يقول محمد بن زايد إن غرائز والده التعددية هي أصل حملته المناهضة للإسلاميين؛ إذ كان انفتاحه غير المعتاد على القبائل حينها هو من أوصله للسلطة بناء على طلب كبار العائلات من بريطانيا.
وبينما كانت الإمارات “الفقيرة للغاية حينها” بلا طب تقريبًا في الستينيات، ليموت نصف الأطفال وثلث الأمهات أثناء الولادة، سمح الشيخ زايد للمبشرين الأمريكيين ببناء مستشفى في مدينة العين. وهناك ولد ثالث أبنائه: محمد، في 11 مارس 1961.
مع اكتشاف النفط، بات الإسلام السياسي صحوة الجيل الكبرى. ومحمد بن زايد لم يكن استثناء.
عندما كان في الرابعة عشرة من عمره، أرسله والده إلى مدرسة في المغرب باسم وجواز سفر جديدين؛ قاصدًا أن يمنحه تجربة صعبة لا يعامل فيها معاملة أبناء الملوك، حيث عمل للإنفاق على نفسه كنادل في مطعم محلي، ومر بظروف قاسية لدرجة تناول الطعام لأيام حتى التالف منه.
لكن ما لم يقصده الشيخ زايد أنه سيسلم ابنه لسيطرة الفكر الإسلامي لسنوات؛ إذ كان المسؤول عن تعليمه خلال تلك الفترة الإخواني المصري عز الدين إبراهيم، أحد قادة التنظيم التاريخيين، والعضو المؤسس في الاتحاد العالمي لعلماء المسلمين، والذي تنسب له الجماعة تأسيس فرعها في ليبيا.
أنهى تعليمه في الأكاديمية العسكرية الملكية الشهيرة ساندهيرست 1979، بينما غزا الاتحاد السوفيتي أفغانستان، فتدفق شباب مسلمون من جميع أنحاء العالم إلى بيشاور للانضمام إلى الجهاد الأفغاني،
في الوقت نفسه أوصلت المظاهرات الخميني إلى رأس السلطة في إيران.
كان يفترض – على أساس تربيته الإخوانية – أن يكون محمد بن زايد مقتنعًا بفكرة “الإسلام هو الحل” لكنه ولد مع إرث آخر معارض: الولاء العشائري، الذي غذته ووالدته، فاطمة، الزوجة الثالثة والمفضلة لزايد، حين استفاضت في تعليم أولادها تاريخ عائلة آل نهيان الطويل، وأخذت عليهم قسمًا ألا يعمل أحدهم ضد أخيه بأي حال. هنا أدرك أن أفكار الإخوان لم تكن متوافقة مع دوره الناشئ باعتباره وريثًا محتملًا للسلطة.
في وقت ما في الثمانينيات، عندما كان ضابطًا عسكريًا شابًا، ذهب في رحلة إجازة إلى في تنزانيا.
عندما عاد أبو ظبي، ذهب لزيارة والده، الشيخ زايد، الذي طلب منه إخباره بتفاصيل ما رآه: الحياة البرية، وشعب الماساي وعاداتهم، ومدى الفقر في الدولة.
أنهى الشيخ زايد الاستماع ثم سأله: ماذا فعلت لمساعدة من قابلتهم. يقول محمد بن زايد إنه قال إنهم لم يكونوا مسلمين، فكان رد والده مفاجئًا: “أمسك بذراعي ونظر في عيني بقسوة شديدة، وقال: “كلنا عيال الله”.
منذ 1991، انتبه الأمريكيون إلى أن وجهًا ناشئًا في العائلة الحاكمة في الإمارات سيقود البلاد يومًا، عندما شارك محمد بن زايد في قوات التحالف لطرد صدام حسين من الكويت؛
حيث أثار إعجاب البنتاغون بالضابط الشاب، الحريص على المشاركة رغم كونه ابن الرئيس. بحسب بروس ريدل، الموظف السابق في وكالة المخابرات المركزية الأمريكية،
انطلقت الولايات المتحدة منذ ذلك الحين على طريق التودد إليه.
في 1995، دعا وزير الدفاع الأمريكي ويليام بيري محمد بن زايد للبنتاغون، حيث نقله إلى معسكر ليجون ورتب له حضور تدريبات عسكرية هبطت فيها مشاة البحرية على شاطئ نورث كارولينا – في محاكاة لهجوم برمائي في إيران أو العراق.
