ما سر انحياز شيخ الأزهر للتجديد الديني الآن؟ وهل ناقض موقفه السابق؟| عبد السميع جميل

ما سر انحياز شيخ الأزهر للتجديد الديني الآن؟ وهل ناقض موقفه السابق؟| عبد السميع جميل

8 May 2021
رابط مختصر
للمشاركة لـ فيسبوك
حجم الخط

لم تغب عنا السجالات الساخنة بين شيخ الأزهر أحمد الطيب وبين الرئيس عبد الفتاح السيسي حول تجديد الخطاب الديني.

عبارات “أتعبتني يا فضيلة الإمام”، و”سأحاجيكم أمام الله يوم القيامة”، مازالت حاضرة في الأذهان، وكذلك موقف شيخ الأزهر الرافض للاستجابة لطلب الرئيس بإلغاء الطلاق الشفهي، وتصريحاته الأشبه ما تكون بالمزايدات السياسي، مثل قوله: “الديمقراطية وحقوق الإنسان أهم من قضية الطلاق الشفوي”!.

لم يغب عنا أيضًا سجال الإمام مع رئيس جامعة القاهرة محمد عثمان الخشت، حين قال الإمام بوضوح: “أرجوكم ابحثوا عن مشكلة غير التراث”. مؤكدًا أن التراث ليس في حاجة إلى تجديد، بل في حاجة إلى المزيد من المطالبة بحضوره في حياتنا، انطلاقًا من قناعة الإمام بنفس منطق الجماعات الدينية التي تعتقد أن تراث الإسلام غائب عن حياتنا!.

الإمام كان يرفض دائمًا إرجاع أسباب التخلف أو الإرهاب للتراث، ودائمًا ما كان يقدم أسبابًا سياسية واستعمارية لهذا الإرهاب والتخلف، حتى يبرأ التراث من كل عيب وعنف وتطرف.

ثم إذا به الآن عبر برنامجه الرمضاني وتغريداته الأخيرة عبر الإنترنت يكاد ينقلب على كل ما سبق تقريبًا! ليعلن الإمام أن “الدعوة لتقديس التراث الفقهي تؤدي إلى الجمود”!، بعدما كان يصرح بأن “الحرب بين التراث والحداثة، حرب مصطنعة”!.

هل فهمنا مقصد الرئيس السيسي عن “إعلاء القيم الدينية على الإنسانية”؟ | عبد السميع جميل

هل لـ “محمد بن سلمان” علاقة؟

يتهم البعض الإمام بتغيير رأيه في مسألة التجديد تبعا لتصريحات ولي العهد السعودي، حيث انتشرت تصريحاته الأخيرة عن ضرورة الإصلاح الديني بعد تصريحات ولي العهد السعودي في الاتجاه نفسه بـ 3 أيام فقط!،

ويدافع البعض عن الإمام الأكبر بأن تلك الحلقات مسجلة من فترة طويلة، ومن المصادفة ظهورها في هذا التوقيت هي وتغريداته الأخيرة.

صحيح أن المملكة كانت أكثر الدول دعمًا للأزهر في الفترة الأخيرة؛ حيث أنفقت على ترميم الجامع الأزهر وتطوير بنيته الأساسية وتوسعة مدينة البعوث وتطوير العديد من المكتبات والهيئات والمراكز البحثية بالأزهر، بل وبناء المعاهد الأزهرية، ولكن لا يعني هذا أن الإمام الطيب من الممكن أن يستجيب لدعوة التجديد الديني عندما تأتي من الخارج، ولا يستجيب لها عندما تأتي من داخل المؤسسة الرئاسية المصرية.

في برنامجه “الإمام الطيب” تحدث الإمام نفسه لأول مرة عن سر وسبب مواقف الأزهر السابقة المناهضة للتجديد، فقال إن من بين علماء الأزهر “من يرون أن كل تجديد خروج على الشريعة وتفريط في الدين وتمهيد للانسحاق والذوبان في الحضارة المادية الزائفة”.

وأضاف “أن الآراء المناهضة للتجديد كانت متحسبة لردود أفعال المتشددين”!.

هذه إذن الأسباب الوجيهة التي يمكن اعتمادها من شيخ الأزهر نفسه بعيدًا عن الاتهامات والمزايدات والتشكيك في نيته، فالرجل يقول إن هذا التجديد “بات يحسب له ألف حساب عند علمائنا” ولذلك “اقترح اجتهاد جماعي من علماء الأمة”!، حتى لا يقع أحدهم فريسة الابتزاز والمزايدة من المتشددين!.

الشق الديني في حوار محمد بن سلمان: لسنا في زمن محمد بن عبد الوهاب

استراتيجية التجديد عند الأمام

في برنامجه “الإمام الطيب” وضع الإمام الطيب استراتيجية في التجديد، وقال بضرورة “التفرقة بين الشريعة والفقه، والتأكيد على كون هذا الفقه ليس معصوما ويمكن تغييره إذا ما جد جديد”.

