“يزداد تطرفي مع تقدمي في العمر. لاحظت أن الكتاب، عندما يتقدمون في السن، يصبحون أكثر اعتدالًا. لكن العكس يحدث معي. العمر يجعلني أكثر غضبًا” – نوال السعداوي (1931 – 2021).
في عام 1931، ولدت نوال السعداوي في قرية كفر طحلة شمال القاهرة. كانت الثانية بين تسعة أطفال لعائلة تصفها بـ “المعقدة”.
تقول عن أسرتها إنها مزيج فئتين مختلفتين: طبقة الفلاحين الفقيرة التي خرج منها والدها المسؤول الحكومي والطبقة البرجوازية العليا التي خرجت منها أمها.
تضيف: “جاء والدي من القرية. كانت والدته تتضور جوعًا لدفع مصاريف تعليمه، وكان تعليمه وطموحه هو ما مكّنه من الزواج من والدتي حين كان يبلغ من العمر 30 عامًا بينما تبلغ هي 15 عامًا”.
تصف نفسها بـ “نسوية منذ كانت طفلة.. سابحة ضد التيار طوال حياتها”.
في سيرتها الذاتية الأولى “ابنة إيزيس” تتذكر غضبها عندما بدأت تدرك أن الأسرة تميز البنين على البنات بعدما أخبرتها جدتها بأن “الولد يساوي 15 فتاة على الأقل”.
في سن السادسة، جاءت القابلة ممسكة بشفرة حلاقة وأخضعتها لعملية ختان على أرضية حمام منزل العائلة باعتبارها “تنفذ إرادة الله”. كانت والدتها تنظر وتضحك وتبتسم بينما يتواصل النزيف لأيام. تقول إن “الألم ترك جرحًا عميقًا”.
لكن نفس العائلة شجعتها على الدراسة “مضطرة”. تقول إن والديها كانا يفضلان شقيقها الأكبر. لكن فشله الدراسي وتفوقها هي دفعهما لدعمها.
حاول والداها تزويجها في العاشرة من عمرها. لكنها تمردت. أفسدت أسنانها وأسقطت القهوة على يد أحد خاطبيها. في النهاية حظيت بدعم أمها، ففشلت الزيجات.
ليس الحلال والحرام | تعدد الزوجات يمرر المرأة على الشيخ قبل تابعيه ..وضع يليق بهم | خالد البري
كان حلم نوال السعداوي الأول أن تكون راقصة. كانت تحب الموسيقى. لكن والدها لم يكن قادرًا على شراء بيانو، لذلك حولت انتباهها إلى القراءة والكتابة.
تقول إنها كانت متفوقة في الدراسة الثانوية. بالتالي كان تلقائيًا أن تدرس الطب. حصلت على منحة دراسية وتخصصت في الطب النفسي، و تخرجت من جامعة القاهرة عام 1955.
عادت إلى كفر طحلة لتعمل كطبيبة. وفي 1963، عينت مديرًا عامًا لإدارة التثقيف الصحي في وزارة الصحة، قبل أن تبدأ نشاطها السياسي لتتغير الصورة.
في 1972، نشرت كتاب “النساء والجنس”، وهو الأول من سلسلة الكتب التي هاجمت فيها “الاعتداءات على أجساد النساء: ليس فقط ختان الإناث، ولكن أيضًا الطقوس الوحشية المرتبطة بتثبيت المجتمع للعذرية عبر إثبات سلامة غشاء بكارة الفتاة في ليلة زفافها”.
أدانت المراجع الدينية الكتاب، ففقدت وظيفتها بعد وقت قصير، وأُغلقت مجلة الصحة التي أسستها قبل ثلاث سنوات.
تزوجت ثلاث مرات وانفصلت فيها جميعا . وصفتهم بـ مغسولي الدماغ، تأثروا كثيرًا بما قرأوه عن المساواة بين الرجل والمرأة في الإسلام.
