيض جو بايدن.
ملف العدالة الجنائية كان من أبرز الملفات التي عملت عليها كامالا هاريس، باعتبارها مدعية عامة. في البداية وصفت بأنها وسطية إصلاحية. فبمجرد أن أصبحت مدعية لمقاطعة سان فرانسيسكو، تعهدت بعدم فرض عقوبة الإعدام أبدًا، متحدية شرطة المدينة وحتى الديمقراط الذين طالبوا بإعدام شاب يبلغ من العمر 21 عاما قتل شرطيًا سريًًا. لكنها في الوقت نفسه استأنفت ضد قرار قضائي أعلن عدم دستورية عقوبة الإعدام.
أصدرت كتابًا بعنوان Smart on crime حثت فيه المسؤولين على التخلي عن سياسات الماضي "المتشددة" بشأن الجريمة، وتفضيل إعادة التأهيل على العقاب، لكن سياساتها الفعلية وُصفت بالمتشددة للغاية، واتهمت باستخدام الحيل الفنية لإبقاء الأشخاص المدانين خطأ وراء القضبان بدلًا من محاكمات جديدة عبر طريق تصعيب الإجراءات.
وفي 2015 رفضت دعم مشروع قانون يلزم ضباط الشرطة بتركيب كاميرات أو التحقيق في حوادث إطلاق النار من قبل الشرطة تجاه المواطنين.
وتعتبر هاريس من أبرز الداعين إلى إلغاء نظام الكفالة لإبقاء المتهمين لأطول فترة ممكنة خلف القضبان، ولها واقعة رفضت فيها إجراء تحليل حمض نووي لجورج غيج، الذي كان متهمًا في جريمة قتل حين كانت براءته متوقفة على هذا التحليل.
زوج كامالا هاريس هو المحامي اليهودي دوغلاس إمهوف. وينظر إلى هاريس طوال تاريخها على أنها داعم قوي لـ AIPAC أكبر لوبي مؤيد لإسرائيل في الولايات المتحدة، وعلى عكس الديمقراط، لا تفضل هاريس فرض شروط مقابل تقديم المساعدات لإسرائيل للتأثير عليها.
وبصفتها مدعية لسان فرانسيسكو أنشأت هاريس وحدة "جرائم الكراهية"، ذكرت في 2012 أن جرائم الكراهية ضد اليهود من أكثر جرائم الكراهية شيوعًا في كاليفورنيا، وبعد دخولها مجلس الشيوخ حثت على تحسين تغطية جرائم الكراهية وساعدت في تمرير قانون يعتبر المؤسسات الدينية أهدافًا محتملة لجرائم الكراهية.
لكن خلال ترشحها للرئاسة خرجت هاري بنفسها كما ذكرت صحيفة "جيروزاليم بوست" من دائرة المعتدلين، بمعارضتها الشديدة لإدانة تصويت الأمم المتحدة أو حتى النقد القوي الذي يهدف إلى التأثير على إسرائيل. وأعلنت عن نيتها الانضمام مرة أخرى إلى الاتفاق النووي الإيراني وهي الاتفاقية التي ترفضها إسرائيل بشدة، ما يجعل هناك سببا لتحالفها مع بايدن.
"رائعة على الورق، لكنها تفتقر إلى أي بوصلة أيديولوجية، وتتبع نهج النفعية السياسية والتي تجعل وجه ميت رومني يحمر خجلًا"، تقول صحيفة مترو، في وصف ربما يجد ما يبرره في مواقف الرهان على الجانبين التي جمعتها وول ستريت جورنال.
في حملتها الرئاسية، جمعت هاريس تبرعات كبيرة من وادي السيليكون. انتقدت الطريقة التي تعاملت بها شركات التكنولوجيا الكبرى مع قضايا الخطاب السياسي والمعلومات المضللة عن الانتخابات، لكنها اتبعت نهجًا أكثر اعتدالًا في التعامل مع قضايا مكافحة الاحتكار، ورفضت القول ما إذا كان يجب تفكيك عمالقة التكنولوجيا مثل جوجل وأمازون وفيسبوك.
وقّعت هاريس كذلك على تشريع بيرني ساندرز "الرعاية الصحية للجميع". لكن كمرشحة رئاسية، قالت إنها لم تؤيد إلغاء التأمين الصحي الخاص، وفضلت منح الأمريكيين الاختيار بين الرعاية الصحية التي تمولها الحكومة أو القطاع الخاص. دفع هذا النهج بعض النقاد إلى اتهامها بالتردد في القضايا المصيرية.
واجهت هاريس كذلك التدقيق في سجلها في العدالة الجنائية وصارعت في كيفية تأطير خلفيتها كمدعية عامة سابقة؛ فبينما انتقد التقدميون فترة ولايتها السيدة هاريس كمدعية عامة لولاية كاليفورنيا، مشيرين إلى أنها لم تفعل ما يكفي لمعالجة أوجه عدم المساواة في نظام العدالة الجنائية، استغلت هي القضية نفسها بعد مقتل جورج فلويد، لتقدم نفسها كصوت رائد في قضايا العرق والشرطة.
في نفس الفترة، شاركت هاريس في المظاهرات خارج البيت الأبيض، وساعدت في صياغة تشريعات لإصلاح الشرطة. لم تصل إلى حد قبول دعوات اليسار لوقف التمويل، لكنها قالت إن مسألة تمويل الشرطة يجب أن تدرس من خلال عدسة إعادة تخصيص الموارد للاستثمار في التعليم وخلق فرص العمل والرعاية الصحية بأسعار معقولة في المجتمعات الضعيفة.
حملة ترامب تقول إن هاريس تحاول "دفن سجلها كمدع عام، من أجل تهدئة المتطرفين المناهضين للشرطة الذين يسيطرون على حزب الديمقراط". لكن مترو تقول إن هاريس "مناسبة جدًا لجو بايدن الذي يبحث عن شخص مرن سياسيًا، ولديه القليل من نقاط الخلاف الأساسية التي يمكن أن يستغلها ترامب".
تبقى انتقاداتها لبايدن نفسه، والتي تراجعت عنها بعدما اختارها لمنصب نائب الرئيس، لتقول إن "بإمكانه توحيد الشعب الأمريكي لأنه قضى حياته يقاتل من أجلنا".
تاريخيًا، لم يكن لمرشح نائب الرئيس تأثير كبير على الناخبين. لكن بايدن لو فاز سيكون أكبر رئيس أمريكي سنًا على الإطلاق، لذلك قد يكون 2020 استثناءً.
عمر بايدن - سيبلغ 78 عامًا في يوم التنصيب. إذا أضفنا مشكلاته الصحية، فهذا يعني أن كامالا هاريس - إن وصلت لمنصب نائب الرئيس - ستصبح على الفور مرشحة قوية لتكون المرشح الرئاسي التالي عن حزب الديمقراط، أو حتى الرئيس لو لم يكمل بايدن فترته الرئاسية.