الجديد أيضًا، قوله: “الفقه معارف وتراث يؤخذ منه ويترك”!، وإن “أي خلط للشريعة والفقه سيؤدي إلى تأليه البشر وتقديس الفكر الإنساني”!.

صحيح أن هذا الكلام كان معروفًا من قبل، ولكن الإشارة والتأكيد عليه الآن في عز الخلط بين الشريعة والفقه، والعقيدة وعلم الكلام، أمر بالغ الأهمية.

الرجل أعاد الاعتبار مرة أخرى إلى أهمية تلك المساحة الواسعة جدًا خارجة دائرة التكاليف، وأعاد العمل بقاعدة “الأصل في الأشياء الإباحة”، وقال إن “قلة ومحدودية آيات التكاليف والأحكام في مجال المعاملات تفتح باب الاختلاف والاجتهاد والتنوع في الرأي، وفي الوقت ذاته تقلل التعصب”!.

ربما خوفه من مزايدة المتشددين هو ما دفعه للتأكيد دائمًا على أنه “لا تجديد بحال من الأحوال في النصوص القطعية، أما النصوص الظنية فهي محل اجتهاد وتجديد”.

صحيح أنه قال نصًا: “النصوص القطعية تتعلق بالعبادات، والظنية تتعلق بالمعاملات”. إلا أنه أدخل مسائل كالمواريث في تلك النصوص القطعية الخاصة بالعبادات التي لا يجوز فيها التجديد من وجهة نظره!.

الطابع السياسي للتجديد

في ما عدا حديث الإمام عن تولى المرأة جميع الوظائف والمناصب، وسفرها دون محرم، وإلغاء بيت الطاعة، وجرم الطلاق التعسفي، ومنع الأب من رفض تزويج المرأة بمن ترضاه، فإن أغلب مسائل التجديد الأخرى التي تحدث عنها يغلب عليها الطابع السياسي،

فهو يقول بوضوح أن هدفه من التجديد هو “دعم الدولة الوطنية الدستورية الديمقراطية الحديثة والتأكيد على أن الإسلام لا يعرف ما يطلق عليه الدولة الدينية”!.

ومن أهدافه أيضًا: “التأكيد على مبدأ التعددية الدينية والمواطنة وربط الجهاد بسلطة الدولة فقط”.

لذلك يؤكد الإمام أن “التجديد يكون في النصوص الظنية التي لا تعطي المسلمين حرية الحركة والتأقلم بالأنظمة الحديثة في مجال العلاقات الدولية ومجال القوانين الجنائية ، طبعا في غير مجال الحدود الشرعية، وإن كان مجال الحدود الشرعية هذا قد وضع له من القواعد والاشتراطات الشرعية ما يجعل من إقامة الحد أمر نادر الحدوث! وقل مثل ذلك في مجال الاقتصاد ومجالات الأحوال المدنية، وكل ما يشمله قانون التطور من اجتماعات وآداب وثقافات، ما دامت تندرج بصورة أو بأخرى تحت مقاصد الشريعة”.

الإصلاح الديني | هل الدولة جادة في تحقيقه؟ ومن المستفيد الأكبر من تعجيله / تعطيله؟| حيدر راشد

تجاوز إنكار السنة!

الداعية الموقوف عن العمل “عبد الله رشدي” كان حريصًا على التصريح مؤخرًا بأن: “لم يصدر من الأزهر أي تراجع عن وجوب الأخذ والعمل بالسنة، المتواتر منها والصحيح من الآحاد”!.

فإذا بشيخ الأزهر يفاجئ الجميع بموقف جديد ومتقدم ومتطور جدًا في التعامل مع السنة والأحاديث النبوية، موقف تجاوز فيه منطق اعتماد السنة كمصدر تشريع مشروطا حسب المتواتر أو الآحاد أو الصحيح أو غير الصحيح منها، حيث قال بوضوح: “ليس كل ما ورد عن الرسول يعد تشريعا ذا حجة ملزمة شرعًا للمسلمين”!.

الطيب قسّم الأحاديث تقسيمًا مختلفًا، وفق قاعدة “الحديث المعمول به، والحديث غير المعمول به”، واستند في ذلك على أقوال علماء سابقين تشير إلي “أنه لا يلزم من صحة سند الحديث وجوب العمل به، وعلة ذلك أنه قد يصح الحديث، ويمنع العمل به مانع من الموانع”!.

واعتمد الرجل أيضًا على الحاكم النيسابوري والإمام مالك، وقال عن الأخير: “إن مذهبه كله كان يقوم على قاعدة عمل أهل المدينة مقدم على الحديث الصحيح”!.