تقول إن زوجها الأول أحمد حلمي كان “رجلًا عظيمًا ورائعًا”. زاملها في كلية الطب، ومنه أنجبت ابنتها. تزوجته رغم إرادة والدها. لكنها تقول إن “تعرضه للخيانة من أبطال معركة السويس كسره فأصبح مدمنًا بالدرجة التي حاول معها قتلها”.
تضيف أن زوجها الثاني كان رجل قانون، لكنه كان “أبويًا للغاية”. خيرها بين استمرار الزواج أو استمرار الكتابة فاختارت الكتابة. رفض تطليقها باعتبار أن “الرجل هو الذي يقرر الطلاق وليس المرأة”، فهددته بالقتل. وفي النهاية حدث الطلاق. تعترف أنها “ليست لائقة لدور الزوجة”.
تصف زوجها الثالث “والد ابنها” بـ “الماركسي الحر للغاية”. عاشت معه 43 عامًا باعتباره “الرجل النسوي الوحيد على وجه الأرض”.
في 2002 و2008، من محاولة تطليقها بالقوة في دعاوى قضائية ضدها تضمنت اتهامات بارتكاب جريمة الردة والبدعة.
لكنها طلقت منه بإرادتها. ترى أنه “كان كاذبًا. كتب عن المساواة بين الجنسين ثم خان زوجته مع أخريات، تمامًا كما يفعل 95% من الرجال”.
من التحرش إلى قضايا ازدراء الأديان .. التطرف لا يفنى ولا يستحدث من عدم | خالد البري
تقول نوال السعداوي إنها كانت مطلوبة أمنيًا دائمًا، لكنها واصلت الكتابة. حتى اعتقلت لأول مرة في 6 سبتمبر 1981 بعد خطاب السادات الشهير. فألفت سيرتها الذاتية في السجن، حيث كانت إحدى تاجرات الجنس تهرب أقلام العيون لها، لتكتب على ورق التواليت.
في 6 أكتوبر، اغتيل السادات. علمت بالخبر من راديو ترانزستور صغير هربوه إلى الزنزانة التي كانت تضم إسلاميات وماركسيات. تقول إن اللحظة غيرت كل شيء في الزنزانة “سجدت الماركسيات وخلعت الإسلاميات حجابهن ورقصن”.
انقضت أربعة أسابيع. اصحطبها بعدها الأمن إلى خارج السجن. تقول إنها ظنت أنها ستنقل إلى سجن آخر. لكنهم ذهبوا بها لمقابلة الرئيس الجديد حسني مبارك لمدة ساعتين، ثم أخبرها أن بإمكانها العودة لمنزلها.
هددته بمقاضاة الحكومة على حبسها لثلاثة أشهر دون محاكمة.
رفعت الدعوى وربحتها مع “حكم بتعويض يساوي ملايين”. لكنها لم تحصل عليها قط.
عادت لمنزلها لكنها لم تجد عملًا. تقول إنها سمعت اسمها في مكبرات صوت مسجد مجاور، مع صوت المؤذن يصرخ “نوال السعداوي يجب أن تُقتل”.
تضيف أن مبارك عين لها حراسًا شخصيين، لكنها خشت أن تقتل على يديهم، فاختارت الرحيل عن مصر، حيث درست في جامعات الولايات المتحدة وأوروبا.
عادت نوال السعداوي إلى مصر في عام 1996. تقول إنها طالبت الناس بالوقوف ضد مبارك عام 2004، وأن الحكومة كانت تخشاها بسبب شهرتها، لكنها هددت من يستمع إليها.
انتقلت إلى شقة ميدان التحرير في 2009. تقول إنها شعرت أن التغيير وشيك “لأن الشقة كانت دائما مليئة بالشباب الذين قرأوا أعمالي”.
بدأت مظاهرات صغيرة ضد نجل مبارك في البداية فكرة توريث الرئاسة، ثم ببطء انتشرت فكرة الثورة.