بحسب ريدل، كان الهدف هو “التوغل إلى عقل ابن زايد”. ومن ضمن الخطة استغلال إدمانه للمجلات العسكرية في إقناعه بشراء كل ما تنتجه أمريكا.
لكن الخطة لم تسر كما أراد البنتاجون. في أوائل التسعينيات، أخبر محمد بن زايد، مساعد وزير الخارجية الأمريكي آنذاك، ريتشارد كلارك، أنه يريد شراء مقاتلة F-16.
رد كلارك بأنه ربما يقصد طائرة F-16A، النموذج الذي باعه البنتاجون لحلفاء أمريكا.
لكن ابن زايد طلب طرازًا أحدث قرأ عنه للتو في مجلة عسكرية، مع نظام رادار وأسلحة متقدم. أخبره كلارك أن النموذج لم يكن موجودًا بعد لأن الجيش لم يقم بالبحث والتطوير اللازمين. فتكفل هو بدفع ثمن التطوير.
استمرت المفاوضات اللاحقة لسنوات، مع تكتيكات محمد بن زايد المتشددة التي أغضبت بعض ضباط البنتاجون، لكن الأمر انتهى بطائرة F-16 أفضل مما كانت لدى القوات الجوية الأمريكية”، كما يقول كلارك.
في العقود القادمة، سيوضح محمد بن زايد أنه إذا رفض الجيش الأمريكي استيعابه، فسيكون سعيدًا تمامًا بالتسوق في مكان آخر – حتى في الصين، التي باعت طائرات بدون طيار رخيصة للجيش الإماراتي في السنوات الأخيرة. ومع ذلك، ظلت الولايات المتحدة أهم علاقة له حتى الآن.
كانت هجمات 11 سبتمبر لحظة غيرت حياة محمد بن زايد، حيث كشفت عن عمق التهديد الإسلامجي وحالة الإنكار العام لها في المنطقة.
يحكي محمد بن زايد أنه استمع بذهول لرئيس دولة ناطقة بالعربية، اجتمع مع والده في زيارة إلى أبو ظبي، وصف خلالها الهجمات بـ “عمل داخلي يتعلق بوكالة المخابرات المركزية أو الموساد.
لكن ابن زايد كان يعلم أن اثنين من الإماراتيين من بين الخاطفين التسعة عشر. في ذلك الخريف، ألقت الأجهزة الأمنية الإماراتية القبض على حوالي 200 إماراتي ونحو 1,600 أجنبي كانوا يخططون للذهاب إلى أفغانستان والانضمام إلى القاعدة، بما في ذلك ثلاثة أو أربعة كانوا مدربين لشن عمليات انتحارية يصبحوا انتحاريين.
في ذلك الخريف نفسه. قرر الشيخ زايد المشاركة في التحالف ضد القاعدة. كان محمد بن زايد يقود القوات المسلحة في ذلك الوقت، ولم يكن مستعدًا للمشاركة في معركة وصفها البعض بأنها حرب على الإسلام.
شعر زايد بعدم ارتياح ابنه. قال له إنه 5% من أسباب المشاركة “من أجل بوش” ومثلها لإبعاد أسامة بن لادن. والـ 90% الباقية لأن “هؤلاء الراكضين في أفغانستان يختطفون الإسلام.. ليس هذا ما أرداه الله ورسوله”.
بعد وقت قصير من هجمات 11 سبتمبر، أجرى محمد بن زايد أجرى مراجعة شاملة لجميع نقاط ضعف بلاده أمام الزحف الإسلامجي.
تقول مارسيل وهبة، التي وصلت كسفيرة جديدة للولايات المتحدة في أكتوبر من ذلك العام، إن أحداث 11 سبتمبر جعلته يعيد تقييم القطاعات الرئيسية من التعليم إلى التمويل، بشكل منهجي للغاية، عبر فريق ضم إخوته وكبار مستشاريه، عملوا بلا هوادة على ترقيع الثقوب
في السنوات التالية، أحبطت الإمارات سلسلة من المخططات الإرهابية للجماعات الجهادية، بما في ذلك خطة 2005 لشن هجوم ثلاثي بسيارات مفخخة ضد فندق خمس نجوم.
في نفس الوقت، شن محمد بن زايد شن هجومًا أوسع على الأيديولوجية الإسلامجية، خصوصًا جماعة الإصلاح، التي تأسست في السبعينيات كفرع محلي لجماعة الإخوان، تضم آلاف الأجانب، معظمهم من مصر، الذين وصلوا قبل عقود لسد حاجة الإمارات للمهنيين المتعلمين والبيروقراطيين، لكنهم حولوا وزارتي التعليم والقضاء إلى “دولة داخل دولة”، حيث قرروا كيفية توزيع المنح الدراسية ودفعوا المحاكم في اتجاه أكثر إخوانية.