وضرب الشيخ الطيب مثالًا بحديث صحيح مسلم عن عدم بدء اليهود والنصارى بالسلام، وقال أنه كان خاصا بظروف معينة، قد انتهت، ومن الواجب تحرى هذه السنة ومعرفة إن كانت خاصة أو عامة او مقيدة بظروف معينة!.

مثال آخر حديث: “لا يَحِلُّ لِامْرَأَةٍ تُؤْمِنُ باللَّهِ واليَومِ الآخِرِ أنْ تُسافِرَ مَسِيرَةَ يَومٍ ولَيْلَةٍ ليسَ معها حُرْمَةٌ”. قال الإمام الطيب: “قد تغير نظام الأسفار في عصرنا الحديث، وتبدلت المخاطر التي تصاحبه، وتبدل كل ذلك إلى ما يشبه الأمان، ومن ثمَّ الاجتهاد الشرعي لا مفر له من تطوير الحكم من منع السفر إلى الجواز بشرط الرقعة المأمونة”!.

لماذا استبعد التجديد في التشريعات القرآنية؟

المثير للتعجب أن هذه الجرأة والشجاعة غير المسبوقة من شيخ الأزهر في التعامل مع الأحاديث بمنطقها التاريخي، لم تدفعه إلى مد الخط على استقامته في التعامل مع التشريعات القرآنية أيضًا بنفس المنطق التاريخي، فقد رفض ذلك قائلًا: “إن تشريعات القرآن تشريعات خالدة ليست مرهونة بفترة تاريخية”!.

وذلك رغم وجود تشريعات قرآنية كثيرة تعطلت وتوقفت بالمنطق نفسه مثل أحكام ملك اليمين، وهو أمر يستحق التأمل الحقيقي في طبيعة هذا التجديد، ويعطي فرصة لوصفه بأنه قائم على التلفيق والتجاور بين المتناقضات عند الإمام.

لماذا يتخلص محمد بن سلمان من ميراث الصحوة الآن؟ وهل تأخرت مصر؟ | عبد السميع جميل

هل يستقيم التجديد مع الوصاية والاحتكار والسلط؟!

لم يخلُ برنامج الإمام من مدح الأزهر ووصفه بقلعة التجديد والاجتهاد، ولم يشر مجرد إشارة صغيرة لعيب أو نقص أو جمود في الأزهر عبر تاريخ الطويل.

لم يخلُ البرنامج أيضًا من الترويج لنظرية المؤامرة، والطعن في الحضارة الغربية الحديثة، ووصف حقوق الإنسان بأنها مجرد ستار للتسلط على الشعوب والتدخل في شؤونها والعبث في سلامتها وقيم شعوبها وثقافتها وعقائدها!

ومن الأمور شديد السوء والسلبية أيضًا في حديث شيخ الأزهر أنه جعل هذا التجديد قائمًا على الوصاية والاحتكار من الأزهر وحده، صحيح هو نفسه قال: “لا أريد أن أوهمك أيها المشاهد الكريم أنني أعد نفسي واحدًا من علماء التجديد أو فرسان الاجتهاد، فأنا يعلم الله دون ذلك بكثير جدا”.

إلا أنه قال بعدها مباشرة: “إن عملية التجديد صناعة بالغة الدقة لا يحسنها إلا الراسخون في العلم”.

والواقع التاريخي يؤكد أن كل دعاوى التخصص التي رفعها الأزهر كانت في وجه متخصصين بالفعل؛ مثل الطهطاوي ومحمد عبده على عبد الرازق وطه حسين وأمين الخولي ومحمد أحمد خلف الله ونصر حامد أبو زيد وغيرهم، ومن ثمَّ كيف يمكن قبول التجديد من مؤسسة تمارس وصاية واحتكار للفكر من الأساس؟!

يعتقد الأزهر أن هذه الوصاية هي حماية للدين من التشويه من قبل المتطرفين والمنكرين معًا، فهو لا يريد أن يقتنع بأن مسألة مواجهة التشويه تكون عن طريق مواجهة الفكرة بالفكرة، وليس بالتسلط والتجبر، إلا إذا تحولت الفكرة إلى انتهاك لحقوق وحريات الناس فقط.

ولذلك لا يمكن أن نشهد تجديدًا حقيقيًا طالما لا يريد الأزهر أن يخرج من دائرة الوصاية التشريعية، ولا يريد أن يلعب فقط دوراً تعليميًا ومعرفياً متعدد الثقافة والمذاهب الفقهية والكلامية دون وصاية أو فرض لمذهب ورؤية وشكل واحد ومحدد للفكر الديني علي الناس.

رابط مختصر
للمشاركة لـ فيسبوك

موضوعات متعلقة

التعليقات (0)

يجب عليك .. تسجيل الدخول أو التسجيل لتتمكن من التعليق.

تعليقات الفيسبوك