قائمة المنقولات الزوجية | العرف المصري الوسيط بين اليهودية والإسلام | هاني عمارة

قائمة المنقولات الزوجية | العرف المصري الوسيط بين اليهودية والإسلام | هاني عمارة

7 Jun 2021
هاني عمارة دقائق.نت

هاني عمارة

باحث في جماعات الإسلام السياسي والتراث الإسلامي

الدين مصر
رابط مختصر
للمشاركة لـ فيسبوك
حجم الخط

قائمة المنقولات الزوجية واحدة من أهم الأعراف في مراسم الزواج في المجتمع المصري؛ حيث جرت العادة أن يشارك أهل العروس في تأثيث منزل الزوجية على أن تكون المنقولات الزوجية “أساس المنزل” ملكًا لها ينتفع الزوج منه في فترة دوام الزواج، على أن يوثق الأثاث في وثيقة تفصلها جميعًا لتستردها العروس في حال وقوع الطلاق.

قائمة المنقولات الزوجية قانونًا

لم يتضمن التشريع المصري نصوصًا خاصة بشأن قانون المنقولات الزوجية. لكن العرف جرى على دخولها ضمن عقود الأمانة التي غطتها المادة 341 من قانون العقوبات بالنص على أن “كل من اختلس أو بدد مبالغ أو أمتعة أو بضائع أو نقودا أو تذاكر أو كتابات أخرى مشتملة على تمسك أو مخالصة أو غير ذلك إضرارًا بمالكيها أو أصحابها أو واضعي اليد عليها وكانت الأشياء المذكورة لم تسلم له إلا على وجه الوديعة أو الإجارة أو على سبيل عارية الاستعمال أو الرهن أو كانت سلمت له بصفة كونه وكيلًا بأجرة أو مجانًا بقصد عرضها للبيع أو استعمالها في أمر معين لمنفعة المالك لها أو غيره يحكم عليه بالحبس ويجوز أن يزيد عليه غرامة لا تتجاوز مائة جنيه مصري”.

ولأن الزوج يوقع على قائمة المنقولات الزوجية من باب “عقود الأمانة” يعاقب بالحبس حال تبديدها.

لكن مقترح قانون الأحوال الزوجية الجديد تضمن النص على قائمة المنقولات الزوجية باعتبارها ملكًا خالصًا للزوجة، ما لم يتفق الطرفان على خلاف ذلك كتابة، على أن ينتفع بها الزوجان في حال حياتهما، ما دامت الحالة الزوجية قائمة.

وثيقة يهودية قديمة

في المكتبة التابعة للمعبد اليهودي في القاهرة، توجد أقدم نسخة من قائمة المنقولات الزوجية في مصر، التي يرجع تاريخها إلى عام 1160 ميلادية. وتتضمن نفس مواصفات قائمة المنقولات الزوجية الحالية؛ إذ تشمل منقولات وأثاث منزل الزوجية بكامل تفاصيله من الملعقة وحتى الأثاث.

وثيقة دار الجنيزة حول قائمة المنقولات الزوجية

وثيقة دار الجنيزة حول قائمة المنقولات الزوجية

فسر البعض الوثيقة بأن اليهود “المصريين تحديدًا” لجأوا لتدوين قائمة المنقولات الزوجية لمنع تعدد الزوجات الذي كان منتشرا بين المسلمين حينها، ومنع زواج اليهوديات من المسلمين. لكن وثائق زواج يهودية أقدم تعود لما قبل الإسلام تتضمن قائمة المنقولات الزوجية.

وثيقة زواج يهودية توثق قائمة المنقولات الزوجية

وثيقة زواج يهودية توثق قائمة المنقولات الزوجية

التشريع اليهودي وأسبابه

 بالرجوع للمصادر اليهودية، نجد أن قائمة المنقولات الزوجية قديمة في الديانة، ومنصوص عليها في كتبها. فبعكس الإسلام الذي لا يشترط الكتابة ويكتفي بالشفاهة والإشهاد في الزواج عمومًا، فاليهود كانوا أبدوا اهتمامًا بالغًا بكتابة عقود الزواج وتفاصيلها، ولها باب مخصوص في التلمود “كتوبوت”.

وأساس عقد الزواج في اليهودية هو الصداق أو المهر “كتوبا” ويعنون بها مؤخر الصداق تحديدًا، وهو مبلغ مالي يكتب للمرأة تحصل عليه في حال الطلاق أو وفاة الزوج، بخلاف المقدم الذي يعطي لوالد العروس.

والشريعة اليهودية تجعل ما تكسبه المرأة من مال ملكًا لزوجها نظير إنفاقه عليها.

ولأن التشريع اليهودي يقضي بأن انتقال الزوجة إلى بيت الزوج يعني أن يصبح ما تكسبه من مال ملكًا لزوجها، وأن ما تملكه من أرض ومتاع تجلبه لبيت الزوجية، يحق لزوجها التمتع به نظيرًا للإنفاق عليها، ولأنها لا ترث من تركة الزوج، يبقى لها أصل مالها قبل الزواج والصداق “كتوبا” في حال الطلاق أو الوفاة.

