باحث في جماعات الإسلام السياسي والتراث الإسلامي
كان ملوك دولة التتار من أحفاد هولاكو حديثي عهد بالإسلام. فدار صراع بين أئمة المذاهب لإقناعهم باعتناق مذاهبهم وتمكينها من ولاية القضاء.
الخامسة عين جالوت .. أهم 6 معارك غيرت مجرى التاريخ | قوائم في دقائق
وممن اشتهر عنه اهتمامه بالمناظرة بين أئمة المذاهب، وكثرة تنقله بين المذاهب من ملوك التتار، كان محمد خان أوليجاتو” المعروف بـ “خدابنده” الذي انتقل إلى مذهب الشيعة الإمامية. حيث كتب له شيخ الشيعة في العراق، ابن المطهر الحلي، كتابه الشهير “منهاج الكرامة في إثبات الإمامة” فرد عليه ابن تيمية بكتاب “منهاج السنة النبوية في نقض كلام الشيعة والقدرية”.
استعظم خدابنده الأمر، فأشار عليه أحد وزرائه بأخذ مشورة ابن المطهر. الذي أفتاه بوقوع طلاق الثلاث بلفظ واحد طلقة واحدة طبقًا لمذهب الشيعة.
ثم دارت بينه وبين فقهاء السنة مناظرة بحضرة الملك، فأعجبه المذهب، فتشيع. والقصة لا تخلو من مبالغات كعادة قصص التناظر المذهبي.
أما مؤرخو السنة فلا يذكرون القصة. وإن كانوا يقرون بتشيع خدابنده ودور ابن المطهر الحلي في ذلك. يقول ابن حجر العسقلاني عنه في كتابه الدرر الكامنة: “وَكَانَ حسن الْإِسْلَام لَكِن لعبت بعقله الإمامية فترفض”.
الأولى: في طلاق الثلاث بلفظ واحد؛ إذ أفتى بوقوعه طلقة واحدة، وهو ما أثار عليه فقهاء المذاهب الأربعة، وسجن بسببها.
الثانية: في المحلل. وفيها كتب رسالته الشهيرة “إقامة الدليل على إبطال التحليل” أفتى فيها بعدم صحة نكاح المحلل بكل صوره التحايلية. وشنع على من قال بجوازه، وهم فقهاء الأحناف.
ورد في سورة البقرة آية “الطلاق مرتان فإمساك بمعروف أو تسريح بإحسان” ثم في الآية التالية: “فإن طلقها فلا تحل له من بعد حتى تنكح زوجًا غيره”.
ومنه أخذ الحكم الشرعي المعروف بعدم جواز عودة الزوجة بعد الطلقة الثالثة.
زواجًا شرعيًا صحيحًا يستوفي الأركان، لا زواجًا اصطناعيًا صوريًا، إذ يجب أن ينتج عن رغبة، ويشمل الدخول بالزوجة، وينتهي نهاية طبيعية أما بوفاة أو طلاق.
جمهور الصحابة والتابعين ذهبوا إلى تحريم هذا الزواج وبطلانه. ويوصف هذا الزواج بـ “نكاح التحليل / المحلل” استنادًا إلى بعض أحاديث النبي في لعن فاعله، وبينها الحديث الذي أخرجه أبو داود والترمذي وابن ماجة: “لعن الله المحلل والمحلل له“، ورواية سنن ابن ماجة التي تصف الزوج المحلل بـ “التيس المستعار”، وهي رواية ينفرد بها الرواة المصريون من طريق الفقيه المصري الليث بن سعد عن مِشْرَحُ بْنُ هَاعَانَ، عن الصحابي عقبة بن عامر – المتوفى بمصر والمعروف شعبيًا بـ “سيدي عقبة” أن النبي قال: “ألا أخبركم بالتيس المستعار؟. قالوا: بلى، يا رسول الله. قال “هو المحلل. لعن الله المحلل والمحلل له“.
لكن أغلب المحدثين على تضعيف الرواية بدعوى عدم سماع الليث من مشرح، كما ذكر البخاري وغيره.
بالإضافة إلى مرويات وآثار عن عدد من الصحابة والتابعين، ذكرها ابن أبي شيبة في مصنفه في تحريم هذا زواج المحلل وتشبيهه بالمتعة، وبعضهم اعتبره زنا.
في قضية محنة الإمام مالك (راجعها عبر الرابط) ذكرنا أن الأحناف – فقهاء الدولة العباسية – خالفوا الجمهور في طلاق المكره، وقالوا بوقوعه لقياسه على البيعة، وتشددوا في الطلاق اللفظي، فأوقعوا طلاق السكران والهازل وغالب صور الطلاق المعلق. كل هذا لتعظيم قيمة البيعة اللفظية التي تنعقد بها الإمامة، وعدم الاعتداد بكل حيل تحاول إبطالها بدعوى الإكراه أو عدم الإدراك والتحايل.
الأول: التشدد في إيقاع الطلاق اللفظي بكل صورة زاد من حالات الطلاق. فاستدعى ذلك تشريعًا عكسيًا عندهم يجيز زواج المحلل لتخفيف وطأة زيادة الطلاق.
الثاني: الإقرار بصحة زواج المحلل لديهم يدعم صحة العقود المكتوبة التي تعقد للإمام، ويقطع الطريق على إبطالها بدعاوى تحايلية، مثل عدم انعقاد النية، أو فساد الشروط. ولهذا لا يبطل الأحناف العقود بالشروط الفاسدة.
الثالث: حل فوري لرجال السلطة لمسألة إيقاع الطلاق الثلاث بلفظ واحد طلاقًا بائنًا، وهي مسألة شائعة عمومًا.
ولهذا لا يمكن إغفال التلازم بين مسألتي زواج المحلل وإيقاع الطلاق الثلاث بطلقة واحدة في قصة تشيع الملك خدابنده، كنقطة ضعف في الفقه السني عمومًا والحنفي خصوصًا، استغلها الشيعة للترويج لمذهبهم – سواء صحت القصة أم لا – وهو ما تنبه له ابن تيمية كذلك فأعاد النظر في المسألتين.
الأول: إنهم اعتبروا نية التحليل شرطًا فاسدًا. وهم لا يبطلون العقود بالشرط الفاسد.
الثاني: أنهم لا يعتدون بالنية لصحة الأعمال. ولهذا اعتبروا صحة العقد بشرط عدم كتابة نية التحليل فيه.
الثالث: بعضهم حمل أحاديث النهي عن زواج المحلل على الكراهة، وبعضهم أولها إذا ما كان التحليل بأجر، وهو معنى تشبيه التيس المستعار الذي يكون بأجر.
قائمة المنقولات الزوجية | العرف المصري الوسيط بين اليهودية والإسلام | هاني عمارة