في العصور الوسطى، كان الطب لا يزال في مهده، وزاد الإقبال على مادة البيتومين، بسبب الاعتقاد الشائع أنها تُعالج كافة الأمراض تقريبًا.
اعتقد الأوروبيون أنه يُمكن استخراج هذه المادة من مومياوات الفراعنة، بسبب ظنِّهم أن المصريين القدماء استعملوا هذه المادة في عملية التحنيط.
ولأنه كان من المستحيل الفصل بين المومياوات ومادة البيتومين، نقل الأوروبيون الجثث المصرية القديمة إلى أوروبا، وطحنوها، واستعملوا المسحوق الناتح عن عملية الطحن تلك في التداوي من الأمراض.
أصبحت عملية نقل المومياوات المصرية جزءًا من الحياة الأوروبية، عرضها البعض في غرفة معيشته، فيما اختار آخرون أن يصنعوا منها لوحاتهم.
خضعت بقايا المومياوات لمعالجة كيميائية، ثم خُلطت بمادة "المُر" الصمغية، لتصنع في النهاية درجة مميزة من اللون البني المحروق، عُرفت بِاسم "مومياء براون".
منذ بداية القرن الـ16، أقبل الفنانون على استعمال تلك الصبغة التي تمنحهم درجة فريدة من اللون البنّي.
وفي منتصف القرن الـ18، بلغ الإقبال على هذا اللون ذروته، واشتهر بِاستعماله عدد كبير من الفنانين المعروفين، مثل: السير ويليام بيتشي، وإدوارد بورن جونز، ولورنس ألما تاديما، ويوجين ديلاكروا، ومارتن درولينج.
ومنهم الرسام يوجين ديلاكروا صاحب اللوحة الشهيرة "الحرية تقود الشعب" المحفوظة بمتحف اللوفر، واشتهر الرسام بِاستخدام "صبغة المومياوات" في أعماله.
اللوحة رسمت عام ١٨٣٠ في ذكرى الثورة التي أعادت النظام الجمهوري إلى فرنسا، وصارت أيقونة الثورة الفرنسية.
لا نمتلك دليلاً واضحًا لمعرفة ما إذا كان فنانو تلك العصور عرفوا أنهم يستعينون ببقايا الأموات في تلوين لوحاتهم.
لكن رُوي عن الرسام البريطاني إدوارد بورن جونز، أنه عندما عرف بحقيقة هذه الألوان، انزعج بشدة، وأكد أن هذه المساحيق يجب أن تُدفن بشكل لائق.
كان هذا الموقف فرديًا، لأن الإقبال استمرّ على لون المومياء البني كخيار مُفضّل لأغلب رسامي العصر.
في 1904م، نشر شخص إعلانًا في جريدة "الديلي ميل" يطلب عُلبة من "لون المومياوات" بسعر جيد، وقال في الإعلان "بالتأكيد يمكن استخدام مومياء ملك مصري عمرها 2000 عام لتزيين لوحة جدارية نبيلة في قاعة وستمنستر، دون الإساءة إلى الراحلين أو نسلهم".
كانت هذه أول إشارة لكثرة الاعتراضات على استخدام هذا النوع من الألوان، وندرة الحصول عليها.
رغم ذلك، بقي هذا اللون في كتالوجات شركات صناعة الألوان، وكانت آخرها شركة روبرسون وشركاه، التي رفعته من كتالوجها عام 1933، بسبب نفاد المومياوات المتاحة كمصدر لصناعة اللون، وتوقف إنتاجها نهائيًا عام 1964.
وعلى مر السنين، ترددت شائعات بأنه تم استخدام مومياوات السجناء أو غيرهم من المشردين كبديل لعدم توفر مومياوات قديمة في صنع الصبغة.
حتى أتت اللحظة الحاسمة وتقرّر منْع استخدام هذا اللون نهائيًا، وانتهت أسطورة "صبغة المومياوات" للأبد.
مومياء براون: صبغة مأساوية استخدمها الجميع (Hushed Up History)
التاريخ المروع لـ “مومياء براون” (Dusty Old Thing)
هل رسمت هذه التحفة الفنية بمومياء أرضية؟ (National Geographic)