قبل بدء الحملة، أطلق محمد بن زايد حوارًا مع إسلاميي الإمارات، حثهم خلاله على “العودة للحظيرة: لا سياسة مقابل الاحتفاظ بالعمل الخيري”، لكنهم ردوا بلائحة طويلة من المطالب، لتنتهي المحاولات في 2003 بموقف أكثر تشددًا، إذ قال لوفد أمريكي زائر في عام 2004 “إننا نخوض حربًا ثقافية مع الإخوان المسلمين في هذا البلد”.
شمل الموقف فصل المعلمين الإسلاميين وإعادة كتابة شاملة للكتب المدرسية في البلاد، بما فيها قصص تمجيد العنف و”فساد الكفار”، ومعادلة رياضية من نوعية: “إذا قتلت ثلاثة مستوطنين يهود واحتفظت باثنين، فكم يتبقى”؟
ينقل مستشار جورج بوش لمكافحة الإرهاب، ريتشارد كلارك، قصة اجتماعه مع محمد بن زايد في 2013، حين شاهد مجموعة من شابات الأسرة الحاكمة، من حفيدات الشيخ زايد، تتدربن على إطلاق النار. ليقول الشيخ محمد: “أريد أن يشعر الجميع في البلد بأنهم مسؤولون. كثيرون منهم سمينون وكسولون. ولتحفيز التجنيد، سأبدأ بكل شباب العائلة”.
كان محمد بن زايد حينها يعد مسودة شاقة لبناء الدولة في الداخل والخارج، وهو جهد رأى أنه يتطلب المزيد من الجنود، خصوصًا وسط مشهد إقليمي مربك:
صحيح أن الإمارات الغنية بالنفط بعيدة عن صراعات المنطقة لتصبح أعجوبة اقتصادية. لكن الواقع يحمل انتفاضات تطيح بالحكام القدامة ليرثهم الإخوان، والميليشيات الجهادية تحتل ليبيا، والوضع يتجه لمشهد مماثل في سوريا، بينما نفوذ داعش يتصاعد،
وعلى الجانب الآخر من الخليج، تتمدد الميليشيات الشيعية التابعة لقاسم سليماني لملء الفراغ في سوريا والعراق واليمن، فيما اعتبرها “وصفة للعنف المروع” تنقسم القوى الإقليمية بين دعمه “تركيا وقطر” أو غض الطرف عنه.
وحتى الولايات المتحدة تنظر للإخوان في أفضل الأحوال باعتبارها نتيجة “بغيضة لكنها حتمية”.
لا يميز محمد بن زايد بين الجماعات الإسلامية، ويصر على أنها تشترك جميعها في نفس الهدف: إعادة إحياء نسخة ما من الخلافة لا تعترف بالدستور، فيما يعتبرها طريقًا من اتجاه واحد إلى الكارثة الكاملة.
بريت ماكغورك، المسؤول الأمريكي السابق الذي أمضى سنوات في العمل في الشرق الأوسط لثلاث إدارات يقول: “كنت متشككًا في البداية. بدت رؤيته حينها متطرفة. لكنني توصلت إلى استنتاج مفاده أنه غالبًا ما كان على صواب”.
وبوصف نيويورك تايمز: “لا يزال محمد بن زايد رقمًا نادرًا في الشرق الأوسط: زعيم ماهر ذو ميول علمانية لديه مخطط من نوع ما لمستقبل المنطقة والموارد اللازمة لتنفيذه”.
وفقًا لبرقية نشرها موقع ويكيليكس، بدأ أحد أبناء محمد بن زايد في الوقوع تحت تأثير الفكر الإسلامي ، كما أخبر مجموعة من الدبلوماسيين الزائرين في 2009. لكنه رد باستخدام نفس تكتيك والده: إرسال ابنه إلى إثيوبيا مع الصليب الأحمر لتعليمه الجدارة الأخلاقية لغير المسلمين.
محمد بن زايد من خلف العرش إلى حاكم الإمارات (rfi)
تأملات في تفضيلات محمد بن زايد في السياسة الخارجية لدولة الإمارات (arab center dc)
الشيخ محمد بن زايد يأتي إلى الرئاسة (the national news)