ولهذا نص حاخامات اليهود على إثبات قائمة المنقولات الزوجية وكل ما تملكه في العقد، أو أن يكتب أربعة أخماس قيمته مضافًا إلى الكتوبا.

هل لها جذور مصرية قديمة؟

ويرى بعض الباحثين أن الهدف من الكتوبا هو تقليل الطلاق، وأن فكرتها مأخوذة من غرامة الطلاق الموجودة في العقود المصرية القديمة، حيث توثق بردية محفوظة في المتحف المصري عقد زواج يعود تاريخه إلى عام 231 ق.م أبرم بين أمحوتب وتاحاتر، يتعهد فيه الزوج بدفع تعويض مالي في غضون ثلاثين يومًا في حال الانفصال، كما تحتفظ المرأة بأثاثها.

  عقد زواج مصري قديم

الحب في مصر القديمة | عرفوا زواج التجربة ونقشوا صور الجنس على الجدران | الحكاية في دقائق

ماذا عن الإسلام؟

يتشابه الإسلام مع اليهودية في مسألة الصداق. لكنه يتشدد في المقدم ويجعله الأساس، ولا يشترط المؤخر بعكس اليهودية التي تجعل المؤخر هو الأساس وتتساهل في المقدم. والسبب كما أسلفنا أن المرأة لا ترث في اليهودية لكنها ترث في الإسلام.

وبعكس اليهودية، يميل الإسلام لمنح المرأة الاستقلال المالي.

ونص المشروعون في الإسلام أن ما تجلبه المرأة من متاع من مالها أو مال أبيها إلى بيت الزوجية، ويطلق عليه “الشورة” أو “الشوار” أو “الأنماط” أو “الجهاز” يبقى حقًا لها. لكنهم لم يشترطوا توثيقه في قائمة المنقولات الزوجية كما نعرفها حاليًا، واكتفوا بالشهود فيه في حال الخلاف ،كما نص ابن رشد (الجد) في مسائله.

وبعكس اليهودية، لا يجيز جمهور الفقهاء للزوج التمتع بشورة  الزوجة التي تجلبه معه بغير رضاها، بينما ينفرد  المالكية بجواز ذلك إذا أعطى المرأة صداقها؛ حيث جرى العرف على تجهيز منزل الزوجية من مقدم الصداق.

ومذهب المالكية في هذا هو الأقرب للعرف المصري حاليًا. لكنه كذلك لم يشترط توثيقه وكتابته.

ولمذهب مالك تأصيل في ذلك، وهو عمل أهل المدينة الذي يعد أصلًا أساسيًا من أصول المذهب يقدمه على الأحاديث.

وقد ورد في بعض الأحاديث ما يدل على ذلك. منها حديث ورد في سنن النسائي عن تجهيز النبي لفاطمة قبل دخولها بعلي بن أبي طالب بقطيفة وقربة ووسادة، وحديث البخاري بوصية النبي لجابر باتخاذ أنماط  “فرش وستائر”.

ابن بطال القرطبي المالكي يقول في شرح البخاري: “وفيه: اتخاذ شورة البيوت للنساء”. وفيه: دليل أن الشورة للمرأة دون الرجل، وأنها عليها في المعروف من أمر الناس القديم؛ لأنه – عليه السلام – إنما قال ذَلِكَ لجابر؛ لأن أباه ترك تسع بنات فقام عليهن جابر وشورهن بعد أبيه وزوجه”.

واستدلال ابن بطال بالحديث دلالة على أن عادة شورة النساء قديمة، وأنها كانت في عرف أهل المدينة قبل الإسلام؛ لأن جابر أنصاري خزرجي؛ فربما انتقلت لهم من اليهود الذين كانوا يستوطنون المدينة ثم انتقلت لمذهب مالك بالعادة.

الزواج المصري بين اليهودية والإسلام

نلاحظ أن العرف المصري يتشابه مع اليهودية في التركيز على مؤخر الصداق في شيئين:

1 – تجهيز البنت للزواج من مالها أو مال ابيها وتوثيقه في قائمة المنقولات الزوجية كتابة عينًا أو قيمة

2 – الاهتمام بالمؤخر “الكتوبا عن اليهود” دون المقدم؛ حيث جرت العادة عدم دفع مقدم الصداق أو كتابته كمبلغ رمزي في العقد والاكتفاء بتوفير السكن والشبكة. وهو ما يرفع كلفة الطلاق عند المصريين بنفس القدر لدى اليهود.

وعلى الناحية الأخرى، يلتزم العرف المصري بالتشريع الإسلامي بالاستقلال المالي للزوجة قبل وبعد الزواج.


رابط مختصر
للمشاركة لـ فيسبوك

موضوعات متعلقة

التعليقات (0)

يجب عليك .. تسجيل الدخول أو التسجيل لتتمكن من التعليق.

تعليقات الفيسبوك