لم تندلع الحرب العالمية الأولى لمجرد رصاصة قتلت الأرشيدوق فرانز فرديناند وريث عرش الإمبراطورية النمساوية في 1914م.
وإنما سبقها قيام العديد من التكتلات السياسية بين دول أوروبية، واندلاع خلافات حادة بين قادتها، جعلت العالم على شفا حفرة من نار.
لذا حين أطلق الصربي غافريلو برينسيب النار على صدر أرشيدوق النمسا، كانت الأزمة العالمية محتدمة، ولم ينقصها فقط إلا الفتيل.
إحدى أهم مقدّمات الحرب الكبرى، هي الخلافات المحتدمة بين القوى العالمية الكبرى حول المغرب 1911م.
تصارعت قوى أوروبا حول المغرب، وشكّل هذا الصراع عاملاً هامًا في زيادة هوة الخلافات بين الأوروبيين، ولعب دورًا حاسمًا في قيام الحرب.
الحكاية في دقائق
مثّل 1905م ذروة التقارب الفرنسي الإنجليزي، وهو ما اعتبرته ألمانيا حصارًا لها وعزلاً سياسيًا.
سعت برلين للبحث عن مناطق نفوذٍ لها، فركزت انتباهها على الشرق الأوسط، الذي تحوّل إلى محمية أنجلو-فرنسية بعد أن رسم قادة الدولتين حدود البلدان وتقاسموا النفوذ بينهما.
أُطلقت يد بريطانيا في مصر، بينما امتلكت فرنسا الحرية للانتشار في أقاليم الشمال الإفريقي من المغرب حتى الجزائر.
في هذا التوقيت تمتّع المغرب بقدرٍ كبير من الاستقلالية، ما جعله خيارًا مثاليًا أمام إمبارطور (قيصر) ألمانيا فيلهلم الثاني (غليوم الثاني) الساعي لدسِّ أنفه في شؤون الشرق مُجددًا.
حلَّ ضيفًا على طنجة في مارس 1905م، وأجرى مباحثات مع سلطان المغرب بغية تعزيز روابط الصداقة بين البلدين.
امتطى الإمبرطور حصانًا تجوّل به في أنحاء طنجة، ثم أعلن بعدها دعمه التام للسلطان، ووصفه علنًا بأنه "حاكم إمبراطورية حُرة"، في إشارة إلى دعم ألمانيا للمغرب في مواجهة النفوذ الفرنسي المستشري في المنطقة.
على عكس المتوقع، دفع السلوك الألماني الإنجليز والفرنسيين إلى المزيد من التقارب خوفًا من النوايا الألمانية، وتوثّقت علاقتهما العسكرية إلى درجة كبيرة.
وهو ما أثار قلق ألمانيا فاستدعت قواتها الاحتياطية، فحرّكت فرنسا بعض وحداتٍ عسكرية تجاه الحدود الألمانية، وكاد الأمر يتطوّر إلى اشتباكٍ مُباشر بين البلدين.
هدأت تلك الأزمة، نسبيًا، بعدما عُقد مؤتمر دولي في إسبانيا بين قادة أوروبا، اتّفقوا فيه على عدم التدخل عسكريًا في المغرب دون التشاور مع بعضهم.
في أبريل 1911م، اندلعت أعمال شغب في فاس ضد السلطان المغربي عبدالحفيظ.
استنجد السلطان بفرنسا، فأرسلت قوات عسكرية احتلت مدينة فاس بحجة الحفاظ على الممتلكات الأوروبية، لكنها في الحقيقة وأدت التمرّد وحافظت على عرش السُلطان.
اعتبرت ألمانيا أن التصرف الفرنسي مُخالف لـ"اتفاق إسبانيا"، وأن باريس تسعى لزيادة قوتها في أفريقيا أكثر من المسموح به.
لم يكن الإمبراطور الألماني راضيًا عن الطريقة التي انتهت بها الأزمة المغربية الأولى، معتبرًا أنه تعرض للإذلال على يدي فرنسا وإنجلترا، فسعى للثأر منهما، وإثارة المشاكل مُجددًا.
تذرّعت ألمانيا بأن الوجود الفرنسي سيضرُّ بمصالحها التجارية في المغرب، فأرسلت سفية حربية إلى ميناء أغادير، وقدّمت دعمًا لرجال القبائل في مواجهة الفرنسيين، كما سعت برلين لإنشاء قاعدة عسكرية بحرية لها دائمة في المغرب.
أعلنت بريطانيا دعمها التام لفرنسا في تلك الأزمة، ووصفت التصرفات الألمانية بانها "لا تُطاق"، ونشرت عددًا من سفنها الحربية قُرب الساحل المغربي.
في النهاية، اضطر الألمان إلى التراجع عن موقفهم، واعترفوا بالنفوذ الفرنسي في المغرب، مقابل إطلاق أيديهم في أماكن أفريقيا أخرى كالكونغو والكاميرون.
بعد انقشاع هاتين الأزمتين، ظهر بوضوح مدى انقسام أوروبا إلى معسكرين متصارعين.
ألمانيا والنمسا والمجر وإيطاليا من جهة، وبريطانيا وفرنسا وروسيا من جهة أخرى.
بمرور الوقت، أخذت الخلافات تتصاعد بين هذين المعسكرين، حتى بلغت حدًّا لم تعد السيطرة عليه ممكنة.
أبرمت فرنسا وإنجلترا اتفاقًا عسكريًا، تتعهّد فيه الدولتان بالدفاع عن مصالحهما المشتركة، والتآزر حال وقوع أي هجوم ألماني على الأخرى.
وفي ديسمبر 1912م، كتب الجنرال الألماني هيلموت مولتك رسالة إلى المستشار الألماني ثيوبالد بيثمان، قائلاً "تستعد جميع الأطراف للحرب الأوروبية، التي تتوقعها جميع الأطراف عاجلاً أم آجلاً".
بالفعل، لم يتأخر توقع هيلموت عن الحدوث، وبعد هذه الرسالة بعامين فقط اشتعلت الحرب العالمية الأولى.
الأزمة المغربية الأولى (هيستوري)
القوات الفرنسية تحتلُّ مدينة فاس (هيستوري)
أزمة أغادير (جستور)
الأزمات المغربية (بريطانيكا)
الإمبراطورية الألمانية (بريطانيكا)