صنفت نوال السعداوي نفسها كمعارضة في حقبة ما بعد مبارك. تقول إن خروجه من السلطة كان مذلًا. لكن الإخوان وعلى رأسهم محمد مرسي وصلوا للسلطة بانتخابات لم تكن حرة ولا نزيهة، بعدما اعتمدوا على الرشوة والخداع في الطريق إلى قصر الاتحادية.
مع ذلك، لم تكن سعيدة بسجن محمد مرسي. لكنها احتفت بخروجه من السلطة بتعاون بين الشعب والجيش في مصر.
قالت إن الرئيس الحالي عبد الفتاح السيسي يتمتع بفارق شاسع عن سابقيه محمد حسني مبارك ومحمد أنور السادت. “تخلص من الإخوان. وهذا لم يحدث مع مبارك ولا السادات من قبله”.
في مسرحية “الإله يقدم استقالته في اجتماع القمة” وصفت نفسها ببنت الله. تقول إنها درست الأديان ووجدت الاختلافات بينها بسيطة جدًا. تدافع عن اختيارها للاسم باعتبار أن “المسيحيين يقولون إن المسيح ابن الله ولا أحد ينتقدهم”.
لكنها مع ذلك تقول: “لقد تركت الله منذ زمن بعيد، ولم أنظر إلى الوراء أبدًا”.
تقول إن الأصولية الدينية آخذة في الازدياد في جميع الأديان وفي كل مكان.
اتهمت الميديا بالتردد في انتقاد الدين كي لا يتهمها الناس بالعنصرية. لكنها تعتبر أن “الأديان تجسيد للعنصرية، حيث يقتل أتباعها أتباع الديانات الأخرى لأنهم يصلون لغير الإله الذين يرونه الإله الحق”.
رفضت تخفيف حدة عملها. تقول: “إنني أنتقد بشدة كل الأديان. نحن، كنساء، مضطهدات في كل هذه الأديان”.
اعتبرت أن التطرف الديني هو أكبر تهديد لتحرير المرأة. وتقول: “هناك رد فعل عنيف ضد النسوية في جميع أنحاء العالم اليوم بسبب إحياء الأديان. لدينا حركة أصولية عالمية ودينية تعيق التقدم في قضايا الإناث”.
من ناحية أخرى، تعتبر العري والحجاب وجهين لعملة واحدة. تقول إن المشكلة تكمن في مفهومنا للحرية.
تضيف: “كان علي أن أتشاجر مع العديد من النسويات الأمريكيات لأنني لاحظت أن العديد منهن تعرضن للقمع من قبل أزواجهن، ثم أتوا إلى هنا لتحريري! “
وترى أن المشكلة لا تكمن في الرجال المصريين. “لدي صديقات تزوجوا من رجال بريطانيين وأمريكيين وعاشوا في الجحيم. الرجال المصريون ليسوا عنيفين بالنسبة للرجال الأمريكيين”.
#الولاية_حقي.. صراخ الولايا ونكوص الأوليا | فيروز كراوية
كانت نوال السعداوي ترى نفسها فقيرة، لكن ليس تمامًا. صنفت نفسها بين “الطبقة الفقيرة المحظوظة” أو ما عرفته بـ “طبقة الـ 5% التي تمتلك شقة مكيفة”.
في حوارها في الجارديان، قالت إنها كـ “كاتبة معارضة” لا تهتم بالمال، رغم كل الكتب التي أصدرتها والتي تجاوزت إصداراتها بالعربية 50 عنوانًا، حيث حقوق النشر غير محفوظة بالدرجة.
لكنها تقول إن الأمر “يستحق كل هذا العناء” بعدما ترجمت كتبها إلى أكثر من 30 لغة. “إذا عاد بي الزمن لفعلت كل شيء مرة أخرى. هذا ما تعلمته من تجربتي، أنني كنت على الطريق الصحيح”.
نوال السعداوي: هل تشعرين بأنك متحررة؟ لا (الجارديان)
نوال السعداوي: النسوية الراديكالية المصرية (الجارديان)
نوال السعداوي: أقوى 100 مرأة في العالم (التايم)
نوال السعداوي: نساء يلهمن التغيير (جامعة هارفارد)