منذ 2014-2015، عندما أطاح الحوثيون بالحكومة اليمنية المعترف بها دوليًا في صنعاء، بدأوا استهداف مكة عمدًا وبشكل منهجي. الدفاعات الجوية السعودية نجحت في إسقاط العشرات من الصواريخ الباليستية الموجهة إلى المدينة المقدسة.
ومنذ الموجة الأولى من الهجمات، كانت صواريخ الحوثيين – وكلها إيرانية المنشأ – تستهدف مكة تحديدًا، وليس القواعد العسكرية السعودية مثل تلك الموجودة في الطائف، كما زعموا، في تطور بدا حينها خطيرًا؛ إذ أرخ لبدء استهداف المواقع الحساسة.
هجمات الحوثيين على مكة لم تكن عرضية أبدًا، بل جزء لا يتجزأ من معتقداتهم، لسبب رئيسي يختلط فيه العقائدي بالسياسي؛ إذ يتعلق باعتقاد بعض المتطرفين الشيعة في إيران بأن عودة ظهور “الإمام المنتظر المختفي” لن تتحقق إلا إذا انتشر القتل والخراب في أنحاء مكة.
مثلًا، في دراسة بعنوان “آخر الزمان” كتب موقع إيراني يركز على الفكر والعقيدة: “من شروط ظهور الإمام المهدي أن يتجهز المسرح في مكة. فلن تتحقق العودة إلا إذا انتشرت الفوضى في جميع أنحاء الحجاز؛ لأن وجود حكومة قوية ومتناغمة معادية للشيعة والمهدي يشكل عائقًا رئيسيًا أمام التقريب بين أتباعه”.
يمكّننا هذا الاقتباس من فهم نقطتين مهمتين:
أولًا، يشدد على ضرورة تهيئة الظروف التي يعتقد النظام الإيراني أنها ستؤدي إلى عودة ظهور المهدي، أي انتشار الفوضى والقتل في مكة.
ثانيًا، تستهدف هذه الهجمات الحكومة الحاكمة في السعودية وتهدف إلى تقويضها لتمكين “أنصار المهدي” من التوحد، كما يزعم النظام الإيراني.
ألغاز تراثية | هل كان المهدي المنتظر هو النبي محمد نفسه؟ ولماذا المسيح الدجال أعور؟ | هاني عمارة
تهديد أخطر ظهر في فيلم إيراني بعنوان “313” الذي بثته أغلب القنوات الشيعية حول المهدي والبشائر التي تنبئ بعلامات ظهوره الوشيك.
يزعم الفيلم أن العلامات تشمل “سفك الدماء على الكعبة في مكة قبل أن يعلم العالم أن المهدي قد ظهر مرة أخرى”.
مثل هذا الادعاء لا يحتاج إلى تفسير ويتفق مع عقيدة النظام الإيراني الشيعية الاثنى عشرية، التي تسعى إلى تحقيق أهداف سياسية تحت عباءة التقوى الدينية.
حتى لو كان أولئك الذين يتبنون هذا الاعتقاد يشكلون أقلية فقط، أو على الأقل نأمل بصدق أن يكونوا أقلية ضئيلة، فإن طموح الهيمنة الذي يشغل أذهان النخبة الحاكمة في إيران وقادة التيار المتشدد والحركة الإسلامية والحرس الثوري يقودنا إلى استنتاج مفاده أن كل شيء وأي شيء ممكن في ظل حكم هذه العقليات المتشددة.
سر الرقم 313 الذي جمع أردوغان بعصابات ألمانيا وإرهابيي القاعدة وإيران | س/ج في دقائق
السبب الثاني لاستهداف الحوثيين لمكة المكرمة على وجه التحديد هو لا عقلانيتهم الفطرية، حيث أدت أفعالهم المتهورة إلى الكثير من الدمار والفوضى في جميع أنحاء المنطقة.
الطبيعة اللاعقلانية لهذه المليشيات – سواء الحوثيين في اليمن أو حزب الله في لبنان أو الحشد الشعبي وفروعه في العراق أو القاعدة أو داعش – ومن يتبنون أيديولوجيتهم تجعل من المستحيل التنبؤ بخطواتهم المقبلة.
لهذا السبب أؤكد على خطورة السماح لإيران بتطوير أسلحة نووية، لأن مثل هذه الأسلحة يمكن بسهولة نقلها بطريقة أو بأخرى إلى الميليشيات الموالية لإيران التي لن تتردد في استخدامها عند التهديد.
تؤكد الصواريخ الباليستية التي أطلقها الحوثيون على مكة المكرمة مخاوفنا المشروعة من أن أولئك الذين يسعون لاستهداف المدينة المقدسة لن يترددوا في اتخاذ المزيد من الخطوات.
محور الممانعة | من حرب البسوس ومظلومية الحسين إلى التبعية والتفكك | محمد زكي الشيمي
أعتقد أنه من الخطأ، مع ذلك، إلقاء اللوم على الميليشيات اليمنية وحدها. هذه المجموعات هي مجرد وكلاء يعملون نيابة عن الآخرين.
بدلاً من ذلك، ينبغي توجيه أصابع الاتهام بحزم إلى النظام الإيراني، مع التركيز على حقيقة أن صواريخ زلزال 3 أو بركان 1 المستخدمة لاستهداف الأراضي السعودية – كما اعترفت كل من وسائل الإعلام الإيرانية والحوثية – نشأت من إيران.
تكشف هذه الحقائق الواضحة والموثقة جيدًا عن إنكار النظام الإيراني المستمر لتهريبه للأسلحة إلى الحوثيين في اليمن، وتسلط الضوء مرة أخرى على أن طهران تشكل تهديدًا حقيقيًا وخطيرًا للسعودية والمنطقة بأسرها.
والأهم من ذلك أن على التحالف العربي أن يتخذ خطوات على المستويات العربية والإسلامية والدولية لتحميل النظام الإيراني المسؤولية عن عواقب أي أعمال طائشة قد يتخذها الحوثيون في اليمن ضد المملكة، لأنهم يتصرفون فقط بتوجيهات طهران. وعلينا أن نضع في اعتبارنا أن إطلاق أي صاروخ إيراني في عمق الأراضي السعودية يعتبر إعلان حرب من قبل إيران على المملكة.
في ساحة المعركة، يجب أن يكون الرد العسكري على أي تهديدات للحرمين الشريفين قويًا بما يكفي لضمان ألا يجرؤ الحوثيون مرة أخرى حتى على التفكير في تكرار مثل هذه الأعمال الشنيعة.
من المهدي المنتظر في الإسلام السياسي الشيعي؟ هل يستهدف الحجاز أم القدس؟ | س/ج في دقائق
موضوعات متعلقة
